واشنطن: في صباح التاسع من نوفمبر، دخل دونالد ترامب محاطا بعائلته إحدى قاعات فندق هيلتون في نيويورك، ليوجه كلاما مطمئنا إلى الولايات المتحدة والعالم اللذين كانا يتابعان بذهول وقائع ذلك النهار التي باغتت الجميع وكذبت كل التوقعات.

فبعد ليلة انتخابية اتسمت بترقب محموم وتوتر شديد، دخل دونالد ترامب (70 عاما) التاريخ كالرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة، ليجسد اكبر انتصار لحركة شعبوية تشهد تصاعدا في العالم وتبعث الكثير من المخاوف.

ويقابل فوز رجل الأعمال الذي يفتقر إلى أي خبرة في العمل السياسي وأثار الكثير من الفضائح بمواقف وتصريحات معادية للأجانب والاقليات والنساء، بقلق قسم من الاميركيين وحماسة القسم الآخر منهم.

وقال الرئيس المنتهية ولايته باراك أواما "أنا وهو على طرفي نقيض بصورة ما". والواقع أنه يصعب تصور شخصين مختلفين اكثر من الرئيس الحالي والرئيس المنتخب. فأول رئيس أسود في تاريخ الولايات المتحدة يتميز ببراعة فكرية وأناقة فطرية، في حين أن الملياردير المعروف خصوصا بتسريحة شعره الاشقر طبع الحملة الانتخابية بتصريحات تبسيطية فجة اثارت الكثير من الجدل.

يبقى دونالد ترامب بالمقام الأول رجل أعمال حقق نجاحه في مجال العقارات الفخمة ونوادي الغولف، وجعل من اسمه "ترامب" ركيزة لثروته وعلامة تجارية يبيعها في جميع أنحاء العالم حيث ترفع فوق مبان وشركات لا يملكها بالضرورة.

كما أنه هو نفسه من مشاهير مدينته نيويورك، وهو كان يملك مسابقة "ملكة جمال الكون"، وقد بنى شهرته على برنامج "ذي ابرانتيس" من تلفزيون الواقع الذي كان ينتجه ويقدمه، ويحظى الفائز فيه بوظيفة في منظمة ترامب. وهو صاحب ثروة كبرى ولو تختلف الأرقام بشأنها، بين 3,7 مليار دولار بحسب مجلة فوربز، وعشرة مليارات بحسبه هو نفسه.

الحدس السياسي

في السياسة، يبدي ترامب مواقف مبالغا بها، وهو نزق الأطباع، يعجز عن إخفاء اعتداده. لكنه يعتمد في سياسته على حدسه، وهو أول من استشف مشاعر الخيبة والغضب التي تحرك شريحة من الاميركيين، هي طبقة العمال البيض الذين يعانون من تدهور أحوالهم المادية نتيجة العولمة والتبادل الحر، فاستغلها في حملته الانتخابية.

وليس هناك الكثير من القواسم المشتركة بين ترامب وأولئك الذين يدعي تمثيلهم والدفاع عنهم في وجه نخب وقيادات سياسية يحمل عليها بشدة. فهو يقيم في مانهاتن، في أعلى برجه "ترامب تاور"، في شقة من ثلاث طوابق مسرفة في الفخامة والترف. وهو يسافر في طائرة خاصة وأنفق خمسين مليون دولار من ثروته الشخصية على حملته الانتخابية.

وقال حين اختارته مجلة "تايم" رجل السنة "اعيش في شقة لم ير أحد مثيلا لها، ورغم ذلك امثل عمال العالم".

ويدعو ترامب إلى عودة الوظائف الى الولايات المتحدة، وهو يشدد الضغط على الشركات منذ انتخابه وقبل تولي مهامه حتى، فيعلق على عملها مستحسنا أو مستنكرا. وتأتي هذه السياسة أحيانا بنتائج، حيث أعلنت عدة مجموعات لإنتاج السيارات عن استثمارات في الولايات المتحدة أو عن إعادة مصانع من المكسيك.

وقال الملياردير خلال مؤتمر صحافي "قلت إنني سأكون أكثر من يستحدث وظائف على وجه الارض، وهذا ما أعتقده فعلا".

 رجل روسيا 

ولا يخالف ترامب المعايير السياسية المعتمدة فحسب، بل هو خارج عن المألوف على جميع الأصعدة. فهو شن هجوما على الحزب الجمهوري وتمكن من السيطرة عليه. وبعدما كان قادة الحزب ينعتونه بـ"الدجال" و"المنافق" أعلنوا الواحد تلو الآخر تاييدهم له.

وشن ترامب الكثير من الهجمات اللاذعة على الجمهوريين خلال حملة انتخابية بناها على حلول مبسطة لمسائل معقدة. فأوصى لمعالجة مسالة الهجرة ببناء جدار على الحدود مع المكسيك وطرد 11 مليون أجنبي مقيمين على الأراضي الأميركية بصورة غير شرعية. وفي مواجهة الارهاب، دعا الى منع دخول المهاجرين من دول ذات مخاطر الى الولايات المتحدة، بعدما طرح في مرحلة اولى امكانية فرض حظر على المسلمين.

ويثير ترامب قلق السود والمتحدرين من أميركا اللاتينية والأقليات والأجانب المقيمين في الولايات المتحدة.

وفي وضع جيوسياسي معقد في القرن الواحد والعشرين، يدعو ترامب الى التقارب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يعتبره العديد من الجمهوريين الأميركيين عدوا لأميركا.

وتسري تكهنات كثيرة حول حقيقة علاقات ترامب مع موسكو. فأجهزة الاستخبارات تؤكد ان الروس حاولوا دعم ترشيح ترامب من خلال القيام بعمليات قرصنة استهدفت مراسلات الحزب الديموقراطي وتحديدا حملة منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون.

وعمد ترامب في مواجهته مع منافسته الى استخدام الإهانات والاستفزازات أكثر من الحجج السياسية. وأوصل المواجهة الى مستويات غير مسبوقة من العداء والعنف، مطلقا عليها لقب "هيلاري المحتالة" وشعار "احبسوها" الذي كانت الحشود تردده خلال تجمعاته الانتخابية.

ويركز ترامب منذ انتخابه هجماته بصورة شبه حصرية على موقع تويتر حيث يتابعه أكثر من عشرين مليون مشترك، فيستخدم التغريدات لإبداء غضبه وتسوية حساباته مع كل من يتجرأ على انتقاده أو لا ينال استحسانه.

وقال مايكل دانتونيو الذي كتب سيرة لترامب في مقابلة أجراها معه تلفزيون "اف ب تي في" "إنه لا يسعى لاكتساب مقام رئاسي أكثر. ليس من النوع الذي يتكيف مع الدور، بل يفرض نفسه على الوظيفة".

ونجح المرشح بصورة مذهلة خلال الحملة في تخطي فضائح أثيرت بشأنه، ولا سيما مع كشف معلومات محرجة عنه، وفي طليعتها تسريب تسجيل له يتكلم فيه عن النساء بنبرة بذيئة ومهينة ويقر بأنه لامس نساء بدون موافقتهن.

ولم يكن له اداء ناجح في المناظرات التلفزيونية، لكن تجمعاته الانتخابية كانت تستقطب حشودا غفيرة وتسودها حماسة كبيرة. وتمكن من تجسيد آمال شريحة كبيرة من الأميركيين.

العائلة قبل أي شيء

 ولد دونالد ترامب في نيويورك والتحق بمدرسة عسكرية، وهو رابع أبناء قطب عقارات نيويوركي.

وبعدما درس التجارة، انضم إلى الشركة العائلية. وساعده والده على الانطلاق بمنحه "قرضا صغيرا من مليون دولار" بحسب ما قال هو نفسه. وفي 1971، تولى إدارة الشركة العائلية. وبعدما كان والده يبني مساكن للطبقات الوسطى، فضل دونالد ترامب تشييد أبراج فخمة وفنادق وكازينوهات وملاعب غولف موزعة بين مانهاتن وبومباي.

ويعول ترامب على عائلته التي تشكل الدائرة الأولى المقربة منه سواء في السياسة أو في الأعمال. أما زوجته ميلانيا، وهي عارضة أزياء سابقة من اصل سلوفيني، فتبقى على الحياد، مخصصة وقتها لتربية ابنهما بارون البالغ من العمر عشر سنوات.

وسينقل إدارة المؤسسة العائلية إلى ابنيه إريك ودونالد جونيور، فيما تنتقل ابنته إيفانكا (35 عاما) إلى واشنطن حيث سيكون زوجها جاريد كوشنر مستشارا مقربا للرئيس في البيت الأبيض.