تعتبر الجالية اليهودية في اليمن احدى الاقدم في العالم، ورغم أنهم مُكون رئيس في هذا البلد، فقد رحل الالاف منهم لأسباب مختلفة، آخر دفعة من 19 شخصا رحّلتهم إسرائيل بعد أن تعهد &خمسون يهوديا يقيم اربعون منهم في صنعاء، بالبقاء في هذا البلد الذي يشهد نزاعا مسلحا.


صنعاء: تعتبر الجالية اليهودية في اليمن التي اعلنت اسرائيل الاثنين اخراج 19 فردا منها، احدى الاقدم في العالم. في نهاية الاربعينات كان اليمن يضم خمسين الف يهودي.

ولكن لم يبق من هؤلاء سوى 1200 بعد رحيل غالبيتهم الكبرى اثر انتهاء الحرب الاولى بين اسرائيل والعرب والتي اعقبت قيام دولة اسرائيل العام 1948. واخرج هؤلاء على دفعات وخصوصا بعدما رفع العام 1993 حظر السفر الذي فرض عليهم بداية التسعينات.

وبعد عملية الاخراج الاخيرة، قرر خمسون يهوديا يقيم اربعون منهم في صنعاء البقاء في اليمن الذي يشهد نزاعا منذ نحو عام.

وقال مدير الاتصالات في الوكالة اليهودية شبه الحكومية المسؤولة عن تنسيق هجرة اليهود الى اسرائيل يغال بالمور الاثنين ان هذا يعني "نهاية الجالية" اليهودية في اليمن مبديا قلقه على مصير اليهود المتبقين في بلد "بالغ الخطورة بالنسبة اليهم".

وكان اليهود اليمنيون يقيمون خصوصا في شمال البلاد الذي يسيطر عليه المتمردون الحوثيون حاليا.

ومع بداية الالفية الثالثة، كان لا يزال نحو 300 يهودي يقيمون في اليمن. وقد تضاءل هذا العدد مذذاك مع تنامي نفوذ "جهاديي" تنظيم القاعدة ثم "جهاديي" تنظيم الدولة الاسلامية، اضافة الى تهديد المتمردين الحوثيين قبل ان تندلع الحرب في اذار/مارس 2015.

وتضم الدفعة الاخيرة التي وصلت الى اسرائيل 14 شخصا من مدينة ريدة وعائلة مؤلفة من خمسة اشخاص من صنعاء.

واوضحت الوكالة اليهودية ان المجموعة التي قدمت من ريدة "ضمت حاخام الجالية هناك الذي احضر مخطوطة للتوراة يعتقد ان عمرها ما بين 500 و600 عام".

والعام 2000، قال الحاخام السابق للجالية في ريدة (80 كلم شمال صنعاء) يحيى بن يعيش لوكالة فرانس برس ان "اليهود الذين هاجروا الى اليمن بعد حصار الامبراطور الروماني تيتوس للقدس كانوا عشرات الالاف. انتشروا في كل انحاء" اليمن.

وفي العام المذكور كان ابناء بن يعيش واحفاده قد غادروا. واوضح انه اختار البقاء في اليمن بعدما حاول ان يقيم في اسرائيل لفترة. واضاف لفرانس برس "لم اتحمل العيش هناك. هنا، اشعر بانني في بلدي".

عرف بن يعيش بقدرته على شفاء المرضى، وكان يقصده اليهود والمسلمون على السواء.

وصلوا الى اسرائيل منهكين!

"تعبنا كثيرا والرحلة لم تكن سهلة"، بهذه الكلمات وصف الحاخام سلمان يحيى يعقوب دهاري رحلته من اليمن الى اسرائيل التي وصلها ليلة الاحد الاثنين.

واكد الحاخام دهاري الذي وضع العمامة اليمنية واطلق لحيته وسوالفه لوكالة فرانس برس في مركز استيعاب المهاجرين الجدد في مدينة بئر السبع جنوب اسرائيل "نحن من منطقة خالف في مدينة ريدة (...) تعبنا كثيرا لقد مررنا بثلاث دول واستغرقت رحلتنا يوما واحدا".

وقالت الوكالة اليهودية شبه الحكومية المسؤولة عن تنسيق هجرة اليهود الى اسرائيل، في بيان "وصل 19 فردا الى اسرائيل في الايام الاخيرة، بما في ذلك 14 شخصا من مدينة ريدة وعائلة مؤلفة من خمسة اشخاص من صنعاء". ووصل من هؤلاء 17 ضمن الفوج الذي ضم الحاخام سلمان.

تقع مدينة ريدة في محافظة عمران شمال غرب اليمن ويسيطر عليها مثل العاصمة صنعاء المتمردون الحوثيون الذين يقاتلون قوات الحكومة المعترف بها دوليا والمدعومة من التحالف العربي الذي تقوده السعودية.

لكن موظف الوكالة اليهودية في مركز الاستيعاب اوقف الحاخام عن الاسترسال في سرد تفاصيل رحلته باشارة من يده وطلب منه ان لا يتحدث "عن الرحلة اكثر".

وبدا على القادمين التعب والارهاق &وكانت عيونهم شديدة الاحمرار من قلة النوم وغطت النساء شعورهن وارتدين فساتين طويلة محتشمة في المركز المحاط بسياج حديدي وبوابة دوارة يراقبها حارس.

وقال الحاخام سلمان "نحن 17 شخصا بينهم زوجتي مازال يهودا. لم نكن &في خطر كبير، كان هناك &خوف، وانا حضرت من اجل اولادي الذين جاؤوا قبل ستة اشهر الى اسرائيل".

واضاف "احضرت معي نسخة من التوراه عمرها 600 سنة، اخذتها من والدي الذي كان هو ايضا حاخاما وورثها عن جدي الحاخام الذي ورثها بدوره عن اجداده".

وعما ينوي فعله قال "لا نعرف حتى الان. انا مرتاح لانني رايت اولادي الحمد الله".

وللحاخام سلمان تسعة أبناء هم خمس بنات واربعة اولاد، وكان يقوم بتدريس الدين اليهودي ويعقد القران ويهتم بالشؤون الدينية لأبناء طائفته.

وقال يحي وضبي الموظف في الوكالة اليهودية المسؤولة عن تنسيق هجرة اليهود الى اسرائيل والذي وصل قبل عشر سنوات من اليمن ان عملية اخراج آخر من تبقى من اليهود من اليمن "كات معقدة جدا" رافضا الكشف عن الجهات التي ساعدتهم ووصف ذلك بانه "سر".

كما رفض يحيى الكشف عن "التكلفة المالية لهذه العملية".

واضاف ان المركز "يساعد المهاجرين بتوفير السكن والطعام لسنة ونصف سنة االى ان يجدوا شقة ويقرروا ما يريدون عمله".

وتابع "انهم مرهقون لم ياكلوا منذ الصباح ولم يناموا".

واشار الى "وصول 400 يهودي من اليمن خلال الاربع سنوات الماضية". واكدت الوكالة اليهودية للهجرة انها "انقذت حوالي 200 يهودي من اليمن" في السنوات الاخيرة.

واعلنت الوكالة اليهودية الاثنين ان عملية نقل اليهود ال19 كانت "سرية ومعقدة" وكان الهدف منها "انقاذ بعض اخر المتبقين من احدى اقدم المجموعات اليهودية في العالم".

ولم يسمح للصحافيين بالدخول الى مركز الاستيعاب وبقوا عند المدخل في الممر.

وقال تصيون دهاري (19 عاما) اليمني الاصل الذي خرج من المركز مع شقيقاته اللواتي وصلن مع والديه ليلة الاحد الى الاثنين "انها اول مرة التقي مع اخواتي منذ اربع سنوات. أريد ان أشتري السكاكر والحلوى لهن".

وارتدت شقيقاته ذوات الشعر الأسود والعينين الداكنتين استر (11عاما) وهداية (9 سنوات) ومالكه (7 سنوات) فساتين سوداء طويلة ومزركشه بالخرز البراق.

وقالت استر بلهجة يمنية خالصة "جئنا من صنعاء. نحن نخاف القباىل". وفسر اخوها ذلك قائلا "القباىل هم العرب".

اما هداية فقالت "أنا في الصف الثاني. لي صديقات كثيرات في اليمن وانا أحبهن".

وقال تصيون الذي وصل قبل أربع سنوات الى اسرائيل، "أنا هنا أدرس التوراة. كنت ارغب بدراسة شيء اخر لكن الأمر يكلف الكثير من النقود". ويضع تصيون القلنسوة على راسه ويزين سرواله بخيوط يضعها المتدينون.&

وقال مبتسما "سنحتفل بعد غد معا في عيد بوريم (عيد المساخر) وسترتدي اخواتي ملابس خاصة. أمي خياطة وابي كان صاحب حانوت في اليمن".

واصطحب المسؤولون عن مركز الاستيعاب المهاجرين اليهود اليمنيين الى وزارة الداخلية الاثنين لاصدار هويات اسرائيلية.

ابرز عمليات نقل اليهود الى اسرائيل

اخرجت اسرائيل خلال الايام القليلة الماضية 19 يهوديا من اليمن ونقلتهم الى اراضيها في "عملية سرية ومعقدة" كان الهدف منها انقاذ بعض اخر المتبقين من احدى اقدم المجموعات اليهودية في العالم، بحسب ما اعلن مسؤولون الاثنين.

وكانت اسرائيل اقدمت على عمليات مماثلة في السابق من دول اخرى. وفي ما يلي ابرز عمليات نقل اليهود الى الدولة العبرية.

-اليمن : اعلنت الوكالة اليهودية المسؤولة عن تنسيق هجرة اليهود الى اسرائيل الاثنين وصول &19 شخصا من يهود اليمن، في نهاية عملية بدأت عام 1949 لاستقدام يهود كانوا يعيشون بين صعدة وريدة وارحب (شرق صنعاء).

ولا يزال هناك وفق الوكالة قرابة 50 يهوديا في اليمن اختاروا البقاء حيث هم.

وكانت الدولة العبرية اقدمت على جلب نحو 50 الف يهودي من اليمن في الفترة ما بين 1949 و1950 في اطار عملية سميت عملية "بساط الريح". وتم التفاوض حول شروط العملية مع السلطات اليمنية واخرج اليهود عبر مدينة عدن.

وبقي في حينه 1200 يهودي في اليمن، وتم اخراجهم في فترات لاحقة.

-سوريا : قام جهاز الاستخبارات الاسرائيلي (الموساد) ووحدة كوماندوس بحرية اسرائيلية في بداية السبعينات بعملية لاخراج عشرات الشبان اليهود السوريين &بشكل سري الى اسرائيل، بحسب ما كشفت صحيفة يديعوت احرونوت في تشرين الاول/اكتوبر عام 2005.

وعملا باوامر رئيسة الوزراء في حينه غولدا مئير، تم تنظيم عمليات الاخراج عبر البحر من السواحل السورية عبر لبنان.

وعند قيام دولة اسرائيل عام 1948، كان هناك نحو 30 الف يهودي في سوريا، لكنهم غادروا على دفعات متتالية في اتجاه اسرائيل. وقدر تقرير اميركي حول حرية العبادة يعود الى عام 2014 عدد اليهود في سوريا باقل من عشرين شخصا.

وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2015، اقدم رجل اعمال اسرائيلي-اميركي يدعى موتي كاهانا على اخراج سوريتين يهوديتين من سوريا وايصالهما الى اسرائيل، بينما عادت سورية يهودية ثالثة كانت ترافقهما مع عائلتها من حيث أتت بعد رفض الدولة العبرية منحها تأشيرة دخول كونها متزوجة من مسلم.

-العراق : عند قيام اسرائيل عام 1948، كان هناك 134 الف يهودي. لكن هذا العدد سرعان ما انخفض بسبب تعرضهم للمضايقات وسهولة اتهامهم بالعمل لصالح اسرائيل.

و بدأت "عملية عزرا ونحميا" في الفترة بين عامي 1949-1951 غادر خلالها 96 % من يهود العراق جوا الى اسرائيل.

-اثيوبيا : هاجر اكثر من 100 الف يهودي اثيوبي الى اسرائيل منذ الثمانينات في اطار عدة عمليات. كانت اهمها عملية سليمان في ايار/مايو 1991 عند سقوط نظام منغيستو هايلي ميريام، ما سمح بنقل 20 الف شخص الى اسرائيل في خلال 36 ساعة فقط.

وقبل عملية سليمان كانت هناك عمليات موسى (1948) وجوشوا في عام 1985 بمساعدة سلاح الجو الاميركي.

وفي سنوات الالفين، تم تنظيم عمليات نقل لنحو 30 الف من الفلاشا اي يهود اثيوبيا الذين تحولوا قسرا الى المسيحية في القرن التاسع عشر.

ووصلت المجموعة الاخيرة التي سمح لها بالوصول الى اسرائيل في 28 نيسان/ابريل 2013.