محمد بوخزار من&الرباط:&كرّم العاهل المغربي الملك محمد السادس امس السبت عبد الرحمن اليوسفي، رئيس الوزراء المغربي الأسبق، بمناسبة &الذكرى السابعة عشرة لتوليه مقاليد الحكم، بإطلاق اسمه، وهو على قيد الحياة، على أهم شوارع مدينة طنجة، التي ولد بها السياسي المغربي يوم الثامن من مارس&1924.

ويُضاف هذا التكريم الى سجل اليوسفي الوطني الحافل بالأعمال الجليلة التي وضعته، عن جدارة، ضمن صدارة الرعيل الأول من الوطنيين المغاربة الأبرار، الذين غاب أغلبهم عن الحياة، بعدما ابلوا البلاء الحسن في سبيل الدفاع عن استقلال &المغرب وبناء دولته الحديثة . ومن ثم يأتي التكريم الملكي كاعتراف بدورهم وربط الماضي المجيد بالحاضر المفتوح على الآمال .

وإذا كان الملك الراحل الحسن الثاني، قد كرم شيخ المعارضين سياسيًا، ونسى كل ما باعد بينه وبين اليوسفي عقوداً من الزمن، فاسند إليه مهمة تاريخية تمثلت في قيادة عملية الانتقال الديمقراطي، لتجنيب البلاد مخاطر ما وصفه في حينه بـ "السكتة القلبية" التي تهددت المغرب؛ غير أن الالتفاتة الإنسانية التي لا يمكن أن ينساها اليوسفي للملك الحسن الثاني، هي زيارته له في المستشفى حينما ألم عارض صحي برئيس &حكومة التناوب التوافقي، وهو يرأس اجتماعًا عاصفًا لحزبه، ليتبين فيما بعد أن الإصابة متوسطة الخطورة، وهي عبارة عن جلطة خفيفة في الدماغ، استوجبت إجراء عملية جراحية له في مستشفى ابن سيناء الحكومي بالعاصمة المغربية، على يد فريق من الجراحين المغاربة.

عرض الملك الراحل على رئيس وزرائه حينئذ نقله إلى الخارج لضمان العلاج الناجع وتفادي انعكاسات الجلطة على الوضع الصحي لليوسفي، وهو يعرف أنه لم يكن في مستوى التحمل، وشكر اليوسفي الملك الحسن الثاني، وأعرب له عن امتنانه وثقته في الأطباء المغاربة.&وفعلاً، تكللت العملية بالنجاح وعاد الرجل إلى نشاطه العادي أكثر تفاؤلاً، بعد فترة نقاهة دامت حوالي الشهر.

&زيارة الحسن الثاني

تلك الزيارة الملكية غير المسبوقة، لا ينساها اليوسفي ، فقد برهنت على التقدير الصادق الذي يكنه الملك للمعارض القديم ، وحرصه على نجاح التجربة الديمقراطية الفتية ؛ لذلك فإن اليوسفي &بعد مغادرته المستشفى، بحث عن صورة لتوثيق الزيارة الملكية، فلم يجد إلا تلك التي نشرتها الصحف المغربية، أكثرها وضوحًا&تصدرت الصفحة الأولى من يومية "لوماتان "الناطقة بالفرنسية القريبة من القصر. حفظ اليوسفي الصورة داخل "برواز" وضع واحدة في مكتبه برئاسة الحكومة يراها بل يتمعن فيها كل زائر، أما النسخة الثانية&فاختار لها مكاناً في &اقامته الرسمية بحي "الأميرات" في ركن لا تخطئه عين الزائر أيضًا.&

التكريم الموصول الذي خص به الملك محمد السادس&اليوسفي&في ذكرى عيد الجلوس، هو الأقوى إنسانيًا وسياسيًا، حيث&اختار أن يجري في مدينة طنجة مسقط رأس اليوسفي، وأن يكون شارع" السلام" سابقًا، عبد الرحمن اليوسفي&حاليًا، وهو نقطة وصل محورية بين أربعة شوارع، &ثلاثة منها تحمل أسماء ملوك من الدولة العلوية: مولاي عبد الحفيظ، مولاي يوسف ومولاي سليمان وخليفة عباسي هو هارون الرشيد .أية مصادفة تاريخية؟

&رفع الستارة&

أما الدلالة الأخرى&فتتمثل في أن الملك قام شخصيًا برفع الستارة مع اليوسفي&عن اللوحة الرخامية،&ما يدل على التقدير الذي يكنه الملك لمن خدمه هو ووالده &الحسن الثاني ومن خلالهما المغرب.

وهي سابقة بروتوكولية حقًا،&على اعتبار أن أسماء&الشوارع &في المغرب لا تطلق على الأحياء الذين يستحقونها عرفانًا وتقديرًا لهم . وهي مخصصة&في الغالب للملك وبعض أفراد أسرته،&هكذا توجد في كثير من المدن المغربية ساحات وشوارع تحمل اسم الملك محمد السادس، وولي العهد والأميرة للاخديجة،&كريمة العاهل المغربي، وأشقائه الأمراء والأميرات.

تخليد أسماء السياسيين الكبار الذين يحظون بتقدير واحترام هو أسلوب في الوئام السياسي والانفتاح على أقطاب المعارضة المشهود لهم بالنزاهة والوطنية، بهدف تجاوز صفحة الماضي،&بدأه الملك الحسن الثاني بإلتفاتته التاريخية نحو حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بموافقته على إطلاق اسم الزعيم اليساري المهدي بنبركة على أحد الشوارع الرئيسة في حي الرياض بالعاصمة، واضعًا حدًا للقيل والقال بخصوص مسؤولية الدولة المغربية عن اختفائه الغامض في العاصمة &الفرنسية يوم 29 أكتوبر&1965، وهو&نفس الحي الذي يوجد فيه شارع طويل يحمل اسم السياسي الراحل عبد الرحيم بوعبيد، رجل الدولة والأمين العام الأسبق للاتحاد الاشتراكي الذي ترك منصبه لرفيقه في النضال عبد الرحمن اليوسفي.

وما يعطي الحدث دلالات&وأبعادًا أكبر، أن إطلاق &أسماء شوارع المدن&يدخل ضمن صلاحيات المجالس البلدية، بعد موافقة السلطة الوصية، أي وزارة الداخلية التي يحق لها الاعتراض على اسم &قد يحمل إشكالاً ما في سيرته ومساره؛ بينما قرار الملك لا يجوز الاعتراض عليه، باعتباره رمز السيادة الوطنية في كافة تجلياتها ومظاهرها، ما يعني أن القرار هو باسم كافة المغاربة وليس باسم &بلدية.

التفاتة ملكية

استقبلت التفاتة الملك محمد السادس نحو عميد السياسة المغربية، بارتياح وامتنان كبيرين،&لا تقف وراءها أية دوافع وخلفيات سياسية ؛ فاليوسفي&اعتزل الحياة السياسية احترامًا منه لسنه، وقد &دخل العقد التاسع من عمره، وبالتالي ليس أمامه إلا ماضيه الحافل، وأن تكريمه من طرف أعلى سلطة في البلاد&هو إكبار لجهاده وكفاحه المثالي &في سبيل الوطن قبل أي اعتبار آخر . وعلى الصعيد الشخصي ينظر إلى التكريم أنه تأكيد لرابطة المودة والتقدير المتبادل التي تجمع الملك محمد السادس بوزيره الأول الأسبق، كشف عنها اليوسفي للصحافة &قبل أشهر قليلة حينما صرح أن الملك يستشيره في بعض القضايا الدقيقة، ويستأنس برأيه وبخبرته وحكمته&ومعرفته بالسياسة الدولية.

وفي السياق نفسه،&وجه العاهل المغربي رسالة في ذكرى غياب الزعيم المهدي بنبركة حملها مستشاره عمر عزيمان، أوصى الملك أن يتلوها اليوسفي نفسه، في احتفال تأبيني مؤثر أشرف على تفاصيله اليوسفي &شخصيًا، وحضرته شخصيات وازنة &بينها الجزائري الأخضر الإبراهيمي،&صديق بنبركة.

التكريم الاستثنائي الرمزي لليوسفي الحالي يحمل رسائل سياسية وأخلاقية كثيرة موجهة للداخل والخارج، مفادها أن الشخص الكريم لا بد وأن يجد من يكرمه&مهما طال الزمن ولو في سن متقدمة، جزاء له واعتذارًا عن ما يمكن أن يعد تقصيرًا في التعامل معه.

السياسة أخلاق وتواضع&

اليوسفي، وهو المتمتع بصفاء ذهني، وباعتزازه &بهذا التكريم &الملكي الاستثنائي والفريد، يؤكد أن السياسة أخلاق وتواضع ونكران ذات، فمهما طغت خلافاتها فإنها لا يجب أن تلغي الجانب الإنساني في العلاقات بين الفاعلين فيها. أما التفاتة الملك محمد السادس، فهي زاخرة بالإشارات الأخلاقية والسياسية، في ظرف خاص كثر فيه الحديث عن التخليق والزهد وتفضيل المصلحة العامة على الشخصية،&كأن الملك يقول إن اليوسفي ، هو القدرة التي تجسد الفضيلة السياسية في أجلى معانيها، لذلك أسبغ عليه بالرضى وأحاطه بعناية امتدحها كل المغاربة لأنها من شيم الكبار.