عبد الاله مجيد: أمضى ربع مليون شاب اوروبي صيف هذا العام في جولات سياحية على مدن قارتهم بالقطار مستخدمين تذكرة "انترريل" المخفضة، وتبين احاديثهم ان الجيل الجديد يفهم الاتحاد الاوروبي أفضل مما يعتقد الكبار. &
وعلى سبيل المثال ان الشابين الايطاليين ماتيو ليوني وسيمون برونو زارا بتذكرتهما الاوروبية برشلونة ومدريد واشبيلية وباريس وامستردام وبرلين وباتا ليلة في براغ ثم اخذا القطار الى ميونيخ ومن هناك الى ميناء سبليت في كرواتيا على البحر الادريتاتيكي.&
وبنظر ماتيو وسيمون اللذين يدرسان الهندسة المعمارية في فلورنسا، فان اوروبا فضاء مفتوح لهم ولجميع الاوروبيين من امثالهم على قدم المساواة،& فهنا لا توجد عقبات وعراقيل بل فرص وامكانات فقط.&
وقال ماتيو وسيمون لمجلة شبيغل الالمانية انهما في سياحتهما التقيا أكثر من 100 شخص ينتمون الى جنسيات اوروبية وغير اوروبية، وحين سُئلا أي البلدان لا تستحق ان تكون في الاتحاد الاوروبي كانت اجابتهما "ليس هناك بلد لا يستحق العضوية بالطبع .& يا له من سؤال غبي!"
أُطلقت نذاكر "انترريل" قبل 44 عاماً بمبادرة من المانيا والنمسا وسويسرا وبلجيكا وهولندا بمناسبة الذكرى الخمسين لاتحاد السكك الدولي في عام 1972.& واعلن المستشار الالماني وقتذاك فيلي براندت "ان يوماً سيأتي تُهزم فيه الكراهية التي تبدو حتمية في أزمنة الحرب وان اوروبا التي يستطيع ان يتعايش فيها الاوروبيون يجب ان تكون حقيقة واقعة". &
منذ ذلك الحين بيعت اكثر من 8 ملايين تذكرة انترريل للسفر بالقطار في اوروبا، نحو 1.5 مليون تذكرة منها في المانيا، وهو اكبر عدد بعد بريطانيا،& وفي عام 2015 بيعت 250 الف تذكرة وهو أعلى رقم منذ سنوات. & &
وسرعان ما تحول نظام انترريل الى حركة سلام وقوة اجتماعية ضد التمييز وطريقة لازالة الأنقاض التي ظلت متراكمة في الأذهان بعد الحرب.& وفي حين ان الجد قد يربط فرنسا بمعركة فردان وبريطانيا بالغارات الليلية على مدنها واسبانيا بفرانكو فان الحفيدة لا تكترث بكل ذلك بل تحشو حقيبتها التي تحملها على ظهرها ببضعة ضروريات وتنطلق عبر قارتها الجميلة. &
وحين لم يعد السلام في اوروبا هدفاً بل حقيقة ظهر من يحنون الى الماضي، وركام حقبة الحرب الباردة، ويقول البعض ان هذه الحقبة عادت بالفعل ونحن نعيشها الآن.&
قلق من انهيار الوحدة الاوروبية
بريطانيا لا تعرف ماذا تريد سوى انها يجب ألا تكون اوروبية وصوتت لصالح بريكسيت.& وبولندا الكاثوليكية فهمت التضامن والكرم على انهما يعنيان مدفوعات تتلقاها من بروكسل بواقع 10 مليارات يورو سنوياً مقابل ايواء زهاء 400 لاجئ.& والمجر لا تريد ان تساعد احداً وللتستر على هذه الحقيقة اصدرت قوانين لتكميم وسائل الاعلام يفخر بها الحكام الدكتاتوريون الذين ابتلت بهم افريقيا.& وفنلندا تفكر في الخروج من منطقة اليورو.& وفرنسا وهولندا والنمسا والدنمارك والمانيا كلها تشهد صعود قوى معادية للاتحاد الاوروبي تدعو الى تفكيكه،& وبهذا المعنى كان براندت مخطئاً. فالكراهية لا تحتاج الى حرب لكي ترفع رأسها. &
ولكن الشاب الايطالي ماتيو يقول "نحن متفائلون" ، في اعلان يسنده موضوع دراسته مع سيمون.& فكلاهما يدرسان الهندسة المعمارية في فلورنسا المدينة التي لم يُشيد فيها مبنى منذ 400 سنة.&
من جهة اخرى يقول الشابان جيمي اندرسون وجيني اكزيل وكلاهما في الثامنة عشرة من مدينة اكستر جنوب غرب انكلترا انهيا مؤخرا جولة في اوروبا، انهما صوتا مع بقاء بريطانيا في الاتحاد الاوروبي وهما يشعران بمرارة شديدة لأن نتيجة الاستفتاء كانت لصالح بريكسيت.& وقالت جيني انها ارادت ان تطبع على قميصها خلال جولتهما التي انتهت في البندقية عبارة تقول "أنا بريطانية ولا أُريد الخروج من الاتحاد الاوروبي". &
وقال جيمي الذي يريد ان يدرس الجغرافية انه لم ينم ليلة الاستفتاء وفكر في ان يمتهن السياسة "لعلاج الجنون" المتمثل بنتيجة الاستفتاء.& ويعتقد جيمي ان كبار السن هم الذين أخرجوا بلده من الاتحاد الاوروبي وهم المشكلة، كما يقول،& وبحسب جيمي فان كبار السن "اشخاص حاقدون لا يبالون بما يحدث لنا.& ونتيجة الاستفتاء لم تمت بصلة الى المستقبل بل تعبر عما لا يروق لهم اليوم".&
مشاعر جيمي كانت تُسمع في احيان كثيرة من الشباب المسافرين بتذاكر انترريل هذا الصيف.& فأزمة اوروبا هي ازمة كبار السن لأن الشباب سعداء باوروبا.& ويقول 80 في المئة من الناخبين البريطانيين الشباب في سن 18 الى 24 انهم لا يريدون خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي.& ولا تختلف بريطانيا في هذه الناحية عن بقية اوروبا.& فالأجيال الأكبر سناً هم الذين يحددون مسار البلد.& وهم أغلبية غاضبة رغم ان احوالهم أفضل بكثير مما عاشه آباؤهم.&
مشاكل اوروبا
اميرة اردين شابة تركية مسلمة تدرس السوسيولوجيا وتقوم بجولة في اوروبا بمفردها، وحين سألتها مجلة شبيغل عن رأيها بما يجري في دول الاتحاد الاوروبي اجابت "أعرف ان في اوروبا مشاكل وأعرف ايضا انها مشاكل من النوع الذي اتمناه لنفسي".&
أوضحت اميرة ان قرارها بالسفر كان عفوياً اتخذته للرحيل عن اسطنبول بعد اعتقال احد اساتذتها في الجامعة.& وهي لا تعرف سبب اعتقاله وكل ما تعرفه انه خلال احدى محاضراته مؤخرا دعا الى دراسة اوضاع اللاجئين السوريين في اسطنبول دراسة علمية.& كما انه محسوب على اليسار بنظر السلطة منذ شارك في احتجاجات معادية للحكومة قبل ثلاث سنوات في ميدان تقسيم. &
فيليسيتاس كيرن ولي ماير وريكي شيبرز شباب من برلين يطوفون في اوروبا بتذاكر انترريل التي اتاحت لهم زيارة مدريد وبرشلونة ومارسيليا.& وخرجوا بانطباع ان الذين لاقوهم في جولتهم جميعهم لطفاء يحبون مساعدة الآخر. &
ولكن في اوروبا اليوم اعداداً متزايدة من غير اللطفاء مثل مفتش القطار النمساوي الذي كان يصرخ حتى ان نصف المسافرين كانوا يسمعونه قائلا "لماذ لا يبقى هؤلاء الحثالات في بلدهم القذر؟" والحثالات الذين كان يشير اليهم هم طفلان غجريان يسافران مع والدتهما عائدين الى بودابست من فيينا،& وكان الثلاثة جالسين قرب تواليت العربة.& &
انفتاح شبابي
هنري وجونثان وليو وهذه ليست اسماءهم الحقيقية، كما تقول مجلة شبيغل في تقريرها، لم يسمعوا خطاب المفتش العنصري عن "الحثالات" لأن تذاكر انترريل التي يحملونها وضعتهم في عربة بعيدة عن عربة المسافرين الغجر.
وكان الثلاثة انهوا دراستهم الثانوية في مدينة كارلسروه جنوب غرب المانيا وقررا القيام بجولة في اوروبا بالمناسبة انفقوا خلالها كل ما عندهم من نقود، ويقترج جونثان ان يُعطى كل اوروبي تذكرة انترريل بمناسبة بلوغه سن الثامنة عشرة ليسافر بها في اوروبا "ولكي لا يصدق الهراء الذي يقوله حزب البديل من أجل المانيا" في اشارة الى الحزب الشعوبي اليميني المعادي للمسلمين الذي يزداد قوة في المانيا حيث أوصل نوابه الى برلمانات تسع ولايات من اصل 16 ولاية المانية. & &
وبوجود 5.5 مليون شخص في سن الثامنة عشرة في اوروبا فان تنفيذ فكرة جونثان سيكلف زهاء ملياري يورو أو نحو 1.5 في المئة فقط من ميزانية الاتحاد الاوروبي، وتبين دراسات عديدة ان جونثان وهنري وليو ليسوا الاستثناء بين الشباب الاوروبي.& فان شباب وشابات اليوم اكثر اهتماماً بمستقبلهم وأكثر وعياً بالسياسة وأكثر تفاؤلا من الجيل الذي سبقهم.& وهم في الغالب من خريجي الجامعات ويتكلمون الانكليزية وينظر الى خطر الارهاب بجدية ولكنهم مع ذلك لا يعتقدون ان اوروبا يجب ان تتحول الى قلعة مسورة تغلق ابوابها بوجه الغريب.
أهل ولى الزمن الذي كان يُقال فيه ان الشباب مجانين وكبار السن هم اصحاب العقول الراجحة؟ &
أعدت ايلاف المادة عن مجلة شبيغل&
المادة الأصل هنا
التعليقات