صبري عبد الحفيظ من القاهرة:&في الذكرى الثالثة لعزل الرئيس المصري السابق محمد مرسي في 3 يوليو 2013، قال الدكتور محمد حبيب، النائب الأول السابق لمرشد جماعة الإخوان المسلمين، إن القائم بأعمال المرشد الهارب محمود عزت كان يحكم مصر خلال السنة التي تولى فيها مرسي رئاسة مصر، أي من 30 يونيو 2012 إلى 30 يونيو 2013.

أضاف حبيب في مقابلة لـ"إيلاف" تنشرها في حلقتين، إن عزت كان وما زال المتحكم بالجماعة، لأنه يمتلك الأموال وتتدفق عليه التمويلات. وأوضح أنه كان مسؤولًا عن إدارة مرسي عندما كان نائبًا في البرلمان المصري في العام 2000، وكان يقلبه بين أصابعه.

ولفت إلى أن محمود عزت اختار مرسي للترشح في الانتخابات الرئاسية في العام 2012 لأنه كان الشخصية الأكثر سمعًا وطاعة في جماعة الإخوان، وأن عزت كان يدير القصر الرئاسي بطريقة غير مباشرة، بالتشاور مع خيرت الشاطر، نائب المرشد المسجون حاليًا، وهذان الشخصان&متفاهمان جدًا،&كما قال إن الجماعة لن تقبل بمصالحة النظام الحاكم في مصر حاليًا، فهي مشغولة بالصراعات الداخلية وتخشى غضب عناصرها.

ويعمل حبيب أستاذًا في كلية العلوم في جامعة أسيوط، وأعلن انشقاقه عن جماعة الإخوان عقب ثورة 25 يناير التي أطاحت نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك.

وفي ما يأتي نص الحوار:&

كنت مسؤولًا عن إدارة مرسي أثناء عضويته في مجلس الشعب. هل يتمتع بالشخصية القيادية التي أهلته لرئاسة مصر؟

صعّدت محمد مرسي لرئاسة الكتلة البرلمانية في أواخر 2000، ولم أكن أعرفه جيدًا قبل هذا التاريخ. عندما اسند مكتب الإرشاد إلي مهمة الإشراف على 17 نائبًا في مجلس الشعب، كان ضروريًا أن أختار واحدًا منهم يكون مسؤولًا عنهم، وكان من المفترض أن يجتمع النواب السبعة عشر، ويرشحوا أحدهم، ثم نُخطر مكتب الارشاد، لاعتماد الأقوى رئيسًا للكتلة البرلمانية.

اتصل بي محمد على بشر (نائب المرشد ووزير التنمية المحلية السابق، مسجون حاليًا على ذمة قضايا التحريض على العنف)، وكان وقتها داخل السجن، وقال لي: سمعت إنك ستختار مسؤول الكتلة البرلمانية، فقلت له نعم. وفوجئت به يقول لي محمد مرسي كويس. جمعت النواب، وأخبرتهم بقرار محمد علي بشر، وعندما قلت لهم اسم محمد مرسي، أصابتهم الدهشة، وقالوا اللي إنتو شايفينه. عندما أخبرت مأمون الهضيبي، وكان المتحدث باسم الجماعة أنذاك، استشاط غضبًا، وقال لي: إزاي يا دكتور تعمل كده، وأنت عارف أن هذا ضد الأصول والقواعد، وكان من المفروض أن تعرض الأمر علينا، واحنا نعرف من هو الأنسب، ومن الممكن أن تكون لنا ملاحظات على هذا الشخص، أنت وضعتنا في موقف حرج. اعتذرت له عما حدث، لكن لم يتغير الوضع، واستمر مرسي رئيسًا لكتلة الاخوان البرلمانية. كنت أسهر مع البرلمانين حتى الساعة 2 صباحًا، وكان مرسي يتصل أكثر من مرة يوميًا ليستشرني في أمور البرلمان، ويفهم مرادي بالنظرة من دون الحاجة إلى الكلام، وكنت أقلبه بين أصابعي. في عام 2008، عندما تركت الإشراف على الكتلة البرلمانية وتفرغت للإشراف على الجماعة، كان مرسي يمر أمام مكتبي من دون أن يلقي السلام.

"بتاع مصلحته"

ما دلالات ذلك التحول في طريقة تعامله معك؟ كيف كان يتعامل مع المسؤول الجديد عنه؟

مرسي كان بلغة الشارع المصري "بتاع مصلحته"، كان يعتقد أنه لم يعد يحتاجني، بعدما أصبحت غير مشرف على الكتلة البرلمانية، فهو يرى الجانب الذي سيحقق له المصلحة. بعد انتقال الإشراف عليه إلى محمود عزت (القائم بأعمال المرشد العام للإخوان حاليًا، وهو هارب لم يُعتقل) في أثناء اجتماعاتنا في مكتب الإرشاد، كان مرسي ينظر إلى ملامح عزت قبل أن يتحدث، فإذا وجد انقباضًا في الأسارير توقف عن الكلام، لأنه كان يرى أن عزت غير موافق على ما يقول من تعبيرات وجهه. وإذا رأى مرسي انبساطًا في أسارير عزت يسترسل في الكلام.

هل تصلح شخصية بهذه الصفات لحكم مصر؟ وما المؤهلات التي رأتها الجماعة فيه لترشحه للمنصب؟

بالطبع لا... لكن هناك تقاليد وأعراف داخل الجماعة تحكم اختيار أية شخصية لشغل المناصب القيادية، وأهمها إظهار هذه الشخصية الطاعة الكاملة. وكلما كان كذلك يكون هو المقرب والأفضل. وعندما أعلنت الحكومة إجراء الانتخابات الرئاسية في 2012، كان محمود عزت، نائب المرشد وقتها، هو المتحكم بشكل فعلي بالجماعة ومكتب الإرشاد، وهو شخصية لا علاقة لها بالعمل المؤسسي ولا بالشورى، فهو يقول دائمًا: أنا الجماعة، ولذلك اختار مرسي للرئاسة.

هل معنى ذلك أن محمود عزت هو المسؤول عن إدارة القصر الرئاسي أثناء حكم مرسي لمصر؟

محمود عزت هو المسؤول عن ترشيح مرسي للرئاسة، واللى عايزه عزت هو اللي بيتم، وبعدها بيأخذ رأي خيرت الشاطر. خلال حكم محمد مرسي، كان عزت من يصدر إليه التعليمات والتوجيهات بطريقة غير مباشرة. كان عزت والشاطر يحكمان البلد لأنهما متفاهمان جدًا.

القائم بأعمال المرشد في مصر&محمود عزت

&

إنتهت الجماعة!

أين المرشد العام محمد بديع وباقي القيادات من سيطرة عزت على الجماعة والبلاد؟

ترك محمد بديع إدارة الجماعة لمحموت عزت. تنبأت أنه سيكون سببًا في تدميرها. قلت لمهدي عاكف (المرشد العام السابق للجماعة، مسجون حاليًا)، وهو صهر محمود عزت: مينفعش تسلم له الجماعة تسليم مفتاح، وقلت له أيضًا إنه سيكون سببًا في تخريب الجماعة، فنقل عاكف هذا الكلام إلى عزت، الذي رد قائلًا: مش عارف محمد حبيب حاططني في دماغه ليه. ومرت الأيام وبعدها اشتكي لي عاكف منه، وقال لي: مش عارف أعمل إيه في محمود عزت. قلت له: انتهت الجماعة خلاص.

ليس عند محمود عزت أفق واسع، وكان يتدخل في كل كبيرة وصغيرة، ويغرق في تفصيلات صغيرة حتى يصل إلى طريق مسدود. ويعتقد أن ما يفعله سيحقق مصلحة الجماعة. كما إن مذهب التقية عنده معتمد 100% تمامًا.

فلا شيء يتم داخل الجماعة حاليًا إلا بموافقة محمود عزت. كل الخيوط في يديه، فهو من أدار ويدير الجماعة لأنه يمتلك الأموال، ويصب عنده التمويل.

لماذا تتركه القيادات يدير الجماعة حتى الآن؟

ليس لدى هذه القيادات أي خيار آخر، كما إنه المتحكم بالأموال حاليًا، ويقرب إليه من يسمع ويطيع، ويعطيه كل الصلاحيات، وهذا أحد الأسباب الرئيسة في الخلاف القائم حاليًا بين قيادات الجماعة في تركيا. غالبية قيادات الجماعة تعلم أن عزت هو الأساس فيها، ومنهم على سبيل المثال محمد البلتاجي (نائب سابق في مجلس الشعب، ومسجون حاليًا)، كان في وقت ما يسعى إلى الإصلاح، وعندما علم أنه لن يستطيع تحقيق ما يريد، اضطر إلى دخول بيت الطاعة، ووضع نفسه تحت تصرف مجموعة مكتب الإرشاد بقيادة محمود عزت. بالمناسبة، هذه المجموعة كانت تكره عصام العريان (مستشار سابق لمرسي، ونائب سابق في مجلس الشعب، مسجون حاليًا) كراهية التحريم.

وما تعليقك على محاكمة مرسي بالتخابر لصالح قطر؟

للأسف، كان الإخوان مثل صندوق مفتوح للعالم كله، كانت عندهم القدرة على الاطلاع على كل ما يحدث في الدولة من خلال أجهزة التنصت أو الأوراق التي حصلوا عليها. كما إن مرسي لم يكن يحكم من قصر الاتحادية، بل كان يُحكم من خلال مكتب الإرشاد، وكما قلت، البلد كانت محكومة من محمود عزت، بالتشاور مع خيرت الشاطر.

تناغم بتضارب مصالح

بدت العلاقة متناغمة جدًا بين الجيش والإخوان المسلمين بعد ثورة 25 يناير 2011. ما الذي أدى إلى 3 يوليو 2013؟

نشأت علاقة جيدة بين الجيش والتنظيم بعد اسقاط مبارك. كانت تلك العلاقة قائمة على المصالح، وبدأت عندما نظر المجلس العسكري أيام المشير حسين طنطاوي إلى ما أطلق عليها اسم القوى الثورية، ووجدها تجمعات متفرقة ومتشرذمة، فبحث كيف سيتعامل مع هذه المجموعات؟، ولاسيما أن غالبيتها منفلتة بلا قيادة. كما لعبت الفضائيات برؤوس هؤلاء الشباب، فنظروا حولهم، ولم يجدوا غير الإخوان تنظيمًا هرميًا يتعامل بانضباط ويعمل وفقًا لمبدأ السمع والطاعة، مثل المؤسسة العسكرية، ففضل باعتباره قائد الجيش ورئيس المجلس العسكري الحاكم، أن يتعامل مع تنظيم مثله، فتم الاتصال بالإخوان في سبيل الوصول إلى الثورة من خلالهم. على الجانب الآخر، وضع التنظيم في مخيلته أنه سيسند ظهره على المجلس العسكري، فالإخوان كانت الغطاء السياسي الشعبي للمجلس العسكري، وهو يدعم الجماعة بالقوة وكلاهما متفاهمان في هذه السياسة، لكن اللي في القلب يبقى في القلب.

محمد بديع مرشد إخوان مصر مرتديا ملابس الاعدام في قاعة المحكمة

بحسب اتفاق المصالح، تسكت الإخوان عن مذبحة ماسبيرو، وتغضّ الطرف عن حوادث محمد محمود ومذبحة بورسعيد وتعريه البنات في ميدان التحرير، لكن لا بد للمصالح في وقت ما تتصادم، ليس من ممكن أبدًا أن تتم إدارة البلاد بهذه الطريقة، التي تتسم بفقدان الصدقية والشفافية. كان المجلس العسكري يوزع الهبات على الكل لإرضائهم، وبقي كل شيء على حاله، لأنهم جميعًا سلكوا الطريق غير المضبوط، والإخوان أيضًا، والأميركيون يلعبون على الجميع، وبقي الجهاز الإداري للدولة كما هو، مصيبة وكارثة، وبقي الفساد معششًا في مؤسسات الدولة كالسرطان.

متى تصادمت مصالح الإخوان والمجلس العسكري؟

المثل يقول إذا اختلف (صمت) ظهر المسروق. فدائمًا وأبدًا، طالما لا توجد صدقية ولا شفافية بالقدر المطلوب من ممكن ان يختلفوا على أشياء كثيرة. حين رأى المجلس العسكري أن الإخوان "يطرمخون" على بعض الممارسات، استحسن ذلك. وعندما أصدر الإخوان بيانًا في 29 مارس 2011، ووصفوا شباب الثورة بأنهم عملاء، أدرك المجلس العسكري أنهم يريدون شيئًا، وكان هم الإخوان الأكبر إرضاء قيادات الجيش، ولما أحضر النائب محمد أبو حامد فوارغ طلقات الرصاص التي كانت تطلق على الشباب في أحداث محمد محمود، إلى مجلس الشعب، استقبل الإخوان وزير الداخلية بالأحضان. قالوا إن الثورة في البرلمان لا في الميدان، لكن بداية الصدام وقعت عندما احتك الإخوان برئيس الوزراء السابق كمال الجنزوري في البرلمان، لأن كل شيء كان خطأ، وكان من المفترض إننا كنا نعمل مثل تونس، كان يجب أن يجتمع الفرقاء ويضعوا الدستور أولًا، وهذا وضع طبيعي، إلا أن الإخوان "انضحك عليهم"، وخرجت التعديلات الدستورية، وبعدها الإعلان الدستوري في 19 مارس 2011. بهذه المناسبة، كان يرى بعض قيادات مجلس شورى الجماعة ضرورة وضع الدستور أولًا، وعندما تم الاستفتاء صوّت بـ"لا"، وعلى الرغم من ذلك، عقد مكتب الإرشاد مؤتمر صحافي عالمي، وأعلن أنهم سيصوّتون بـ"نعم" على هذه التعديلات، على الرغم من أن الثورة قامت في الأساس من أجل نسف القديم كله.

هل حضرت أية لقاءات في هذه الفترة بين الإخوان وقيادات المجلس العسكري؟

المشير حسين طنطاوي

لا، لأن صلتي بالجماعة كانت مقطوعة تمامًا، لكن كانت تصلني معلومات عما يحدث وراء الكواليس.

هل الأجواء مهيأة لإجراء مصالحة بين الإخوان والنظام في المرحلة الراهنة؟

في الوقت الحالي، لا أعتقد ذلك، خصوصًا أن جماعة الإخوان مشغولة بالصراع الداخلي الذي تعانيه، كما تخشى القيادات الموافقة على المصالحة فيزيد غضب من هم في الصفين الثاني والثالث، إنهم في حيرة وارتباك.&

بالنسبة إلى النظام الحاكم، ليس هذا وقت المصالحة، ولو قبل بها سيكون موقفه سيئ جدًا، وسوف يتعرض لانتقادات، منها أنه منبطح وعاجز وفاشل. فمن غير المعقول أن يظل طوال الوقت يهاجم الإخوان، وبين يوم ليلة وضحاها يعقد معهم مصالحة.