عقب استفتاء كردستان وكاتالونيا، برزت إلى الواجهة مجموعة كبيرة من الكيانات التواقة للانفصال والاستقلال عن واقعها القائم، وذلك استنادًا إلى جملة من الوقائع التاريخية أو النزعات العرقية والقومية.
إيلاف من بيروت: لم يكن استفتاء كردستان العراق حدثًا فريدًا فرضته بعض الاندفاعات الآنية أو التوازونات المستجدة، بقدر ما شكّل تعبيرًا صارخًا عن معضلة تاريخية وجغرافية مزمنة، فالأكراد شعب بلا دولة يتراوح عددهم بين 25 و35 مليون نسمة، ويتوزعون بشكل أساسي في أربع دول هي تركيا وايران والعراق وسوريا.
إثر انهيار السلطنة العثمانية في نهاية الحرب العالمية الاولى، رأى الأكراد حلم الحصول على وطن خاص بهم على وشك ان يتحقق، وذلك بعدما اصبح حبرًا على ورق معاهدة سيفر التي أبرمت عام 1920 ومنحت الاكراد حق تقرير المصير.
لكن هذا الحلم تبخّر بعد انتصار مصطفى كمال في تركيا واضطرار الحلفاء للتراجع عن بنود معاهدة سيفر واستبدالها عام 1923 بمعاهدة لوزان، التي وضعت الشعب الكردي تحت سيطرة تركيا وايران بالاضافة الى بريطانيا وفرنسا، اللتين كانتا دولتي الانتداب في العراق وسوريا على التوالي.
نزاعات سياسية وعسكرية
بسبب نزعتهم للاستقلال في كردستان موحدة، وجد الاكراد أنفسم في نزاع مع الحكومات المركزية التي ترى فيهم تهديدًا لوحدة اراضيها. ففي تركيا، استؤنف النزاع المسلح بين القوات الحكومية وحزب العمال الكردستاني في صيف 2015، مما بدّد آمال حل هذه الأزمة التي أودت بحياة أكثر من 40 ألف شخص منذ عام 1984.
في ايران، تدور بين الفينة والاخرى اشتباكات بين قوات الامن ومتمردي حزب الحياة الحرة الكردستاني (بيجاك) الذي توجد قواعده الخلفية في العراق. وكانت ايران شهدت بعد الثورة الاسلامية في 1979 انتفاضة كردية قمعتها السلطات بشدة.
في العراق، استغل الأكراد الذين اضطهدهم نظام صدام حسين الهزيمة التي مني بها بعد انسحابه من الكويت فقاموا بانتفاضة ضده في 1991 وأقاموا في اقليمهم الشمالي، بحكم الأمر الواقع، حكمًا ذاتيًا أقر رسميًا في 2005 بموجب الدستور العراقي الذي أنشأ جمهورية اتحادية.
في سوريا، عانى الأكراد على مدى عقود من تهميش واضطهاد مارسهما بحقهم النظام البعثي، وكانت خلالها أقصى طموحاتهم الاعتراف بحقوقهم. وعندما اندلع النزاع بين النظام والمعارضة في 2011 وقف الاكراد على الحياد، لكنهم ما لبثوا أن استفادوا من الفوضى التي ولّدتها الحرب لإقامة إدارة كردية تتمتع بحكم ذاتي في قسم من المناطق الشمالية.
انقسامات داخلية
يتوزّع الاكراد على غالبية ساحقة من المسلمين السنّة وأقليات غير مسلمة، وعلى أحزاب سياسية علمانية في الغالب، في حين تتوزع مناطقهم على مساحة تبلغ حوالى نصف مليون كلم مربع، تتقاسمها أربع دول.
يعيش القسم الاكبر من الأكراد في تركيا (ما بين 12 الى 15 مليون نسمة، حوالى 20% من اجمالي السكان)، ثم ايران (حولى 6 ملايين، اقل من 10%) ثم العراق (4,69 مليون نسمة، ما بين 15 الى 20%) واخيرا سوريا (اكثر من مليوني نسمة، 15% من السكان)، وبالاضافة الى هذه الدول الاربع، فإن اعدادًا كبيرة من الاكراد تعيش في كل من اذربيجان وارمينيا ولبنان اضافة الى اوروبا.
ينقسم الاكراد، الذين لم يسبق لهم أن عاشوا تحت سلطة مركزية، إلى عدد لا يحصى من الأحزاب والفصائل والحركات موزعة على الدول الأربع. وهذه الحركات، التي تكون احيانًا عابرة للحدود، غالبًا ما تناصب بعضها العداء اعتمادًا بالخصوص على تحالفات كل منها مع الأنظمة المجاورة.
ففي العراق، خاض أبرز فصيلين كرديين "الاتحاد الوطني الكردستاني" و "الحزب الديموقراطي الكردستاني" حربًا أوقعت نحو ثلاثة آلاف قتيل بين 1994 و 1998. ثم تصالحا في العام 2003. فيما تعتبر قوات البشمركة الكردية حليفًا أساسيًا في الحرب ضد داعش.
في سوريا، يشكل الاكراد الدعامة الاساسية لقوات سوريا الديموقراطية التي تقاتل تنظيم داعش بدعم من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة. وفي نوفمبر 2016 شن هذا الائتلاف المكون من فصائل كردية وعربية هجومًا لدحر داعش من مدينة الرقة الواقعة في شمال سوريا.
كاتالونيا ... الاستقلال الصعب
في سياق منفصل، تخوض كاتالونيا صراع قوة غير مسبوق مع الحكومة الاسبانية للاستقلال، ففي 1 أكتوبر 2017 تم تنظيم استفتاء تقرير المصير الذي رفضت السلطات الإسبانية الإعتراف بنتائجه، سواء أكانت مع أو ضد استقلال الإقليم.
كتالونيا هي منطقة تقع في شمال شرق إسبانيا، مؤلفة من سبعة عشر مناطق حكم ذاتي، عاصمتها هي مدينة برشلونة، والمنطقة مقسمة إلى أربع مقاطعات: برشلونة، جرندة، لاردة وطراغونة.
لاقليم كتالونيا تاريخ طويل من القمع والاضطهاد على يد الأغلبية الإسبانية ومن المحاولات المتكررة للتخلص من سيطرة الحكومة المركزية في مدريد ونيل أكبر قدر ممكن من الاستقلالية على مدى قرون عديدة، وقد شهدت في القرن العشرين أكبر حملة قمع واضطهاد على مدى عدة عقود حتى وصل عدد الكتلانيين الذين فروا من بلادهم إلى مئات الآلاف ولم يعودوا إلى موطنهم الأصلي أبدًا.
تمكنت كتالونيا في بداية القرن العشرين من تحقيق وحدتها الإدارية ودرجة معينة من الحكم الذاتي. سعى رئيس الحكومة المحلية أريك برات دي لا ريبا إلى إقامة هيكل إداري للتنسيق بين المقاطعات الأربع التي يتشكل منها الاقليم إلى أن تمكن من تحقيق ذلك عام 1914، لكن الحاكم الاسباني بريمو دي ريفيرا ألغى هذه الإدارة عام 1925.
هذه أبرز المحطات الرئيسية الحديثة في مسعى كاتالونيا إلى الاستقلال:
30 &مارس 2006: البرلمان الاسباني يقر ميثاق حكم ذاتي لكاتالونيا يعزز سلطات الإقليم المالية والقضائية ويصفه بـ"الأمة".
28 &يونيو 2010: المحكمة الدستورية تأمر بإلغاء أجزاء من ميثاق 2006، معتبرة أن استخدام مصطلح "أمة" لوصف الإقليم لا ينطوي على أي "قيمة قانونية"، كما ورافضت الاستخدام "التفضيلي" للغة الكاتالونية في خدمات البلدية.
10 &يوليو 2010: مئات الآلاف يتظاهرون في برشلونة، عاصمة كاتالونيا، ويهتفون "نحن أمة والقرار لنا".
11 &سبتمبر 2012: في أوج الأزمة الاقتصادية في اسبانيا، أكثر من مليون شخص يتظاهرون في برشلونة لمناسبة العيد الوطني الكاتالوني، مطالبين بالاستقلال في تجمع تحول إلى تقليد سنوي.
11 &سبتمبر 2013: مئات الاف الكاتالونيين يشكلون سلسلة بشرية على امتداد 400 كلم على ساحل المتوسط داعين إلى الاستقلال.
9 نوفمبر 2014: في تحد لمدريد، تجري كاتالونيا اقتراعًا رمزيًا على الاستقلال. صوت فيه أكثر من 80 بالمئة، أي ما يعادل 1,8 ملايين شخص لصالح انفصالالإقليم، إلا أن نسبة المشاركة بلغت 37 بالمئة فقط.
27 &سبتمبر 2015: تحالف "معا من أجل النعم" المؤيد للاستقلال يحصل على 62 مقعدا في البرلمان الإقليمي وحزب "ترشيح الوحدة الشعبية" الانفصالي اليساري المتشدد على عشرة مقاعد، ما يمنح أنصار الاستقلال الأغلبية. ولكن التكتل الانفصالي لم يحقق أغلبية في الانتخابات، التي اعتبرت بمثابة تصويت بالوكالة على الاستقلال، اذ فاز بـ47,8 بالمئة من الأصوات.
9 &نوفمبر 2015: جميع النواب الـ72 المؤيدين للاستقلال يصوتون في جلسة &للبرلمان الكاتالوني على قرار يطلق عملية الانفصال عن اسبانيا.&
10 &يناير 2016: كارلس بيغديمونت، المدافع طويلًا عن الانفصال، يصبح رئيس إقليم كاتالونيا.
6 &سبتمبر 2017: برلمان كاتالونيا يقر قانونًا يسمح باجراء الاستفتاء فيما توقع الحكومة الإقليمية قرارًا يدعو رسميًا إلى اجرائه.
ما يجري في كاتالونيا ينسحب على عدد كبير من الأقاليم والمناطق في أوروبا، والتي تسعى بدورها إلى الانفصال والاستقلال, وهذه قائمة تسرد الأسباب والحيثيات التي تدفع تلك الكيانات نحو المطالبة باستقلالها:&
كورسيكا
تعتبر هذه الجزيرة المتوسطية الوحيدة في فرنسا من خارج أقاليم ما وراء البحار التي تتمتع بوضع خاص يمنحها المزيد من السلطات.
وبعد عقود شهدت أكثر من 4500 هجوم شنتها "جبهة التحرير الوطني في كورسيكا"، أعلنت المنظمة المسلحة السرية في يونيو 2014 التخلي عن السلاح من أجل تعزيز العملية السياسية.
ونتج عن تحالف الاستقلاليين والمطالبين بمزيد من الحكم الذاتي، تشكيل أكبر قوة سياسية تتصدر الجمعية الوطنية في كورسيكا عام 2015. وفي يونيو الماضي، انتخبت كورسيكا ثلاثة نواب من هذا التحالف لتمثيلها في البرلمان الفرنسي.
وأقرت الجمعية الوطنية في كورسيكا العديد من الاصلاحات مثل الاعتراف باللهجة المحلية كلغة رسمية إلى جانب الفرنسية، ونظام ضريبي محدد، وإيراد ذكر كورسيكا في الدستور الفرنسي، لكن باريس لم توافق على هذه المطالب.
اسكتلندا
تتمتع اسكتلندا بحكم ذاتي داخل المملكة المتحدة منذ عام 1998. لديها برلمان مع مجموعة واسعة من الامتيازات، خصوصًا في قطاعات التعليم والصحة والبيئة والقضاء. لكن قضايا الدبلوماسية والدفاع تبقى مسؤولية لندن.
رفض هذا الإقليم الشمالي بنسبة 55% الاستقلال في استفتاء تاريخي عام 2014. لكن التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بعد عامين أعاد إحياء مشروع القوميين، مع تصويت غالبية الاسكتلنديين للبقاء في الاتحاد الاوروبي.
الا ان الخسائر الكبيرة التي تكبدها الحزب القومي الاسكتلندي في يونيو الماضي، دفعت رئيسة وزراء اسكتلندا نيكولا ستورجن إلى تأجيل قرار اجراء استفتاء ثان كان مقررًا في خريف عام 2018، اي الى ما بعد المفاوضات حول بريكست.
الفلاندرز
حصلت هذه المنطقة الناطقة بالهولندية في شمال بلجيكا على العديد من الامتيازات خلال العقود القليلة الماضية كما انها تهيمن على المشهد السياسي والاقتصادي في بلجيكا.
نشأت القومية الفلمنكية ابان القرن التاسع عشر، لكنها لم تكن أبدًا أقوى مما هي عليه اليوم. وساهم ممثلها السياسي، التحالف الفلمنكي الجديد، في تعزيز موقعها كأول حزب في البلاد خلال الانتخابات التشريعية عام 2014، لتصبح حجر الزاوية في الحكومة الفدرالية اليمينية الناطقة بالفرنسية برئاسة شارل ميشال.
وهذا الحزب مؤيد لقيام الجمهورية الفلمنكية على المدى الطويل، ويعتزم إحياء المسيرة نحو الاستقلال الذاتي عام 2019.
جزر فارو
من المتوقع ان ينظم هذا الأرخبيل الذي يتمتع بحكم ذاتي في الدنمارك في شمال المحيط الأطلسي استفتاء على دستور جديد في 25 أبريل 2018، يمنحه حق تقرير المصير.
وتحظى هذه المنطقة التي نالت الحكم الذاتي عام 1948 ببرلمان ومياه إقليمية ذات سيادة، وشركة طيران خاصة بها. لكن الشؤون الخارجية والدفاع تبقى مسؤولية الدنمارك.
إقليم الباسك
لقد خفتت حمى الاستقلال في إقليم الباسك الذي تتقاسمه اسبانيا وفرنسا، منذ أن أعلنت حركة "هيري باتاسونا"، الذراع السياسية لمنظمة "إيتا"، حل نفسها في يناير 2013.
وتعتبر هذه الجماعة الانفصالية التي تصنفها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي "منظمة إرهابية"، مسؤولة عن مقتل 829 شخصا خلال 40 عامًا من العنف.
وقد اعلنت في اكتوبر 2011 وقف عملياتها المسلحة. ولم يبق هناك حاليًا سوى حفنة من الناشطين.
لكن النزعة الانفصالية في اقليم الباسك لم تخفت. فالائتلاف اليساري المطالب بالاستقلال "اه بيلدو" هو القوة السياسية الثانية في الباسك. ويؤيد 17% من الباسكيين الاستقلال و42% الحكم الذاتي، وفقا لنتائج استطلاع أجري نهاية عام 2016.
كاليدونيا الجديدة
من المتوقع ان ينظم هذا الأرخبيل الفرنسي في قلب جنوب المحيط الهادئ استفتاء لتقرير المصير في خريف 2018 بحلول الذكرى العشرين لاتفاق نوميا الذي يتضمن عملية إنهاء الاستعمار بشكل تدريجي.
وبالنظر إلى خريطة الانتخابات، من المتوقع فوز المناهضين للاستقلال، ما يؤدي إلى العديد من الخلافات في الاعداد لمرحلة ما بعد الاستفتاء.
&
التعليقات