حلب: يسيطر الخوف على سكان الاحياء الشرقية في مدينة حلب في شمال سوريا بعدما باتت قوات النظام تحاصر منطقتهم بشكل كامل، ويسعى كثيرون الى ايجاد طريق للمغادرة استباقا لسقوط المدينة او تحسبا لحصار تجويعي طويل.

وأحكم الجيش السوري صباح الاحد الحصار على الاحياء الشرقية الواقعة تحت سيطرة مقاتلي المعارضة بعدما قطع بشكل كامل طريق الكاستيلو، آخر منفذ الى تلك الاحياء التي يقطنها اكثر من مئتي الف سوري، بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان.

وتتواصل الاشتباكات بين قوات النظام والفصائل الاسلامية والمقاتلة في محيط الكاستيلو في شمال حلب، وفق المرصد. كما تتعرض الاحياء الشرقية لغارات جوية منذ صباح الاحد.

ويقول محمد ركبي (38 عاما) من سكان حي بستان القصر في الجهة الشرقية "اشعر بالخوف من القادم. ربما سيقوم النظام بالهجوم على الاحياء الشرقية ولن يكتفي فقط بمحاصرتها، فالقصف اليومي الشديد على احيائنا يوحي بذلك".

ويضيف "لا اعلم ماذا سيحل بنا، لا يوجد اي مكان نذهب اليه.. جميع الطرق مغلقة، ونعاني منذ ايام من نقص الخبز والغذاء وكل شيء تقريبا".

ويأتي تقدم قوات النظام ووصولها الى طريق الكاستيلو الاحد بعد عشرة ايام من تمكنها من قطعه ناريا اثر سيطرتها على مزارع الملاح الجنوبية المطلة عليه من الجهة الشرقية. 

وتدور منذ السابع من تموز/يوليو معارك ضارية في محيط الكاستيلو من الجهتين الشرقية والغربية، اذ شنت الفصائل الاسلامية والمقاتلة هجمات عدة في محاولة لمنع تقدم قوات النظام، الا انها فشلت في تحقيق مسعاها.

وبدأ سكان الاحياء الشرقية منذ ايام يعانون نقصا في التموين.

"الحصار يمنعني من النوم"

ويقول محمد زيتون (44 عاما) من سكان حي المشهد، وهو ميكانيكي سيارات ووالد لخمسة اولاد، "توقفت عن العمل منذ ايام بسبب فقدان الوقود". ويضيف "لم اكن اتوقع حدوث ذلك فجأة. خلال ايام معدودة، استطاع النظام الوصول الى طريق الكاستيلو".

ويتابع "التفكير بالحصار بات يمنعني من النوم ليلا. أسعى للنزوح خارج المدينة ولكن لا يوجد اي طريق آمن". ولدى زيتون، بحسب قوله مؤن قد تكفيه لمدة اسبوع واحد. ويتخوف "من حدوث مجاعة في حال فقدت المواد الغذائية من الاسواق".

واعرب مكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية عن قلقه ازاء قطع طريق الكاستيلو "امام الامدادات الانسانية من والى شرق مدينة حلب"، خصوصا بسبب "الكثافة السكانية المرتفعة في هذه المنطقة".

واوضح انه يوجد في الاحياء الشرقية حاليا "غذاء يكفي لـ145 الف شخص على الاقل لمدة شهر واحد ومستلزمات طبية تكفي لاربعة الى خمسة اشهر"، مؤكدا "الحاجة العاجلة للمزيد من المساعدات المنقذة للحياة".

واشارت الامم المتحدة الى ضرورة وصول المساعدات الانسانية "باستمرار ودون عرقلة الى شرق مدينة حلب لانقاذ حياة الناس والتقليل من المعاناة".

وتحولت سياسة الحصار خلال سنوات النزاع الذي تشهده سوريا منذ العام 2011 الى سلاح حرب رئيسي تستخدمه جميع الاطراف المتنازعة. ويعيش بحسب الأمم المتحدة نحو 600 الف شخص في مناطق محاصرة بغالبيتها من قوات النظام.

ويقول مدير الابحاث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس كريم بيطار لوكالة فرانس برس "الى جانب الكارثة الانسانية المقبلة، فان التطورات الاخيرة في شرق حلب لها اهمية سياسة كبيرة".

ويوضح ان من شأن هذا التقدم ان يجعل الرئيس السوري بشار الاسد يشعر "بانه اكثر امنا للاشهر القليلة المقبلة، فان قواته قادرة على التقدم اكثر لتثبيت مواقعها".

وفي حديث مع صحافيين السبت عبر الهاتف، قالت المعارضة السورية البارزة بسمة قضماني "يعتقد النظام انه حقق نصرا رمزيا (...) وان هذا الوضع على الارض مناسب له للعودة الى مفاوضات جنيف بموقف قوي".

واضافت قضماني العضو في الهيئة العليا للمفاوضات التي تضمم ممثلين عن اطياف واسعة من المعارضة السورية "الا ان العقاب الجماعي الذي نشهده في حلب وحقيقة ان روسيا مشاركة في كل هذا، يضع علامة استفهام كبيرة على مفاوضات جنيف".

واعتبرت ان فرص نجاح المفاوضات التي تسعى اليها الامم المتحدة وعرابا المفاوضات الولايات المتحدة وروسيا "تتراجع اكثر واكثر وتصبح بعيدة اكثر واكثر". وتتقاسم قوات النظام والفصائل منذ العام 2012 السيطرة على احياء مدينة حلب، ثاني كبرى مدن سوريا، وتعتبر المعارك فيها محورية في الحرب. 

وكانت قوات النظام السوري بدعم من حزب الله شنت في شباط/فبراير الماضي هجوما واسع النطاق في ريف حلب الشمالي وتمكنت من السيطرة على مناطق عدة وضيقت الخناق على الاحياء الشرقية. في 27 شباط/فبراير، فرضت واشنطن وموسكو اتفاقا لوقف الاعمال القتالية في مناطق عدة في سوريا، ما ادى الى تراجع العمليات العسكرية لوقت قصير جدا. لكن الهدنة انهارت تماما في مدينة حلب بعد نحو شهرين.