نصر المجالي: في غزل سياسي غير مسبوق في العلاقات بين أنقرة، التي لا تزال تعيش في ظلال شبح المحاولة الانقلابية وعلاقاتها المتوترة مع الغرب، وموسكو التي نددت بتلك المحاولة، تعقد قمة تركية ـ روسية في سانت بطرسبيرغ اليوم الثلاثاء.&

وتعقد قمة سانت بطرسبيرغ، في إطار أول زيارة رسمية يقوم بها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان للخارج منذ محاولة الانقلاب الفاشلة، وأول زيارة له إلى روسيا منذ تفجر الأزمة بين تركيا وروسيا إثر هجوم الطيران الحربي التركي على طائرة عسكرية روسية في نوفمبر 2015.

وقال إردوغان في تصريحات صحفية يوم الإثنين، إن محادثاته المرتقبة مع بوتين ستفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين. كما وصف نظيره الروسي بـ(الصديق العزيز والمحترم)، وأشار إلى أنه لا يمكن تسوية الأزمة السورية دون مشاركة روسيا.

وسيتناول لقاء بوتين وأردوغان مناقشة جملة مواضيع، بينها استئناف الرحلات السياحية، ورفع الحظر التجاري الروسي، واستئناف العمل في مشروع إنشاء خط أنابيب لنقل الغاز من روسيا إلى أوروبا عبر تركيا.

الملف السوري

وفضلاً عن ذلك، فإن الملف السوري وهو الأسخن سيكون على أجندة قمة بوتين ـ إردوغان، خصوصًا لاختلاف وجهات النظر بين موسكو وأنقرة في شأن مصير الرئيس السوري بشّار الأسد.

وفي تصريحات للرئيس التركي لقناة (روسيا 24) عشية زيارته لروسيا، ردّ على سؤال حول حل الأزمة السورية، بالقول: "أودّ التأكيد بصراحة على أن روسيا تُعتبر لاعباً أساسياً وأكثر أهمية في مسألة احلال السلام في سوريا. وأعتقد أنه يتعيّن حل هذه القضية من خلال الخطوات الروسية التركية المشتركة".

وأضاف: "وحين يدور الحديث عن زيادة عدد المشاركين في التسوية السورية، فلقد سبق لي أن أقول لصديقي العزيز فلاديمير: إذا اقتضى الأمر فسنُشرك إيران. ويمكننا أيضًا أن ندعو كلّاً من قطر والسعودية والولايات المتحدة. هنا نستطيع أن نشكّل دائرةً واسعةً من المشاركين. وإذا لم يتم ذلك، فإننا يمكن أن نتّخذَ بعضَ الخطوات بالتعاون مع روسيا الاتحادية، وذلك من دون انتهاكِ وحدةِ الأراضي السورية التي تربطنا بها تسعُ مئةٍ وخمسون كيلومترًا من الحدود المشتركة".&

لا لتفكيك سوريا

وتابع الرئيس التركي: "كما أننا لا نريد تفكّكَ سوريا لكن للحيلولةِ دون وقوع ذلك يجب على بشار الأسد الرحيل، لأنه يتحمّل المسؤوليةَ عن مقتلِ 600 ألفِ شخص. من المستحيل الحفاظُ على سوريا الموحّدة بوجودِ الأسد في السلطة. كما لا يمكننا أن ندعمَ القاتلَ الذي ارتكب جرائمَ إرهابِ الدولة. فليختر الشعب السوري بنفسه من يريد أن يراه في السلطة.

وقال: "أنا واثقٌ من أننا سوف نُجري مفاوضاتٍ بشأن هذه المسألةِ الحساسة. غير أن هناك إجماعًا من قبل مؤتمر جنيف والمعارضة السورية الموجودة هنا على ضرورةِ التسوية من دون بشّار الأسد. وهذه العملية يمكن أن يشاركَ فيها الطرفُ الإيراني أيضًا. وعن طريقِ الجهود المشتركة نسعى إلى وقف القتل وانهاءِ إراقةِ الدماء".

كلمتان&

وإلى ذلك، فإنه من المنتظر أن يتحدث إردوغان وبوتين في مؤتمر صحفي، وكذلك سيلقيان كلمتين أمام رجال أعمال البلدين.

ويرافق أردوغان في زيارته كل من، نائب رئيس الوزراء محمد شيمشك، ووزراء الخارجية مولود جاويش أوغلو، والثقافة والسياحة نابي أوجي، والاقتصاد نهاد زيبكجي، والزراعة والثروة الحيوانية فاروق جليك، والطاقة والموارد الطبيعية براءت ألبيرق، ورئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان، ونائب رئيس حزب العدالة والتنمية مهدي أكر.

تطبيع&

يذكر أن بوادر تطبيع العلاقات التركية الروسية، بدأت عقب إرسال الرئيس التركي رسالة إلى نظيره الروسي، نهاية يونيو الماضي، أعرب فيها عن حزنه حيال إسقاط الطائرة الروسية، وتعاطفه مع أسرة الطيار القتيل.

وسبق لمقاتلتين تركيتين من طراز "إف - 16"، أن أسقطتا مقاتلة روسية من طراز "سوخوي - 24"، في نوفمبر 2015، لدى انتهاك الأخيرة المجال الجوي التركي عند الحدود مع سوريا بولاية هطاي (جنوبًا).

وعلى خلفية حادث إسقاط الطائرة، شهدت العلاقات بين أنقرة وموسكو توترًا؛ حيث أعلنت رئاسة هيئة الأركان الروسية قطع علاقاتها العسكرية مع أنقرة، إلى جانب فرض موسكو قيودًا على البضائع التركية المصدّرة إلى روسيا، وحظرًا على تنظيم الرحلات السياحية والطائرات المستأجرة المتجهة إلى تركيا، ولاحقًا تم تخفيف بعض هذه القيود.

وتفيد ارقام اعلنها الكرملين أن المبادلات التجارية بين البلدين تراجعت بنسبة 43% الى 6,1 مليارات دولار بين يناير ومايو الماضيين.

تجاوب

لكن بعد اشهر من الخصومة وتبادل الهجمات الكلامية بين الرئيسين، تجاوبت موسكو بسرعة لم تكن متوقعة مع بادرة انقرة، وامرت برفع العقوبات المفروضة على القطاع السياحي التركي، الذي يعتبر اساسيًا في اقتصاد هذا البلد، وقد تضرر كثيرًا جراء مقاطعة السياح الروس الذين تراجعت اعدادهم بنسبة 93% في يونيو بالمقارنة مع الشهر نفسه من العام 2015.

كما من المتوقع اعادة احياء مشروع مد انبوب الغاز "تركستريم" الى أوروبا، الذي يفترض ان ينقل 31,5 مليار متر مكعب سنويًا الى تركيا عبر البحر الاسود ومحطة اكويو النووية، التي ستبنيها روسيا. واكد أردوغان منذ الآن استعداده "لاتخاذ تدابير فورية" لتحريك هذا المشروع.