• غانم النجار: صار لدينا مشكلة في تحجيم الرأي الآخر لا سيما الرأي الذي يمكن أن يسبب مشكلة وإحراج للطرف الحكومي
• جابر المري: إن بلدا يستضيف مركز الدوحة لحرية الإعلام وقناة الجزيرة، ويفرض في ذات الوقت قيودا على الإعلام المحلي، يمثل موقفا مثيرا للإنتباه
• عبدالله المدني: الأعمدة والمقالات التي اختصت بتحليل الشؤون السياسية العالمية ضعيفة بسبب ضعف خلفية وثقافة من يكتبون وفقر اطلاعهم على أساليب تحليل الأحداث في الصحف العالمية
• خالد الفرم: المشهد الاعلامي يتسم بحالة من الاضطراب والارتباك، ما يعني أهمية تجديد المشهد الاعلامي، وتقييم النشاط الاعلامي بأسره، والنهوض بصناعة الاعلام
• غانم النجار: لا أعرف كيف للفرد أن يخرج بموضوع صحافي في تصور غير الموجود، إلا إذا بدأت تحدث لدينا بعض الانفراجات
• جابر المري: قد يقول موظفو الحكومة أن انتقاد الحكومة يعزز عدم الوئام، ولذلك يجب عدم السماح به
• أحمد عدنان: مستوى التنمية في السنوات الماضية كان أفضل في دول الخليج من بقية الدول العربية وانعكس بالتالي ثقافيا وتعليميا على أبناء الخليج وتحديدا النخب وتحديدا الكتاب
• خالد الفرم: الأدوات والسياسات الإعلامية السابقة والمعمول بها حاليا لم تعد صالحة للإستخدام في المشهد الإعلامي الجديد ومتغيرات المرحلة
• عبدالله المدني: الصحافة الخليجية أخفقت أمام التحديات السياسية التي واجهتها المنطقة مع استثناءات قليلة جدا
• خالد الفرم: الصحافة الخليجية شهدت تراجعا كبيرا في توزيع الصحف الخليجية، وتحديا حقيقيا في تسويق منتجاتها بسبب ضعف الأداء المهني والسياسات التحريرية
• أحمد عدنان: الصحافة السياسية أضعف قسم في الصحافة الخليجية لأنه لا توجد حياة سياسية ناضجة في الخليج

خاص إيلاف: أدوات الصحافة واستراتيجياتها، مصادر التمويل، مشاريع مستدامة منافسة كترسيخ مبادئ وقيم وثقافة السلم الأهلي، الدولة المدنية وكيفية تجنب إساءة استغلال منابر الإعلام التي تدعو للتطرف والإرهاب، والتركيز على التنوير والحداثة، كل ذلك تحديات تواجها الصحافة الخليجية... يضاف إلى ذلك وهو المهم طبعا، التخصص والمهنية، والأخذ بالاعتبار حرية التعبير المتداخل المفهوم. ولا عجب أن يختلط معنى حرية التعبير بقلق نقد السلطات أو حتى الأسر الحاكمة، أو بمعنى آخر أن يشطح الكاتب والصحافي إلى عوالم شائكة محرمة وخطوط حمراء فاقعة.

لكن ذلك لا يعفي الصحافي من المحاولة ولا المسؤول والسلطات والحكومات من المسؤولية. نعم، لا شك أن الحرية سيف ذو حدين هنا، ويمكنك أن تسمع ببساطة إعفاء كاتب من الكتابة لأنه عبر عن وجهة نظر ما. المنع من الكتابة هذا قد يشمل الكتابة في الصحف الرسمية وربما غير الرسمية أو حتى حجب الصحيفة الإليكترونية المشاغبة إن لزم.

وقد يعني ذلك مدى أوسع من الأفق الذي يمكن تخيله. هل الأمور تتغير الآن؟. لا يوجد جواب قطعي، فحرية الصحافة في دول الخليج متباينة بحسب طبيعة كل دولة. ولا يعني بطبيعة الحال أن مجلس التعاون الخليجي وإن تشابهت تركيبة دوله وثقافاته أن أنظمته متشابهة بالقدر الذي يمكن تخيله. لا ليس تماما، فطبيعة الشعوب ونفسياتهم أيضا مختلفة إلى حد ما. حين تسأل نفس الأسئلة عن حرية الصحافة لمواطن من عمان ربما تتلقى ردود فعل مختلفة وأجوبة لها أبعاد مختلفة أيضا عن مواطن من الكويت.

 تطالعنا التقارير السنوية التي تصدر من منظمات دولية عن حرية الصحافة، يتلقفها الجميع في العالم العربي بنقد مبطن متردد أو صريح. مقياس حرية الصحافة حول العالم مثلا (Worldwide Press Freedom Index Ranking) هو تقرير تصدره منظمة مراسلون بلا حدود التي تتخذ من باريس مقرا لها، تصنف دول العالم بناء على تقييم المنظمة لسجلاتها للحريات الصحفية. التقرير يقوم على استبيان يرسل لمنظمات شريكة لمنظمة مراسلون بلا حدود (14 جمعية في 5 دول) بالإضافة لـ 130 مراسل معتمد لدى المنظمة حول العالم والصحافيون والباحثون والمحامون ونشطاء حقوق الإنسان. المسح يطرح أسئلة عن الهجمات التي يتعرض لها الصحفيين والإعلام بالإضافة للضغوط غير مباشرة على حرية الصحافة.

والمنظمة تنوه بأن المقياس هو لحرية الصحافة وليس مقياس لمدى جودة ومهنية الصحافة في ذلك البلد، ونظراً لأن طبيعة المسح تعتمد أساساً على الملاحظات الفردية، لذلك كثيراً ما يكون هناك اختلاف في التصنيف من سنة إلى أخرى. ما يعني أنه ربما تكون هناك عيوب في تلك التقارير نفسها. وهذا وارد للضغط على دول معينة أو حتى مناكفتها. هذا لا يعني التشكيك اللاذع في نزاهة بعض المنظمات، فالوضع يمكن ملاحظته بالعين المجردة أحيانا.

كذلك تفعل منظمة مثل "فريدم هاوس Freedom House ، وهي منظمة غير حكومية مقرها الولايات المتحدة الأمريكية، تدعم وتجري البحوث حول الديمقراطية والحرية السياسية وحقوق الإنسان منذ عام 1941.

يستشهد العديد من علماء السياسة والصحفيين وصناع السياسات كثيرا بتقرير الحرية في العالم السنوي الذى تصدره المنظمة، وومع ذلك فقد اتهم بعض النقاد تقارير فريدم هاوس بالتحيز أو تعزيز مصالح الحكومة الأميركية في الخارج، من خلال مصادر التمويل التي تتلقاها المنظمة من الحكومة الأميركية نفسها، أو حتى دعم الناشطين في البلدان واستخدامهم كورقة ضغط.

وهذا الأمر أثار حفيظة روسيا بسبب تعرضها للانتقاد من قبل المنظمة ومن مرتبتها في القائمة السنوية. وبين المنظمات الأهم التي تتناول حرية الصحافة بتقارير سنوية، يظهر تصنيف دول الخليج بشكل متفاوت في ذيل القائمة.

صيغت قوانين جديدة للإعلام في الخليج في السنوات الأخيرة، من بينها اعتبار الإعلام الجديد كمنصات إعلامية أيضا يمكن التعرض من خلالها للمحاسبة. هذا لا يعني سلبية الأمر بالمطلق، فهناك قوانين إيجابية للحماية. لا سيما أن منصات الإعلام الجديد هي أيضا مساحة للتحشيد والإخلال الأمني والإرهاب. لكن ذلك لا ينبغي أن يلغي مساحة الحرية المتاحة للفرد للتعبير المقيد أيضا بشروط عدم التعدي على الآخر. إنها مساحات شائكة بين القوانين وبين الحريات.

صحافة الخليج... الحرية وحقوق الإنسان

حقوق الإنسان في الخليج، مادة تلتقطها الصحافة الغربية بشغف.

أحمد عدنان
الصحافة تتمتع بهامش جيد بالنسبة لموضوع حقوق الإنسان

 

هل يتمتع موضوع حقوق الإنسان بهامش جيد مقارنة بالسابق، حملنا السؤال إلى الصحافي السعودي أحمد عدنان الذي قال "لا أعتقد أن الصحافة تتمتع بهامش جيد بالنسبة لموضوع حقوق الإنسان لسبب بسيط جدا، وهو أن انتهاك حقوق الإنسان يأتي على مستويين: المستوى الشعبي وهم الناس، والذي تكون الصلة فيه بين مواطن ومواطن، وأعتقد أن الصحافة تتحدث حولها بشكل ممتاز لا غبار عليه. والجانب الآخر يكون فيه طرف رسمي حكومي أو الدولة والطرف الثاني المواطن. وأعتقد أن هذه الجزئية لم تتمكن الصحافة من دخولها بشكل جيد، وهذه هي الزاوية الأهم بالنسبة لي في موضوع حقوق الإنسان، لسبب أن هامش الحرية بالنسبة للصحافة الورقية تحديدا أكثر من الإلكترونية يعتبر هامش رسمي نوعا ما. فالنقد هنا خاضع لمستوى النقد المسموح رسميا في انتقاد الأجهزة الرسمية".

وحين تحمل السؤال نفسه إلى القطري جابر بن شافعة المري، وهو رئيس مركز الدوحة لحرية الإعلام يقول "على الرغم من أن قطر توفر مقرا لصحافة دولية قوية، قناة الجزيرة، إلا أن البيئة الصحفية المحلية في هذا البلد تبقى مقيدة على نحو ملحوظ، حيث جاء ترتيب قطر في المرتبة 104 من مجموع 179 بلدا في مؤشر مراسلون بلا حدود لحرية الصحافة في 2012، وفي فئة "ليست حرة" في تصنيف (فريدم هاوس). وكما في دولة الإمارات العربية إلى حد كبير، يمارس مهنيو الصحافة في قطر رقابة ذاتية ويتجنبون تجاوز "الخطوط الحمراء" في التغطية المحلية. إن بلدا يستضيف مركز الدوحة لحرية الإعلام وقناة الجزيرة، ويفرض في ذات الوقت قيودا على الإعلام المحلي، يمثل موقفا مثيرا للإنتباه".

يضيف المري "وفقا لوكالة أنباء قطر، "يُضفي الدستور جوا حرا يسمح بحرية كل أنواع التعبير، ويعزز حرية الصحافة والنشر".

جابر المري
جميع بلدان مجلس التعاون الخليجي تكفل حرية التعبير بطريقة ما، ولكن جميعها تحتوي على شرط متشابه

 

وتكفل المادة " 47 حرية الرأي"، وتنص المادة 48 على أن" حرية الصحافة والنشر والمطبوعات مكفولة وفقا للقانون؛" ولكن أجزاء أخرى من الدستور تنص على تعهدات قد تتضارب مع حرية التعبير. فمثلا، تنص المادة 19 على أن الحكومة تكفل "الأمن" و "الإستقرار"، وتنص المادة 20 بأن الدولة "تعمل على توطيد روح الوحدة الوطنية والتضامن والأخاء بين المواطنين كافة 138» ، لكن المادتان 19 و 20 تسمحان للحكومة بالعمل ضد حرية تعبير الأفراد كطريقة لضمان الاستقرار والوئام. وقد يقول موظفو الحكومة أن انتقاد الحكومة يعزز عدم الوئام، ولذلك يجب عدم السماح به. كما أن خلق توازن بين مجتمع منسجم والسماح بالتعبير الحر يطرح في جميع الحوارات التي تدور حول حرية الصحافة في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تكفل دول خليجية مثل (الكويت والبحرين والإمارات) حرية التعبير، ولكن الإختبار الحقيقي لحرية التعبير يتضح لدى تطبيق القوانين".

يرى المري بأن "جميع بلدان مجلس التعاون الخليجي تكفل حرية التعبير بطريقة ما، ولكن جميعها تحتوي على شرط متشابه "....ضمن حدود القانون"... ما عدا السعودية، وفي حين أنه للوهلة الاولى تبدو هذه الصياغة تقييدية تماما، فإن المقاربة لا تختلف عن البلدان التي فيها حرية صحافة راسخة، حيث وضعت القوانين قرارات المحاكم في جميع البلدان حدودا قانونية على صلاحيات الصحافة. وفي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، ينص الدستور على أن "سوف يسن الكونغرس الآن قانونا يقلل من حرية التعبير والصحافة" وعلى الرغم من الحكم المطلق هذا، فإن قرارات المحكمة حددت أن بعض الشروط – مثل تعويضات التشهير للأطراف المتضررة بسبب بيانات غير صحيحة – وهي لا تعتبر خرقا غير ضروري للصحافة.

ومن أجل خلق بيئة صحفية قوية، يعتقد المري بأنه "يجب أن يتضمن أي تعديل لقانون الإعلام تعديلا لقانون العقوبات، أو إحلال قانون بدلا منه، تحديدا. سمة مشتركة أخرى في بلدان مجلس التعاون الخليجي، هي اشتراط حصول الصحفيين على ترخيص لمزاولة عملهم الصحفي؛ وللوهلة الأولى، قد يبدو ترخيص مزاولة عمل الصحافة الحصول على موافقة من الحكومة قبل مزاولة العمل فكرة جيدة، لا سيما وأن الحكومة ترخص الذين يعملون في مجال التجميل والأطباء والمهن اليدوية والحرف لضمان أنهم يقومون بأعمالهم بطريقة آمنة وجيدة. ولكن الصحافة حالة خاصة، لأن تغطية عمل الحكومة التي تعطي التراخيص هي جزء من العمل، كما أن الوزراء المسؤولين عن منح التراخيص وإلغائها قد يمارسون نفوذا غير مناسب على الصحفيين، الذين يعملون بكل جهد للحفاظ على استقلاليتهم. والبلدان التي توفر حماية قوية لحرية الصحافة لا توجب الترخيص للصحفيين. وفي بلدان كثيرة، شددت المؤسسات المهنية على أهمية القيم الأخلاقية، مثل إخبار الحقيقة والدقة والنزاهة، وهذه المؤسسات تقدم إرشادات فيما يتعلق بالسلوك اللائق التي تسعى إليه الحكومات من خلال الترخيص".
هل هناك تفاوت في حرية الصحافة بين دول الخليج؟

من جانب آخر، وفيما إذا كان هناك تفاوت بين الأقطار الخليجية فيما خص المستويات الإعلامية والحريات يرى الدكتور عبدالله المدني، وهو محاضر وباحث أكاديمي بحريني متخصص في العلاقات الدولية والشأن الآسيوي "نعم هناك تفاوت كبير فما هو مسموح به في البحرين إعلاميا وما سمح به السعودية مثلا. وما تسمح به الإمارات لا تسمح به قطر. هذا ناهيك عن التفاوت المشهود في الإنفاق على الجهد الإعلامي وخلق الكوادر الإعلامية المدربة وغيرها من القضايا ذات الصلة".

عبدالله المدني
 هناك تفاوت مشهود في الإنفاق على الجهد الإعلامي وخلق الكوادر الإعلامية المدربة

 

بينما يسهب الدكتور أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت خبير دولي في حقوق الإنسان في وجهة نظره ويرى بأنه من الصعب فصل الصحافة عن الأنساق الأخرى والواقع العام "لن تعمل لوحدها خاصة إذا ما عرفنا أن كثير من أنظمة الخليج لديها لوائح ونظم وقوانين تميل إلى التشدد أكثر من الانفتاح، وإذا سمحت فأكثر العاملين بالصحافة لديهم رقابة ذاتية، والرقابة الذاتية أيضا أشد وطأة لأنك لا تعرف المقياس، فممكن أن يتشدد الصحافي في وقت لا يكون له داع، ويمنع نشر شيء معين يمكن نشره. هذا تقريبا يمتد في دول الخليج جميعها دون استثناء. إلى حد ما، الكويت حتى في الظروف الحالية فيها قدر من الحرية. إلا أنه وفي فترة الاحتقان السياسي تقريبا منذ 2012، ترتب عليه تراجع ليس فقط على الصحافة المكتوبة ولكن شمل كل أشكال الصحافة، والأشد في متابعتها كان الإعلام الجديد، ونتج عنها أن رفعت كثير من القضايا على ناس في تويتر أو وسائل أخرى، طبعا مع الوقت دخلنا في ملاحقات لا تنتهي على مقالة هنا وأخرى هناك".

غانم النجار
من الصعب فصل الصحافة عن الأنساق الأخرى والواقع العام

 

يستدرك النجار "هذا لا يعني أن كل ما يكتب نتفق معه أو صحيح، فبعضه قد يكون خارج إطار المقبول، لكن في وضع يتعلق بعملية الإصلاح الداخلي، ووضع يتعلق بحالة الإحتقان الإقليمي. في كلا الحالتين في عندنا مشكلة على المستوى الداخلي والمستوى الإقليمي، الإقليمي لديه تغيرات سريعة جدا صعب ملاحقته، والداخلي حتى الفترة الأخيرة بعد حل البرلمان واعتماد الصوت الواحد... بداية تغير ومقاطعة ما يسمى بالمعارضة، صار لدينا مشكلة في تحجيم الرأي الآخر وبالذات الرأي الآخر الذي من الممكن أن يسبب مشكلة وإحراج للطرف الحكومي. وهذا التراجع عبر عن نفسه بأشكال مختلفة منها الحبس ومنها إسقاط الجنسيات وما شابه، وهذا أمر طبعا الصحافة جزء منه".

يعتقد النجار أنه لا يمكن فصل الصحافة عن المحيط العام "لكن إذا تعاملنا معها كعنصر متغير مستقل لا يمكن ذلك، لو نسأل ما هو وضع الصحافة، الصحافة هي عنصر أساسي بالنسبة للأطراف السياسية داخل الحكومة وخارج الحكومة، والجميع يود أن أن يكون له حضور ودور، فهذا أدى بشكل أو بآخر إلى تأثر العمل الصحافي لذا فالعناصر التي تعبر عن نفسها بشكل حاد وقاسي التعامل معها يكون شديد، هذا من حيث المدخل المبدئي".

يلقي جابر المري الضوء على زاوية أخرى أكثر تحديدا فيقول "تسمح دساتير بلدان مجلس التعاون الخليجي التي تسمح "بحدود القانون" بضرورة وجود بعض القيود. ولكن يجب صياغة القوانين بعناية لضمان عدم ذهاب هذه القيود بعيدا جدا لدرجة إضعاف الصحافة ووسائل الاعلام المختلفة؛ وهذا ما هو قائم في بلدان مجلس التعاون الخليجي، حيث أن القوانين التي تقيد الصحافة تذهب بعيدا لدرجة عدم السماح للصحفيين بالعمل بطريقة مفيدة. وثمة سمة تتشارك بها جميع البلدان في هذا التحليل، وهي المقاربة القانونية لتهم التشهير - جنائية بدلا من كونها مدنية - حيث تعامل جميع هذه البلدان التشهير والقذف كجناية، أي تهمة قد تؤدي للإعتقال؛ وفقط الإمارات العربية المتحدة، حظرت الحكم بعقوبة السجن على الصحفيين بسبب تهمة التشهير إلا أن التهمة لا تزال تعتبر جناية. وفي البلدان التي تتمتع بحريات صحفية متطورة، تُعامل تهم التشهير -وخصوصا التشهير ضد شخصيات عامة- كجنح مدنية. ويستطيع المدّعون في قضية تشهير الحصول على تعويض مالي، ولكن لا يمكن إرسال المتهمين إلى السجن. وفي تشريعات بعض دول الخليج، كل ما تحتاجه لكسب قضية تشهير هو تبيان أن الصحفي الحق ضررا بسمعة شخص ما. وبموجب هذا النظام، فإن الصحفي الذي يفضح أعمال فساد موظف عام قد يؤدي به إلى السجن بمجرد الإشارة إلى ذلك. ولضمان صحافة قوية بقدر الممكن، يجب على المحاكم المدنية معالجة قوانين التشهير واعتبار الحقيقة دفاعا مطلقا، ولكن مع وجوب استمرار قوانين الخصوصية في حماية الشخصيات الخاصة من فضح خصوصياتهم للعموم حتى ولو كانت صحيحة، ومن الجدير بالعلم أن قوانين التشهير غالبا ما تكون جزءا من قانون العقوبات، وليس من قانون الإعلام"

يضيف "وكما هو الحال في دول مجلس التعاون الخليجي، يستخدم قانون العقوبات القطري لغة يمكنها التأثير على الصحفيين، بدون أن تتناول مهنة الصحافة مباشرة. فالفصل الرابع من القانون مثلا ينص على أن "الإفتراء والتشهير وإفشاء السر" هي جرائم عقوبتها السجن والغرامة. يعتبر التشهير في قطر جريمة جنائية كما هو الحال في دول مجلس التعاون. فمثلا، يعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن سنتين وبغرامة مالية تصل إلى 20,000 ريال كل من شهّر بغيره علنا، بأن أسند إليه واقعة توجب عقابه قانونيا أو تمس شرفه او كرامته او تعرضه لبغض الناس أو احتقاره. بينما ترفع المادة 327 عقوبة السجن إلى ثلاث سنوات إذا كان التشهير والقذف ضد موظف عام، أو من كان في حكمه، بسبب الوظيفة أو العمل، أو إذا كان ماسا بالعرض أو خادشا بسمعة العائلات".

ولكن، وخلافا لبعض قوانين القذف والتشهير في بعض دول مجلس التعاون الخليجي مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة، يعتبر قانون العقوبات القطري بحسب المري "إثبات الحقيقة دفاعا عن التشهير – على الأقل فيما يتعلق بالموظف العام- وتنص المادة 328 على عدم وجود جريمة إذا "أثبت الجاني صحة الواقعة، متى كانت بحق موظف عام أو من في حكمه، وكانت الواقعة ذات صلة بالوظيفة أو الخدمة العامة"، كذلك وفي بلدان كثيرة لا تتمتع بحريات صحافة قوية، يجري التمييز بين التشهير بأشخاص من القطاع العام والقطاع الخاص؛ ولكن في معظم البلدان، يستخدم ثبوت الواقعة كدفاع عن تهمة التشهير وتجرم المادة 46 من قانون الإعلام التعرض لأمير دولة قطر بالنقد، أو أن ينسب إليه قولا إلا بإذن مكتوب من مكتبه، ويعاقب كل منتهك لذلك بالسجن مدة لا تتجاوز ستة أشهر وبغرامة مالية تصل إلى 3,000 ريال قطري. إن مثل هذه القوانين التي تمس الذات الملكية تعيق حرية الصحافة وحرية التعبير".

صحافة الرأي... حضور تليفزيوني وورقي

صحافة الرأي في الخليج تبدو كثيفة بالأسماء المخضرمة والمتوسطة العمر والحديثة تماما. هل صحافة الرأي غائمة دون تخصص؟ وماذا عن المؤثرات التي ترافق هذا الجانب المهم من الصحافة؟ حول هذا يرى الدكتور غانم النجار أن صحافة الرأي تأثرت بالأوضاع السياسية "لازال هناك هامش، صحيح بأن هناك هامش وجهات نظر معارضة لديها وجهة نظر أو لا تتفق مع المناخ العام، لكن بلا شك تأثرت. أصبح هناك مواقف، صارت الصحف تتخذ مواقف مع أو ضد في أي موضوع. يحصل أحيانا أن تطرح بعض الموضوعات كالإعلام الإليكتروني لكن هناك موقف وهناك رؤية".

لكن الأمر ليس صفر، كما يعتقد "هناك تراث موجود يدفع بنفسه، وهناك أيضا مجال للحديث وللتعبير عن الرأي. الوضع العام للمؤسسات الموجودة يسمح لها إن أرادت أن تعبر، لكن الذي يحصل أن الناس صارت تحسب حسابات ضيقة. هناك مثلا صحيفة صحيفتين مقاومة وهي ليست مقاومة لأنها معارضة ولكنها تطرح الموضوع بشكل موضوعي. لم نعد الآن نتكلم عن جهات معارضة مقابل موالاة أو ناس داعمين للحكومة، نحن نطلب الحد الأدنى من الموضوعية. بمعنى أنه إذا تم نقل خبر أو تصريح يتم أخذ الرأيين ووجهتي النظر وعرضهم بطريقة موضوعية. هذا تأثر كبير وأصبح لدينا إمكانية لبعض الجهات ومعارك أحيانا، معارك ضد أشخاص وليس موضوع سياسي. هي مسألة علاقات، لكن القاعدة الأساسية لا شك موجودة، قاعدة الإنطلاق والعودة للوضع كما كان أكيد طبعا. موجودة لأن القوانين حتى الآن لم تتغير كثيرا، ولا زالت تسمح إلى حد ما".

فيما يتناول عبدالله المدني الجانب الآخر المهم أيضا من الرأي فيقول "أعمدة الرأي في الشأن المحلي حدث فيها تطور كبير مقارنة بالماضي كنتيجة لسماح الأنظمة الخليجية بمساحة أوسع لجهة حرية التعبير فيما يتعلق بهموم المواطن المعيشية والاجتماعية. غير أن الأعمدة والمقالات التي اختصت بتحليل الشؤون السياسية العالمية كانت ضعيفة بصفة عامة بسبب ضعف خلفية وثقافة من يكتبون في هذا المجال وفقر اطلاعهم على أساليب تحليل الاحداث في الصحف العالمية خصوصا وأن معظمهم لا يجيد سوى العربية أو أن معرفته باللغات الأخرى ليست قوية".

الدكتور خالد الفرم أستاذ جامعي متخصص في الاستراتيجيات والإعلام السياسي
النهوض التنموي والاجتماعي يتطلب شريكا إعلاميا فاعلا

 

خالد الفرم له وجهة نظر شبيهة في هذا الصدد هو الذي يقول "صحافة الرأي يفترض أنها الرافعة الرئيسة للوسائل الإعلامية، لكنها باتت تلفزيونيا من خلال البرامج الحوارية، اكثر حضورا من مقالات الكتاب في صفحات الرأي التي لازالت تخضع لهيمنة الرقيب، وقدامى الكتاب. مشهد الصحافة التلفزيونية، وتحديدا منظومة القنوات الإخبارية، تغير منذ بدء عاصفة الحزم، فلا شك أن قناة سكاي نيوز عربية باتت تتمدد إلى مساحات واسعة على حسابات قنوات إخبارية أخرى، بفضل جاذبية الشاشة بصريا، وتنوع الشاشة إخباريا وبرامجيا، وحيويتها في متابعة مستجدات الإحداث، وفق مسطرة موضوعية من الحياد والمهنية والانفتاح على كافة اصحاب الرأي، مع رصد تطور لافت في خطاب وشاشة قناة الجزيرة". مضيفا "النهوض التنموي والاجتماعي يتطلب شريكا إعلاميا فاعلا ، حتى لايكون الإعلام ثغرة كبرى او أن يلعب دورا سلبيا في ظل التحديات الراهنة، ما يعني ضرورة بدء عملية إصلاح النظام الاعلامي والنهوض بصناعة الاعلام السعودي بشكل سريع وفاعل".

بينما يرى أحمد عدنان بدون تحفظ كبير كما يبدو في مداخلته "صحافة الرأي في الخليج ممتازة جدا، أنا أعتبرها الأولى على المستوى العربي، السبب الأول هو ثراء الصحف النسبي قياسا بالصحافة العربية ما جعلها تستقطب أجود الأقلام. السبب الآخر يتعلق بمستوى التنمية في العقود الماضية كان أفضل في دول الخليج من بقية الدول العربية وبالتالي هذا انعكس ثقافيا وتعليميا على أبناء الخليج وتحديدا النخب وتحديدا الكتاب. فمستوى الطرح أعمق وأجرأ وأفضل حتى في اختيار النخب العربية التي تكتب في الصحافة الخليجية، ذلك يمتد أيضا إلى المواضيع المطروحة، أنا أعتبر صحافة العرب في الخليج، صحافة أو قسم الرأي في الخليج هو قسم خليجي عربي بامتياز وفيه نخبة النخبة وأفضل الأفكار أو أهم المواضيع تطرح من خلاله".

أما جابر المري فيقدم مقاربة بين حرية التعبير بشكلها المتخصص في دول الخليج فيقول "من عُمان إلى المملكة العربية السعودية وقطر إلى الإمارات العربية المتحدة، والبحرين إلى الكويت، وفيما يتعلق بمقاربتها لتنظيم الصحفيين والإتصال، يمكن أن نعزو هذه المقاربة إلى النواحي الثقافية والخصوصية في المجتمع الخليجي، ولا يجب ربطها بتشاركها بدين واحد هو الإسلام. وذلك لأن بلدانا كثيرة سكانها مسلمون تسمح بحرية الصحافة والتعبير، وفي ذات الوقت تحافظ على هويتها الإسلامية. فمثلا، دولة مالي الأفريقية 90% من سكانها مسلمون (جاء تصنيفها ( حرة ) حسب تصنيف فريدم هاوس ويأتي ترتيبها قبل الولايات المتحدة في مؤشر مراسلون بلا حدود، حيث أن الإسلام وحرية التعبير غير متعارضين. والحقيقة، ولإعطاء تفسيرا أفضل لمقاربة دول الخليج بخصوص الرقابة، قد يكون السبب اعتماد هذه الدول لفترة طويلة على بريطانيا للنصيحة والمشورة، خصوصا وأن المملكة المتحدة اتخذت موقفا تقييديا من حرية الصحافة في شؤونها الاستعمارية".

الصحافة السياسية... الحدود والألغام

السياسة في الإعلام وإن كانت حدودا شائكة بحد ذاتها، إلا أن المرحلة الراهنة ضاعفت من هذا الشوك وخلقت مطبات وألغام يقفز عليها الصحافيين بقلق، يعلق على الأمر الدكتور خالد الفرم بقوله "لاشك أن الإعلام يعد القوة الثانية بعد القوة العسكرية، بل أنه بات في الراهن السياسي القوة الأولى في حرب الإعلام والمعلومات والقوة الناعمة، فالمقياس الرئيس لتقييم أي صحيفة او قناة تلفزيونية هو معدل التوزيع والإنتشار فقط، فإصدار الصحف والقنوات لاقيمة لها، دون معيار حجم التوزيع والمشاهدة".

كما يعتقد الفرم بأن "إضطراب السياسات التحريرية الذي أضر بصورة المملكة ودورها في قضية اللاجئين السوريين "بسبب غياب السياسات الإعلامية، أصبح هناك سوء فهم دولي حيال دور المملكة الكبير حيال اللاجئين السوريين بل ودورها المحوري في دعم حق السوريين في التغيير"، مضيفا "والأمر أيضا يحدث في المعالجة الإعلامية حيال دعم الشرعية اليمنية، وحجم التضحيات التي تدفعها السعودية وقوات التحالف العربي حيال ذلك، فالمعيار ليس التغطيات فقط، بل تغطيات متماسكة ووفق أهداف ورؤى واضحة، يتم قراءتها بالمعنى الإعلامي السياسي والإعلامي".

رغم التطور الذي شهده الإعلام الخليجي، إلا أن هناك تحديات لها علاقة بجوانب عدة منها الإعلام الحكومي الرسمي، فتبدو أطروحات الإعلام بشأنه أقرب إلى علاقات عامة منه إلى إعلام، ذلك يشمل الصحافة الإعلامية السياسية التي ترتبط بالحكومات وبالممولين، الذين هم غالبا الحكومات أيضا. يعلق أحمد عدنان على هذا السياق "أعتقد أنه أضعف قسم في الصحافة الخليجية لأنه لا توجد حياة سياسية ناضجة في الخليج، ربما هناك استثناء نسبي في الكويت، لكن لا أعتقد أنها تخرج عن الوضع عام بكثير، هذا واحد، الأمر الثاني لا يوجد ثقافة سياسية بسبب غياب الحياة السياسية الناضجة".

أما الدكتور عبدالله المدني فيقول "الصحافة الخليجية أخفقت أمام التحديات السياسية التي واجهتها المنطقة مع استثناءات قليلة جدا. لكنها نجحت إلى حد ما مقارنة باوضاعها قبل نحو عقد من الزمن، كانت التغطيات متفاوتة من حيث الجودة والإتقان، بمعنى أنها كانت تتراوح ما بين سيئة ومقبولة وجيدة".

عاصفة الحزم منذ انطلاقتها لاقت حماسة كبيرة من كثير من الخليجيين، فيما لا يعكس الإعلام الرسمي الخليجي نسبيا هذا الحماس، فالإعلام السعودي القيادي في المهمة، يليه الإعلام الإماراتي والبقية لا يظهرون حماسة إعلامية. على سبيل الصحافة التليفزيونية، كان سلوك قطبي الأحداث والمنافسة حتى حين، الجزيرة والعربية مختلفين. لكن ومع حكم الملك سلمان، أعيد تشكيل الاستراتيجيات في مربع المال والإعلام والعقيدة والقوة الصلبة.

في هذا السياق يرى خالد الفرم بأن الأدوات والسياسات الإعلامية السابقة والمعمول بها حاليا لم تعد صالحة للإستخدام في المشهد الإعلامي الجديد ومتغيرات المرحلة "خاصة أن الحاجة تبرز أثناء الحروب والصراعات، في أهمية تفعيل الإعلام التعبوي، ورفع التدفق المعلوماتي للقضاء على الشائعات، وتحصين الجبهة الداخلية وهذا يتطلب هياكل إعلامية تتمتاز بالحيوية والفاعلية".

فيما يرى أحمد عدنان أن "تغطية عاصفة الحزم يعني لم تكن مرضية لعدة اعتبارات وأسباب وهو أن الحمل كان على عاتق قناة واحدة تقريبا وهي قناة العربية، وعلى المستوى الورقي الشرق الأوسط أكثر من ممتازة وأنا أحب الإشادة بها، هناك بعض الإطلالات في الحياة ما عدا ذلك فالوضع ضعيف جدا"... يستأنف "في الحقيقة لا أعترف بالإعلام التعبوي الموجه، هذا ينفع للاتحاد السوفييتي... لكن التغطيات السياسية ليست جيدة في عام 2015 ولا قبله وليس في المدى المنظور على ما أظن".

والفضائيات الخليجية والقنوات الإخبارية في نظر عبدالله المدني "جيدة بصفة عامة مع بعض التباينات من قطر إلى آخر. وإذا ما قارنا حال الفضائيات الخليجية في الوقت الحالي بما كانت عليه قبل عقد أو عقدين فسوف نجد أننا في صعود لجهة التنويع البرامجي وثراء المحتوى وأسلوب التقديم وملاحقة آخر التطورات، أما أداء بعض القنوات الاخبارية في الخليج كان جيدا ومتميز ولاسيما قناة العربية التي بزت القنوات الأخرى في سرعة ملاحقتها للأحداث وقدمت تغطيات شاملة ومتعمقة مع استضافة شخصيات خبيرة في تحليل الحدث في أغلب الأحيان. وفي اعتقادي أن فضائية أبوظبي قدمت تغطيات لا تقل أهمية وشمولية بينما لم تكن الإخبارية السعودية أو محطات البحرين والكويت وعمان على مستوى الحدث إطلاقا.

أما قناة الجزيرة فعلى الرغم من حرفيتها ومهنيتها العالية وإمكانيات المتقدمة فقد فقدت المصداقية بسبب انحيازها الإيديولوجي في التغطيات الاعلامية".

في سياق قريب يرى الدكتور غانم النجار أن بعض الصحف أنشط من غيرها، لكن أصبحت مهمة الصحف "التعبيرعن مواقف سياسية، وأغلب المواقف السياسية في حالات الاحتقان تكون مواقف سياسية عامة جدا، حدثت حرب في مكان ما، أنت مع الحرب أو ضد الحرب والباقي تفاصيل، الخبر يعني أن تكون مؤيد لهذا الطرف أو معارض لذاك. لذلك ليس مطلوب منك أن تتوخى الدقة بل يفترض أن يكون لديك موقف لصالح هذا الطرف وموقف ضد الطرف الآخر. الإعلام في حالة الإحتقان يصبح شيء آخر. أنت مع طرف ما في حال نزاع، فالموضوع لم يعد آيديولوجيا بل سياسية براغماتية. انتقلنا من مرحلة آيديولوجية للمرحلة البراغماتية. أنت تحدد من تقف معه، فتصبح أخبارك وكل شيء يسير في هذا السياق، وتصبح الخطوط التي تتحرك من خلالها خطوط غير مفتوحة ولن تتحدث بموضوعية، نعم هناك من يتحدث بموضوعية ولكن بين السطور. قد تأتي بخبر وتفاجئ الناس أنه يبدو كخبر موضوعي، ولنقل موضوع سوريا على سبيل المثال، لم يعد أحد الآن يقف ضد التدخل الأجنبي، الأطراف الذين كان لهم موقف ضد التدخل الأجنبي لم يعد لديهم الآن مشكلة، هم الآن يقولون نريد روسيا أن تتدخل. لم يعد هناك فرق. وهذا بحد ذاته يسبب مشكلة في المفاهيم".

يستأنف النجار " الذي يحدث أحيانا خارج نطاق الآيديولوجيا، لأن الآيديولوجيا غابت الآن. هناك أطراف يتصارعون براغماتيا، وقد يحدث أن تتغير المواقف غدا وعلى الناس أنها تتبع ذلك التغيير بشكل طبيعي. وهذا يضع عبء كبير على الصحافة لأنها هي المسؤولة عن إبراز وتفسير وتبرير لا منطقية الموقف. الموقف أيا كان منطقي أو غير منطقي، تترتب عليه مشاكل في المصداقية، مشاكل في طريقة الطرح، ونحن منذ 2011 حتى اليوم نعيش حالة احتقان. كل المنطقة. كيف تتعامل الصحافة اليوم مع التصور الإيجابي. لا يوجد. كل ذلك يعني التعامل مع النظرية الأسوأ. نحن نسير إلى كارثة. وبالتالي الدائرة تضيق على الصحافة، التغيرات تحدث بشكل يومي ولزاما على الأجهزة الحكومية ضبط أجهزة الإعلام لأنها تصبح محسوبة عليها. لا بد أن تعبر عما يتماشى مع الاتجاه العام. لذلك لا أعرف كيف للفرد أن يخرج بموضوع صحافي في تصور غير الموجود، إلا إذا بدأت تحدث لدينا بعض الانفراجات".

الإعلام الجديد... والحلقة المفقودة

برز الإعلام الجديد كلاعب رئيسي في الساحة. تزامن ذلك وبدء الثورات العربية. ودول الخليج امتداد بطبيعة الحال لجميع ما يحدث في الساحة الإقليمية السياسية. ترافق ذلك وتغير في السلوكيات الإعلامية والاجتماعية والخطاب الإعلامي أيضا. ربما ساهم الإعلام الجديد في فهم أكبر للمجتمع الخليجي للخارج والداخل أيضا وهذا ربما الأهم. أبرز الإعلام الجديد التناقضات المجتمعية بين الشرائح والتيارات وصراعاتها التي أذكتها وسائل الإعلام الجديد، لكن هذا الإذكاء جاء إيجابيا وسلبيا في آن. ربما سلبيا من جانب توفير حلبة أو جبهة للصراع، وإيجابي لأنه أعطى منبرا مدنيا للتعبير والنقاش والخروج بمرحلة يشهد لها بالانعتاق.

يقول الدكتور غانم النجار "من المهم أن نؤكد أن وضع الصحافة الورقية لم يعد كالسابق بالنسبة للمقروئية، فالنت صار هو البديل كمصدر حتى وإن كان موقع الصحيفة الإليكتروني نفسه. ناهيك عن أن كمية المعلومات المتوفرة كبيرة جدا، وهذا يعني أن الحظر غير مجد. الجميع لديه هاتف ذكي يتلقى من خلاله المعلومات من خلال الإعلام الجديد، عندنا مثلا في الكويت 80% من المعلومات تأتي عن طريق واتساب، واتساب هو المصدر الأول للمعلومات يأتي بعدها تويتر والصحف، ليس لدي إحصائية حول تعاطي الناس مع الصحافة الآن لكن الأمر بالتأكيد تغير، عملت في الصحافة منذ السبعينات وأرى وأتلمس الفارق الكبير".

يضيف "في حال منع نشر المقالات أيضا على الصحف المطبوعة، باستطاعة الكاتب نشرها على الإعلام الجديد وتداولها بين الناس بحرية، لهذا فهناك منافسة منها أن تكون الصحافة عنصر إخباري. أغلب مصادر الصحف الخاصة محدودة، إما من وكالات الأخبار تصيغها وتضيف عليها، أو محلية ولديها مصادرها ما يجعلهم يتميزون في بعض المواضيع".

وإذا ما أثرت شبكات التواصل الاجتماعي على قوة الإعلام التقليدي يقول خالد الفرم "حاليا هناك انحسار لدور المؤسسة الاعلامية بسبب سطوة شبكات التواصل الاجتماعي وإعلام المواطن، من جهة، وضعف تأثير الوسائل الاعلامية التقليدية، فالمشهد الاعلامي يتسم بحالة من الاضطراب والارتباك، ما يعني أهمية تجديد المشهد الاعلامي، وتقييم النشاط الاعلامي بأسره، والنهوض بصناعة الاعلام".

في مواجهة التكفير والطائفية والإرهاب

في بيان مشترك من العام، وخلال اجتماعهم الـ23 المنعقد بالعاصمة القطرية الدوحة، جدد وزراء الإعلام بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية التزام كل الأجهزة الإعلامية بدول المجلس بمحاربة الفكر الفاشي الذي تقوم عليه الجماعات الإرهابية وتتغذى منه، مؤكدين على أن التسامح والتعايش بين الأمم والشعوب من أسس سياسات دول المجلس الداخلية والخارجية وتراثه الثقافي وقيمه الأصيلة، مشددين على ضرورة تحمل أجهزة الإعلام بدول المجلس مسؤولية التصدي بحزم وعزم وفطنة للرسائل المشبوهة التي تستهدف زعزعة الأمن من الخارج، والنسيج الوطني من الداخل، مما يُحمل الخطاب الإعلامي لدول المجلس مسؤولية التعامل مع المعلومة المتاحة بدقة وسرعة ومهنية عالية.

لكن ذلك التأكيد لم يلزم بعض الدول بحماية السلم الأهلي بالقوانين التنفيذية الرادعة التي تضمن عدم تعميق الانقسامات من خلال وسائل الإعلام ومنها الإعلام الجديد والإجتماعي، وذلك على اعتبار أن هذا القانون مدرج في النظام الأساسي للحكم. وبعد عمليات إرهابية سعت إلى شق الوحدة الوطنية في الداخل، إضافة إلى هجوم بين شرائح المجتمع على وسائل الإعلام الجديد، خرج مجموعة مطالبين بقانون للوحدة الوطنية طبقته بعض دول المجلس كالإمارات مثلا في وقت مبكر من هذا العام. ولم يبت في الأمر في السعودية بعد بالرغم من مطالبات أعضاء مجلس الشورى ومطالبات الإعلاميين والقانونيين الذين استخدموا أيضا منابر الإعلام والإعلام الجديد في إيصال رسائلهم. هذا ما يجعل أمر تطوير الخطاب الإعلامي الخليجي وبين حرية التعبير واستخدام منابر الإعلام لتكريس العداء الاجتماعي موضوعا حيويا أيضا.

وفيما إذا كان الخطاب الإعلامي الخليجي متجاوب مع التطورات والتحديات، لا سيما فيما يخص محاربة الفكر الفاشي، التكفير والإرهاب وتكريس الطائفية في المنطقة والمجتمعات الخليجية يقول عبدالله المدني "هناك تفاوت في مدى التجاوب إعلاميا مع التحديات الراهنة كالارهاب والطائفية بحسب ظروف كل دولة. فمثلا لا يمكن مقارنة ماتقوم به السعودية المكتوبة بالإرهاب بما تقوم به عمان مثلا. ولا يمكن مقارنة ما يظهر في وسائل الاعلام البحرينية لجهة نبذ الطائفية بما يظهر في إعلام قطر التي لا تشكو من هذا الوباء. وباختصار شديد لا توجد استراتيجية خليجية موحدة وملزمة لمواجهة مثل هذه القضايا الخطيرة ذات الأثر البعيد على مستقبل المنطقة وشعوبها".

الإعلام البترولي... ثمة أسئلة

كان عاما صعبا على النفط وأسعاره وأخباره أيضا. اختلطت الصحافة العالمية وتحليلاتها على القارئ الخليجي، بين دور حكومات الخليج في أسعار النفط وبين تحليلات غربية وأخبار محلية بلا تحليل. أغلب الصحافة المحلية إن لم يكن جميعها اعتمدت على تصريحات بسيطة لوزراء البترول وأجهزة العلاقات العامة لوزارات البترول. لا صحافة حقيقية ولا صفحات حيوية. فيما بعضها الآخر انتهج مهمة ترجمة تحليلات غربية لأهم محللي الطاقة والاقتصاد. في حين غابت الصحافة المحلية التي تعيش في بلدان هي محط جدل العالم عن المتابعة والتحليل والقيادة. كان القارئ الخليجي يتابع كما يتابع الغربي تحليلات خارجية لعلاقة وتأثر سوق النفط بصراعات سياسية قادتها بلدان الخليج. كانت ردود الفعل متأخرة.

الأصعب أن ما تم من تداول صحافي جاء كردود فعل، وردود فعل متأخرة في توقيتها أيضا، اعتمدت فيما بعد على تصريحات جديدة من وزراء البترول. كانت الوزارات البترولية تفترض على الإعلام مسؤولية في مواجهة تضليل الرأي العام العالمي حيال مواقف دول الخليج وإسهاماتها الكبيرة والتاريخية في المحافظة على توازن واستقرار السوق البترولية العالمية. وظهرت مناظرات فكرية ومهنية مع قادة الصناعة النفطية الخليجية في مناسبات قليلة منها ما تم كرد فعل أيضا، بمشاركة وزراء البترول والطاقة في دول المجلس وكبار مهندسي الصناعة النفطية وتنفيذييها، وبعض الضيوف. هدفت تلك الجلسات إلى تشخيص أبعاد وخلفيات الهجمة الإعلامية الأخيرة والتي وصفت بغير المسبوقة على مواقف دول الخليج، والادعاءات بأنها هي من صنعت وتآمرت لخفض أسعار البترول لأغراض سياسية خاصة.

أما السؤال فلماذا لم يتمكن الإعلام البترولي الخليجي من مواكبة تطورات الصناعة النفطية في هذه البلدان، وكيف يجوز أن نكون رواد هذه الصناعة دون أن نكون طرفا إعلاميا مهما، ونسمح للآخرين بأن يكونوا هم المتحدثين باسمها ومن يصنعون أخبارها تبعا لمصالحهم ونواياهم وأغراضهم السياسية وغيرها. السوق كما قال وزير النفط السعودي هو الذي يحدد الأسعار ولا وجود لمؤامرات إلا في خيال الإعلام العالمي. إلا أنه لا شك أن تحليلات واجتهادات الإعلام تؤثر بشكل مباشر في الاقتصاديات والسياسات. مع اتساع القنوات التلفزيونية وقنوات التواصل والأدوات الإعلامية الأخرى، فإن إحدى التحديات تتمثل في تضارب التحليلات ونقص حاد في المؤهلين والمتخصيين الذين يعملون عادة في أعمال بترولية لها خصوصيتها البعيدة عن الإعلام، ومن ثم عجز الصحافي من أن يستخرج المعلومات الموثوقة. ترافق ذلك وغياب تواصل وزارات البترول مع الإعلام المحلي الخليجي. هل يتعلق ذلك ربما بعدم تقدير الصحافي المحلي لعدم أهمية منابره بالنسبة بجهات البترول مقارنة بالإعلام العالمي الغربي وهو المنبر الأهم، أم لعدم تخصص الصحافي المحلي القادر على بناء التحليلات داخل صناعتنا الإعلامية؟ الأسئلة صعبة حين نتوجه إلى النقد الذاتي ونقد بعض المكونات الإدارية والمنهجية الإعلامية للأجهزة المعنية بصناعة النفط من وزارات وشركات.

إلا أننا نعيد الضوء على نقطة مهمة تخص الإعلام نفسه وهي تأهيل كوادر إعلامية متخصصة. وبنسبة ربما ليست علمية لكنها مقنعة نظريا، فإن 80٪ من ممارسي الصحافة البترولية هم من الهواة. وصحفي بترولي لا يجيد اللغة الإنجليزية لن يتمكن من تغذية وترقية أدواته المعرفية أو حتى استيعاب المصطلحات والمفردات الخاصة بالصناعة نفسها. الأدوات المهنية والمعرفية واللغوية التي قد يفتقدها الصحفي الخليجي عامة، لذا فلن تمكنه من طرح الأسئلة الجيدة والعميقة حين يلتقي بمصادر إخبارية مختصة. كل ذلك إلى جانب مهم أيضا وهو غياب الشفافية، وهي واحدة من أهم الأسباب وراء اعتماد الإعلام البترولي الخليجي التقارير المنقولة عن الصحافة الغربية.

أزمات مالية وميزانيات منخفضة... ما الحل؟

لا يخفى على الجميع أن بعض الصحف العربية والخليجية تواجه أزمات مالية. بعضها عمد إلى إعادة هيكلتها بما يناسب ظروفها، إضافة إلى تصريف بعض من موظفيها وصحافييها. وهذه الأزمات تتعلق بالشق الاقتصادي للمؤسسات الإعلامية لا سيما الصحف. وتبقى الحلول بطبيعة الحال جزء من داخل الصحيفة. الحلول ليست قوالب جاهزة للاعتماد مع اختلاف تفاصيل العمل في داخل كل مؤسسة صحافية وميزانياتها. لكن لربما هناك حلول مستقبلية قد يتفق عليها البعض خاصة فيما يتعلق بالأساسيات التي تتعلق بالنشر والتوزيع والتسويق. أو حتى حلول بديلة تتوائم والتحديات التكنولوجية الحالية والقادمة والقدرة على التنافسية.

في سياق ذلك، يعتقد خالد الفرم أن الصحافة الخليجية خلال العام 2015 شهدت تراجعا كبيرا في توزيع الصحف الخليجية، وتحديا حقيقيا في تسويق منتجاتها "ليس بسبب بروز الصحافة الاليكترونية وشبكات التواصل الإجتماعي فقط، بل بسبب ضعف الأداء المهني والسياسات التحريرية، لجهة غياب الصحافة الإستقصائية، والقصص الأخبارية الحصرية، وماوراء الخبر من تحليلات مهنية، وهذا الضعف انعكس على قضايا حيوية".

من حيث التفاصيل أيضا يعتقد غانم النجار أن عدد الصحف في الكويت مثلا منذ 2006 تفاوت بسبب تغير قوانين المطبوعات، والعدد وصل إلى 17 صحيفة مطبوعة من بعد أن كانوا خمسة فقط، يقول "البعض منها كانت مشاريع شخصية سياسية ليست بالضرورة تابعة لأحزاب لكن لقيمة وأهمية الإعلام بالنسبة للحضور الاجتماعي والسياسي، كما أن البعض قام بدراسات جدوى جيدة. لكن الذي حصل هو أنه بعد مباشرة العمل حصلت الانتكاسة الاقتصادية العالمية في 2008، هذا إدى إلى إغلاق عدد من الصحف. ومن صمد منهم حاول بقدر الإمكان أن يكمل لأن لديه قدرة القدرة المادية، ولكن ظلت الصحف تعاني ومنها من خرج من المنافسة، ومنها من قلص ميزانيته، ومنها من استمر إلى حين ما تحقيق الأدنى من الموارد الكافية وهي الإعلانات بشكل أساسي، والتي بسبب الأزمة الاقتصادية 2008 أيضا لم تعد موجودة، فالشركات التي كانت تعلن في كل الصحف صارت تعلن على الصحيفة الأكثر انتشارا".

وقد تسبب ذلك في رأيه بتراجع صعود الصحف، هذا بالإضافة إلى الاحتقان السياسي والخلافات الداخلية "أغلب الصحف الموجودة هي ملكية خاصة حقيقية، ويختلف الوضع في بعض الدول الخليجية الأخرى، والتي تكون الحكومة أو أطراف منها أو أطراف محسوبة عليها تدعم الصحف، والدعم يأتي بطرق مختلفة، إما عن طريق الإعلان أو التسهيلات أو ما شابه أو أحيانا يكون الدعم المالي المباشر، لذا فلدينا في الكويت أصبحت المنافسة في السوق أقل، فالإعلانات تحسم".

تسود القنوات الفضائية الخليجية المشهد الإعلامي العربي، هل ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى متنوع مصادر التمويل في القنوات الفضائية الحكومية والخاصة، ربما، لا سيما أن قدرتها على دفع تكاليفها ليس أساسه الربح. ومقارنة بالفضائيات الغربية، فإن الفضائيات الخليجية لا يمكنها تغطية تكاليفها دون مصادر تمويل وإن اعتمدت على بعض المداخيل إعلانية. والأخيرة تعتمد على تسويق منتجات لشركات غربية غالبا تسعى لتسويق منتجاتها في الخليج. السؤال لماذا ذل