صارت أعداد الرايات التي ترفرف في شوارع بغداد والكثير من الامكنة تلفت انظار الناس الذين يواجهونها باستغراب، فيما لسان حالهم يقول: لماذا اصبحت هذه الرايات تزاحم الراية الاكثر اهمية وهي العلم العراقي الذي يظلل الجميع.

إيلاف من بغداد: اعرب العديد من العراقيين عن استغرابهم لمشاهدتهم الكثير من الرايات (الاعلام) الخاصة بالتنظيمات المسلحة والاحزاب والتيارات والعشائر فضلا عن الهيئات والمنظمات والاتحادات والنقابات ومؤسسات الدولة التي تحضر في العديد من الامكنة بالوانها واشكالها الغريبة ورموزها العجيبة، مشيرين الى ان العراق حطم الرقم القياسي الذي يمكنه بموجبه دخول موسوعة غينيس للارقام القياسية كونه البلد الذي يحوي أكبر عدد من الرايات، فيما أكد مواطنون عراقيون ان الرايات اختلطت عليهم وهي تملأ الشوارع والساحات والامكنة، كما انها لا تخضع للضوابط التي تم وضعها بهذا الشأن، ورأى البعض ان وجود هذه الرايات الكثيرة دليل على ضعف الدولة التي كان عليها ان تحدد ذلك بقانون، لأن لا تفسير واقعيا لها وهي بهذه الاعداد الكثيرة.

اكثر قوة

وفي هذا الإطار، اكد الدكتور أثير محمد شهاب، استاذ في جامعة بغداد، ان هذا يؤشر ضعف الوطن امام الاحزاب، وقال: "الراية في اي مشهد فعل اشهاري له وظيفة اشهارية جمالية تعكس صورة القصد الذي يطلبه صانع الصورة، ولعل الواقع العراقي من اكثر البيئات الصانعة الرايات على النحو الذي بدت فيه الحالة مشوهة وتدعو الى القبح والاشمئزاز".

واضاف: "قدرة هذا التنوع على الابلاغ تكاد تكون كبيرة، لان القيم اللونية المستخدمة تعكس عنف الجهة المستخدمة له، ولا اريد الدخول في التفاصيل لانني اخاف التهديد والاغتيال، فقد نجد هناك الاف الرايات التي يتم فيها توظيف الصورة واللغة معا وبعضهم يقتصر على الصورة، بحيث تتحول اللغة والصورة الى علامة اشهارية لها وظيفة الابلاغ عن الجهة الداعمة للقضية ممثلة بحزب او تيار او جهة سياسية، بحيث غابت صورة العلم العراقي لتطهر علامات اخرى اكثر قوة من سلطته، وهذا ما يؤشر ضعف الوطن امام الأحزاب والتيارات الدينية التي ما عادت تؤمن بالوطن، الى جانب الأحزاب الليبرالية التي تقترب في راياتها من جيفارا والمطرقة والمنجل، ونحن بين هذه العلامات نضيع في غابة من خرق القماش الصيني البائس".

احتقار العلم العراقي

ومن جهته اكد سالم عبد الحسن، طالب جامعي، ان العلم العراقي غير محترم، وقال: "ربما اتساءل عن معنى ان تمتلىء الساحات العامة والشوارع الرئيسية بالرايات المختلفة الاشكال والالوان وطالما استغربت ذلك خاصة انها تخلق حالة من الفوضى، فما اكثر هذه الرايات التي اشعر بالانزعاج حين اراها ولكن لها دلالة واضحة هي ان البلد يعيش فوضى في كل شيء".

واضاف: "لا اعتقد ان من يرفع هذه الرايات في الشوارع والساحات يحترم العلم العراقي بل انه يرى ان راية حزبه او تياره او اية راية يضعها هي افضل من العلم العراقي الذي لا ينتمون اليه، وهذه كارثة، وبصراحة لو كانت هناك دولة في العراق لما شاهدنا مثل هذه الاشياء التي لا تنم الا على احتقار العلم العراقي".

اثبات وجود&

اما الناشطة في مجال حقوق الانسان نداء عباس، فقد اكدت ان كثرة الرايات تسيء الى راية الوطن الواحد، وقالت: "اكثر ما يلفت نظري هو حضور اعلام بعض الدول، واتصور ان ذلك نابع من تبعية بعض التيارات الدينية والسياسية لتلك الدول فهي تصور للمواطن ان تلك الدول يهمها الشان العراقي وهذا خطأ، لان ذلك يزرع التفرقة ويزيد الاحتقان، واعتقد ان هذا شيء طبيعي نتيجة للتخندق الطائفی والفکری فی العراق، وهی على الاغلب محاولات لإثبات الوجود على ارض الواقع، ومحاولات لتحديد مناطق نفوذ تلك المليشيات من خلال رفعها في مناطق تعج بمؤيديها".

واضافت: "اعتقد ان كثرة الرايات تسيء الى راية الوطن الواحد وكان على الحكومة ان تمنع مثل هذه الظواهر الغريبة".

الاصطفافات المذهبية

من جانبه، اكد الصحافي والكاتب أحمد جبارغرب، ان هذا هو ما اتت به المحاصصة الطائفية، وقال: "تعدد الرايات في العراق نتيجة طبيعية للنهج الطائفي الذي سارت عليه القوى السياسية فهي لم تلتزم اصلا بكل القيم الوطنية التي تجعل الوطن في المرتبة الاولى، لكننا نرى التزاحم على الهويات عبر الاصطفافات المذهبية ومحاولة اعلاء شأن المذهب والطائفة على حساب الوطن، ولهذا نرى التراجع والانكسارات التي تعرض لها العراق طيلة 13عاما من عمر التغيير الذي اريد له بناء وطن على اسس ديمقراطية جديدة، لكن المتصدين من قوى الاسلام السياسي للمشهد السياسي قد خذلوا الشعب وراحوا &ينقبون عن التاريخ والولوج الى صفحاته السود ليتخذوا اسوأ نظام عرفته البشرية على مر تاريخها الا وهو المحاصصة والاثنية".

واضاف: "لذلك نرى تعدد الرايات لكثرة الفروع وتعدد الهويات المذهبية والعرقية بينما الهوية الوطنية التي يمثلها العلم العراقي في الاخير".&

ظاهرة غريبة

الى ذلك، اكد الكاتب والصحافي عبد الرحمن عناد ان هذه الرايات لا تخضع للضوابط، وقال: في بلادي &تثير كثرة الإعلام الاستغراب والتساؤل، الكل لديهم أعلام: الوزارات، مؤسسات الدولة، الأحزاب، العشائر، الهيئات والمنظمات والاتحادات والنقابات . . الخ، وربما يكون من الصعب، ان يحصي المرء هذه الإعلام، لان صاحبها قد يكون خارج المعرفة العامة، او ان جديدا سيظهر في أية لحظة ليأخذ مكانه هو الآخر، في الفضاء والساحات والمكاتب، مما يجعل القائمة مفتوحة".&

واضاف: "للعلم في اللغة معانٍ عدة ومختلفة، منها: العلامة، الفصل بين الأرضين، ما يهتدى به، سيد القوم، الجبل، اللواء، الراية، وغيرها مما تشترك في كونه الدالة على التميز والخصوصية والرفعة، لكن هذه الصفات السامية، وبهذا الانتشار غير المعقول للإعلام عندنا، تضعف بل وتجر الى تبسيط وابتذال قد ينال من قيمة العلم الرسمي للدولة، حين تتكاثر حوله أعلام ورايات تشاركه خفق الهواء، وحتى تحجب رؤيته عمن يفترض ان يكون الشاخص الوحيد أمام إنظارهم، والواجب عليهم رفع اليد لتحيته".&

وتابع: "ان يكون للبلد - أي بلد - علمه الوطني ، فهذا أمر معروف وضروري، وان يكون لبعض القيادات والوحدات العسكرية علم يميزها، فهذا عرف معمول به، ولكن ان تتكاثر الآعلام والرايات، وتتعدد ألوانها ومسمياتها دون ضوابط، وخارج المألوف، فهذه مسألة فيها نظر، وفي الأعراف الدولية والمحلية، لا بد ان يشرع للعلم قانون يحدد أسباب إقراره ورفعه، وألوانه ومقاساته، وتوقيتات ومناسبات رفعه، فكيف لعشرات او مئات الإعلام ان ترفع دون ضابط او قانون، هنا او هناك، في هذه المناسبة او تلك، ويكون خلف او جنب هذه الشخصية العامة او غيرها، ممن لا يمتلك الكثير منها صفة رسمية، او موافقة أصولية باحتياز علم خاص بها".

وختم بالقول: "من المفترض، ان تعمد الحكومة الى إقرار ضوابط تحد من هذه الظاهرة الغريبة، وتحدد الجهات التي يحق ان يكون لديها علمها الخاص، وان تحاسب من يمنح نفسه - فردا او جهة - رفع علم خاص به، قد يكون هو الوحيد في مناسبة عامة وحضور واسع، وبغياب علم الدولة الرسمي، وإلا فأنه ليس أكثر من مؤشر آخر على الضعف، وستقدم هذه الظاهرة الدافع والاستحقاق لدخول مقياس (غينيس) باعتبارنا البلد الأكثر أعلامًا ورايات".
&