طرابلس: تشهد السواحل الليبية في جهتها الغربية خصوصًا تصاعدا مطردا في حركة الهجرة غير الشرعية، حيث يخوض المهاجرون الحالمون ببلوغ اوروبا سباقا مع الوقت ليستقلوا مراكب الهجرة قبيل حلول فصل الخريف.

وفي ظل الطقس المشمس والبحر الهادئ وايضا انشغال السلطات بالمعركة مع تنظيم الدولة الاسلامية، تنطلق اسبوعيا اعداد متزايدة من المراكب، التي غالبا ما تغرق قبل بلوغها السواحل الايطالية، الوجهة الابرز لدخول اوروبا، ويعيد البحر جثث ركابها الى شواطئ ليبيا حيث يقوم السكان بدفنها.

ويقول عبد الحميد السويعي رئيس مجموعة ادارة الجثث في الهلال الاحمر الليبي في طرابلس لوكالة فرانس برس "البحر هادئ حاليا والطقس مشمس، ولذا فان اعداد المهاجرين تتزايد اسبوعيا".

يضيف "هناك ما يشبه السباق مع الوقت، حيث ان المهاجرين الذين يستقلون المراكب، وينطلقون بها من السواحل الليبية، يخشون تغيرا محتملا في الطقس وامواجا عالية قد تعوق سفرهم مع قرب حلول فصل الخريف".

في غياب الرقابة الفعالة على الحدود البحرية بفعل الفوضى الامنية التي تشهدها ليبيا منذ 2011، تحولت شواطئ هذا البلد المتوسطي الذي لا تبعد سواحله سوى بضعة مئات من الكيلومترات عن اوروبا الى منطلق لعشرات الاف المهاجرين الساعين الى بلوغ السواحل الاوروبية.

والاثنين اعلن خفر السواحل الايطاليون انهم نسقوا عمليات انقاذ نحو 6500 مهاجر قبالة السواحل الليبية في 40 عملية انقاذ، وهو احد اكثر الايام التي تشهد هذا الكم من عمليات الانقاذ خلال السنوات الاخيرة في البحر الابيض المتوسط.

وبثت منظمة "برواكتيفا اوبن ارمز" على حسابها على تويتر مشاهد لمهاجرين مكدسين في زورق صيد بلغ عددهم 700 القى البعض انفسهم في البحر بعد الحصول على سترة نجاة للوصول الى المسعفين.

غالبية المراكب المنطلقة من ليبيا تبحر من شواطئ مدن في غرب البلاد، على راسها صبراتة (70 كلم غرب طرابلس) التي تحولت في الفترة الاخيرة الى المنطلق الرئيس لهؤلاء المهاجرين الاتين بمعظمهم من دول افريقية.

يقول المتحدث باسم البحرية الليبية في طرابلس العقيد ايوب قاسم لفرانس برس "قواربنا في الفترة الاخيرة اصبحت متهالكة، ولذا فان الدوريات التي نقوم بها في البحر قلت قليلا"، مضيفا "نحن بحاجة الى قوارب جديدة والى معدات متخصصة اخرى".

يضيف "منطقة طرابلس على كل حال لم تعد في الفترة الاخيرة المنطلق الرئيس للمهاجرين، بل ان هذه الظاهرة وجدت ملاذا لها أخيرا في المدن الغربية، وبينها صبراتة". ويؤكد قاسم "قواربنا لا يمكن ان تبلغ صبراتة لمراقبة التحركات في البحر هناك".

مدينة لتجارة البشر
غالبا ما تغرق المراكب المطاطية التي تقل مئات المهاجرين، ومعظمهم من جنسيات افريقية، ويجري انتشالها من على شواطئ مناطق متفرقة في غرب ليبيا. وقد شهدت شواطئ هذا الصيف العدد الاكبر من الجثث. ففي منتصف يوليو، انتشل فريق من المتطوعين في المدينة 87 جثة خلال اربعة ايام تعود الى مهاجرين قضوا غرقا اثناء محاولتهم الابحار نحو اوروبا.

واعتبر المجلس البلدي لصبراتة حينها ان المدينة باتت تتحول الى "مدينة لتجارة البشر والهجرة غير الشرعية". ودعا في "نداء عاجل" حكومة الوفاق الوطني المدعومة من المجتمع الدولي الى تحمل مسؤولياتها "في وضع حد لهذه المأساة الإنسانية".

كما دعا في بيان "الامم المتحدة ودول الإتحاد الأوروبي إلى مساعدة ليبيا في وقف أفواج المهاجرين غير القانونيين من دول المصدر والمساعدة في حماية الحدود الجنوبية للبلاد".

ويقول مسؤول في جهاز الهلال الاحمر في المدينة لفرانس برس ان "هناك جهات تنتفع ماديًا من هذه التجارة في المدينة بعيدا عن اعين السلطات في طرابلس المنشغلة بالفوضى الامنية في العاصمة وبالحرب مع تنظيم الدولة الاسلامية في مدينة سرت" على بعد نحو 450 كلم شرق طرابلس.

يتابع "هي علاقة معقدة بين هذه الجهات والمهربين" الذين غالبا ما يكونون مسلحين وعلى علاقة بشبكات دولية للتجارة بالبشر تمتد من ليبيا، الى دول افريقية مجاورة، ووصولا الى دول اوروبية.

بالنسبة الى السويعي، فان المهاجرين يتدفقون على صبراتة "كونها اقرب الى وجهتهم الاوروبية، حيث ان المغادر من صبراتة يختصر عشرات الكليومترات من رحلته على العكس من المهاجرين الذين يستقلون المراكب من مدن اخرى شرق طرابلس".

وفي ظل تزايد اعداد المهاجرين، وبذلك اعداد الغرقى، بدأ سكان المناطق المجاورة للشواطئ بدفن هذه الجثث بانفسهم في ظل عجز الاجهزة المختصة عن القيام بهذه المهمة نظرا الى قلة الامكانيات وبينها سيارات النقل والاشخاص الاختصاصيين.

ويقول السويعي "قلت البلاغات التي كنا نتلقاها في ظل العجز الذي نواجهه في توفير المعدات ووسائل النقل المطلوبة. السكان لا يعتمدون حاليا الا على انفسهم حيث انهم يقومون بدفن الجثث بايديهم في اماكن قريبة من الشاطئ".