قال الدكتور كمال الهلباوي، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، والمتحدث باسم التنظيم الدولي للإخوان المسلمين سابقًا، إن الجماعة انتهت تمامًا، مشيرًا إلى أن المرشد العام الحالي محمد بديع، يتحمّل المسؤولية عن كل الانحرافات والمظالم الموجودة حاليًا.

القاهرة: يأتي حديث الهلباوي متزامنًا مع الذكرى الـ 88 لإنشاء الجماعة على يد الشيخ حسن البنا، وفي ظل تعرّضها لأقسى الضربات في تاريخها في مصر والمنطقة العربية، مع تصنيفها تنظيمًا "إرهابيًا"، واعتقال وقتل وهروب قياداتها إلى خارج مصر.
&
أضاف الهلباوي في الحلقة الأخيرة من مقابلته مع "إيلاف"، أن الجماعة والرئيس السابق محمد مرسي ارتكبوا عشرة أخطاء قاتلة أثناء الحكم، موضحًا أن من بين هذه الأخطاء إهمال الخبرات والكفاءات والاعتماد على أهل الثقة، وتعميق الانقسام السياسي والمجتمعي بين المصريين، ومعاداة معظم مؤسسات الدولة، وعدم الوفاء بالوعود، وقصر الحوار الوطني على الموالين.
&
ولفت إلى أن حالة حقوق الإنسان في مصر ليست سوداء، وليست كاملة البياض، معتبرًا أن هناك تقدمًا، ولكن منظمات دولية ومحلية تقدم صورة قاتمة عنها، وقال: "هناك تحسن في أوضاع حقوق الإنسان، لكن الناس لا يشعرون بها بسبب كثرة المظالم وانتشار الفساد".
&
وإلى تفاصيل المقابلة:
&
هل تسهم الخلافات الحالية التي تعانيها جماعة الإخوان في القضاء عليها تمامًا؟
&
جنت على نفسها
جماعة الإخوان المسلمين في مصر انتهت تمامًا، ولكن التنظيم الدولي ما زال موجودًا. والصراعات داخل &الجماعة تؤشر إلى أن الجماعة انحرفت عن الطريق، وتكتب مشاهد النهاية، وما يحصل لها يعتبر من نتائج أخطاء القيادة الموجودة داخل السجن الآن. القيادة الأخيرة للجماعة هي سبب كل الانحرافات والمظالم الموجودة.
&
في عهد حسن البنا، حصلت أخطاء، ولكن لم تنتهِ الجماعة، الأخطاء التي حصلت في عهد محمد بديع المرشد العام، ونوابه خيرت الشاطر ومحمود عزت ومحمود حسين، أنهت الدعوة تمامًا. كان اهتمامهم الأول هو الوصول إلى السلطة والعمل السياسي، وليس العمل الدعوي، إضافة إلى الأخطاء التي ارتكبوها أثناء الحكم.
&
إقرأ في "إيلاف" الجزء الأول من المقابلة
عبد الناصر لم يقم بثورة يوليو إلا بعد موافقة المرشد
&
&
وما تلك الأخطاء التي ارتكبها الإخوان في فترة حكمهم في مصر؟
هناك أخطاء عشرة ارتكبها الإخوان في الحكم. أولًا: تقريب أهل الثقة، وإهمال أهل الخبرات والتجارب الكبيرة من غير الإسلاميين، ونتجت من ذلك مصائب وتحديات كثيرة، حتى إن المجلس القومي لحقوق الإنسان في عهد محمد مرسي، كان يضم في عضويته الإسلاميين والموالين تمامًا، وهي البلاء والخطأ نفسه الذي وقع فيه مبارك من قبل.
&
ثانيًا: عدم الوفاء بالوعود والعهود، التي قطعها مرسي على نفسه في الجولات الانتخابية، ومنها وعود المائة يوم الأولى من الحكم، ومحاولة تبرير ذلك، وهذه كارثة من رئيس إسلامي، كان لا بد أن يحرص على الوفاء بالوعود والعهود التي قطعها على نفسه. وأرى أنه كان من الواجب على الدكتور مرسي بعد فشله في الوفاء بالوعود بعد المائة يوم الأولى، أن يعتذر للشعب الذي وضع ثقته فيه.
&
ثالثًا: الدخول في صراع مع معظم أهم مؤسسات الدولة، ومنها القضاء والإعلام والنيابة والشرطة والأمن القومي والجيش، فلا يستطيع رئيس أن يقود دولة وهو في خلاف مع كل تلك المؤسسات.
&
غياب الرؤية
رابعًا: تعميق الانقسام والاستقطاب السياسي والديني في المجتمع. ففي عهد الدكتور مرسي، تعمق أو زاد للأسف الشديد الانقسام المجتمعي، واستمر العنف، ولم يلتحم المجتمع.
&
خامسًا: الإعلان الدستوري "الفرعوني" المعيب لتحصين القرارات الرئاسية، ومحاولة إعادة البرلمان، رغم حكم المحكمة الدستورية العليا، التي أبطلت قانون الانتخاب للبرلمان، إضافة إلى الاستجابة المتأخرة أو غير المكتملة لمطالب الشعب، ولا علاقة للفلول أو الثورة المضادة بعدم تنفيذها أو التأخر في تنفيذها، بل هو الضعف والعجز الناتج من أسباب أخرى ذكرناها من قبل.
&
سادسًا: ضبابية الرؤية وإهمال أهل الخبرة والكفاءة، وعدم مصارحة الشعب، فكان ينبغي أن تكون هناك رؤية واضحة للحاكم، تبرز أساسًا في الأمور الحساسة السياسية والاقتصادية والأمنية والمجتمعية. كما إن الدكتور محمد فؤاد جاد الله، الذي عمل مستشارًا لمرسي لمدة تسعة أشهر، كتب استقالة مسببة، وكانت النقطة الأولى فيها تتمثل في عدم وجود رؤية أصلًا، وليس عدم وضوح رؤية فقط.
&
سابعًا: الخطاب المشين الذي أرسله مرسي إلى الرئيس الإسرائيلي السابق شيمون بيريز، ووصفه فيه بـ"الصديق العزيز"، رغم كراهية الشعوب العربية جمعاء لبيريز وإسرائيل، مما أدى إلى فقدان الثقة الشعبية فيه، وتناقصت شعبيته كثيرًا بعد الإعلان عن هذا الخطاب، وللأسف جاء الإعلان أولًا عن ذلك الخطاب السري من جانب الصحف الإسرائيلية، وليس من جانب الإعلام أو المؤسسات الرسمية المصرية.
&
سوء الدبلوماسية
ثامنًا: تعمد تهميش الشباب، وهذا التعمد في الواقع وفي ظني جريمة يجب أن يعاقب عليها القانون.
&
تاسعًا: إغلاق مرسي السفارة السورية وقطع العلاقات مع سوريا، رغم وجود السفارة الإسرائيلية واستمرار العلاقات مع إسرائيل، وكان من الملفت للنظر أن مرسي أعلن هذا القرار في مؤتمر عام، وحضره بعض المشايخ والعلماء المتشددين، ومنهم الشيخ محمد عبد المقصود، الذي دعا للرئيس بالنصر، ودعا كذلك على جزء كبير من الشعب المصري ممن يعارضون مرسي دعاءً سيئًا وكأنهم "كفار".
&
عاشرًا: إهمال الحوار الوطني الحقيقي، والتركيز على الحوار مع المحبين والمنتفعين. عقد مرسي ثماني جولات من الحوار الوطني، كانت كلها فاشلة، ولم يخرج من هذا الإطار إلى حوار مقبول، يتم الإعداد له إعدادًا جيدًا في المكان والزمان والأجندة الصحيحة. غير أن أخطر ما دار في مثل هذه اللقاءات، كان الحديث عن أزمة سد النهضة مع أثيوبيا، وهو اللقاء الذي كان مذاعًا على الهواء مباشرة، في حين كان الحضور يظنون أنه سرّي أو خاص أو على الأقل غير مذاع.&
&
أين شباب جماعة الإخوان مما يحصل، هل يسيرون وراء القيادات عملًا بمبدأ الطاعة العمياء؟
شباب الإخوان يخالف القيادة منذ اعتصام "رابعة العدوية"، ومن شاركوا في هذا الاعتصام الشهير، هم تلوثت عقولهم بآراء وفتاوى عاصم عبد الماجد وصفوت حجازي وفوزي السعيد وطارق الزمر وغيرهم. قطاع كبير من شباب الإخوان، فهم بشكل صحيح، رفض الخروج في اعتصام رابعة والنهضة.&
&
مصادر الفتنة
كيف ترى المشهد السياسي في مصر الآن؟
المشهد السياسي ـ في الحقيقة ـ معقد، ويختلف من يوم إلى آخر، لأن العناصر المؤثرة فيه كثيرة خارجية أو داخلية. مصر الدولة الكبيرة الوحيدة في المنطقة، التي لا توجد فيها قواعد عسكرية أجنبية، وهي ملاصقة لإسرائيل. والأميركيون غير راضين عن المسيرة في مصر حتى الآن، ويثيرون القلاقل، وتفتعل المواقف الخاصة بحقوق الإنسان والطائفية. كما إن بعض المتشددين يثيرون الفتنة الطائفية أيضًا.
&
مازال الحل الأمني هو الأبرز في الحرب ضد "الإرهاب" في مصر. أما الحلول السياسية والاقتصادية والاجتماعية فلا وجود لها، رغم أن الحل الأمني ليس الأمثل، ولا بد من الحوار والتحاور مع مثل الجماعات المتشددة، لا بد من تفعيل دور الأزهر والأوقاف والمساجد والمثقفين والكتّاب، ورغم ذلك فإن مصر تحرز تقدمًا واضحًا في موضوع الحرب ضد "الإرهاب".
&
أما على مستوى المنطقة العربية، فإن الأوضاع شديدة التعقيد أيضًا، روسيا تدخلت في سوريا، فضلًا عن التدخلات من دول وجماعات أخرى، سواء من السنة أو الشيعة، والمشهد في اليمن أيضًا معقد، الجماعات المتشددة "التكفيرية" التي تتحول إلى تبني فكر "داعش" تزداد أيضًا.
&
تضخيم غربي
بصفتك عضوًا في المجلس القومي لحقوق الإنسان، ما تقويمك للحالة الحقوقية في مصر الآن؟
وضع حقوق الإنسان أيضًا مسألة معقدة، وليست بالبساطة التي يراها البعض، لأنه مرتبط بعوامل كثيرة ومتداخلة. المؤسسات المعنية بحقوق الإنسان ترصد ظواهر جديدة، مثل الاختفاء أو إلقاء القبض على أطفال أو نساء. هذه الظواهر حقيقية موجودة، إلا أن الغرب يضخمها وتعطيها المنظمات الدولية أكبر من حجمها، ومنها منظمة هيومان رايتس ووتش، كما إن لدينا مؤسسات محلية أخرى معنية بحقوق الإنسان تقدم صورة سوداء عن الأوضاع في مصر. الصورة ليست سوداء في حقوق الإنسان، وليست كاملة البياض. نعم هناك بعض الانتهاكات، لكن الجناة يقدمون إلى المحاكمة، ونرى ضباطًا يحاكمون حاليًا، ولم يكن هذا يحدث في العهد السابق. إنها ظاهرة إيجابية.
&
وضع حقوق الإنسان في مصر يتحسن، وربما البعض يقول: بعد ثورتين، كان يجب أن يكون الوضع أفضل مما هو عليه، ولكن أقول لهم: واقعيًا لا يمكن أن يكون الأمر أفضل من ذلك، فمثلًا البرلمان يوجد فيه الشباب والنساء، ويوجد فيه من يؤمن بثورة 25 يناير، ومن يهاجمها، والسبب في ذلك أن الثورة لم تنجح للنهاية، إنما النجاح الموجود هو نجاح بعض ممن شاركوا في الثورة، وهزموا المال السياسي. ليس هناك أفضل مما نحن عليه الآن على جميع المستويات.
&
بين الثوريين والفلول
لماذا لم تتحقق أهداف ثورتي 25 يناير و30 يونيو، حتى الآن؟
هناك جانب من الفشل موجود، فالفشل في ثورتي 25 يناير و30 يونيو، أدى إلى أن الحرية والعيش والكرامة والعدالة الاجتماعية لم تحقق بالكامل. لم يتم القضاء بالكامل على أسباب اندلاع الثورتين، فرأينا في البرلمان أحد النواب يقول: أوافق على الدستور، ولا أوافق على الديباجة، لأنها تتحدث عن 25 يناير. ثم رأيناه يقول إنه غير موافق على الدستور ككل. يوجد تفاعل بين ثوريين وفلول، وتفاعل وتقاطع بين كبار السن والشباب. الواقع يوجد فيه تفاعل وتقاطع بين أصحاب الأهواء والمصالح الخاصة وبين من يقدر المصلحة العليا. والواقع أيضًا فيه تقاطع وتفاعل بين أصحاب الفساد المفسدين، وبين من يحاربون الفساد. النتيجة هي أن المياه مضطربة، ولكن من أبرز الإنجازات هي القضاء على "الإرهاب"، إلا أن هذا الإنجاز غير واضح، بسبب كثرة المظالم وانتشار الفساد.
&
لكن الشباب يشعر بالإحباط، ويعتقد أن النظام السياسي لا يؤمن بالثورة، ولا يحارب الفساد؟
الفلول والفساد و"الإرهاب" والتخلف إلى زوال. ولن يبقى إلا ما يريده الشعب، بعض الناس مغرور، لأنه حصل على حصانة من البرلمان، ونسي أن مبارك كانت لدية أكبر حصانة، ولم تحصنه من ثورة الشعب وغضبته. لو كان مبارك أرضى المصريين، وشعب مصر بسيط وصبور ويرضى بأقل شيء، ولا يريد سوى أن يأكل ويعيش بشكل جيد. لو أقال مبارك حبيب العادلي، كان الشعب خرج إلى الشارع وصفق له، وقال له: متشكرين يا سيادة الرئيس. أرى أن الخير في النهاية سينتصر، والحكومات التي تريد أن تستمر في الحكم لا بد لها أن تحترم الشعوب وترضيها، وإذا لم تفعل أية حكومة في العالم العربي ذلك فستشهد قلاقل، إن عاجلًا أو آجلًا، ولن تستمر في الحكم مهما كانت قوتها.
&
ثورة ثالثة؟
هل تعتقد أن مصر ستشهد ثورة أخرى في حال شعور الشعب بأنه لم يجنِ ثمار ثورتيه السابقتين؟
لا أعتقد ذلك، فهناك ميزة في الشعب المصري، ويجهلها من يطالب بثورة ثالثة، وهي أن هذا الشعب لا يمكن أن يترك آخرين يستفيدون من غضبته ضد النظام. هناك إسلاميون في الخارج يقفون ضد النظام، ولديهم قواعد وقنوات إعلامية في تركيا وقطر، وهناك وسائل إعلام دولية تساندهم، ومنها "بي بي سي"، و"سي إن إن". الإخوان أتوا إلى الحكم، وظلوا فيه لمدة سنة، لكنّ أخطاءهم قضت عليهم، حتى أتت ثورة 30 يونيو، ولم يكن أحد يقدر على القيام بحكم الدولة إلا القوات المسلحة.
&
الشعب لن يقوم بثورة على الرغم من وجود كل أسباب الثورة والغضب، سواء البطالة أو الفقر أو الفساد، لكنه لن يسمح لأي طرف أن يستفيد بها، كما إن الشعب يحب القوات المسلحة، لأنها هي من تحميه من "الإرهاب"، فضلًا عن أن الشعب لا يريد أن تلقى مصر مصيرًا كسوريا أو العراق أو ليبيا أو اليمن.
لكن عبارة "نحن أفضل من سوريا أو العراق"، تستخدم لتخويف الشعب، وحمله على الرضا بالأمر الواقع.
&
هذه قناعتي، الشعب يرفض حقًا أن تكون مصر مثل سوريا أو غيرها، ومن يقول إن الجيش يستخدم هذه العبارة لكي يهدّئ من غضب الشعب، لا يفهم السياسات الأميركية في المنطقة العربية، وأقول ما أنا مقتنع به مائة بالمائة.
&