«إيلاف» من الرياض: تحدث عدد من رواد الأعمال العالميين في مبادرة مستقبل الاستثمار عن دور الجيل المقبل في إعادة تشكيل عالم الأعمال والثقافة والاستثمار والمجتمع، وذلك خلال الجلسة النقاشية الصباحية في اليوم الثاني من المبادرة التي تنعقد في الرياض. وقد أكد المتحدثون على التوجه العالمي لدى الجيل الجديد في سوق العمل اليوم، مشيرين إلى أن الحوافز على صعيد ريادة الأعمال تتجاوز في أهميتها مجرد النظر إلى الأرباح. 

وقد أكد سيث بانون الشريك المؤسس في شركة "فيفتي ييرز"، وهي إحدى الشركات التقنية الرائدة في سيليكون فالي، على أهمية القضايا الاجتماعية والبيئية للشباب اليوم، وقال: "إن خيبة أمل الشباب اليوم ليست من الرأسمالية، ولكن من رأسمالية ميلتون فريدمان، والتي سيطرت على العالم خلال الأربعين عاماً الماضية". وأوضح أن الجيل المقبل سيحدث تحولاً على مفهوم الرأسمالية، بحيث يحقق توازناً بين الأرباح ومعالجة المشاكل التي يعاني منها المجتمع. كما أشار إلى أن رواد الأعمال الجدد والذين يطلقون مشاريع أعمال تهدف إلى التعامل مع مشاكل العالم الملحة يملكون فرصة أكبر لتحقيق النجاح. 

أما جين ليو، رئيسة شركة ديدي شوكسنغ الصينية لمشاركة الرحلات، والتي يبلغ عدد مستخدمي تطبيقها 400 مليون في الصين، فقد أكدت على الأثر الكبير للتقنية في تحفيز الاتجاهات الجديدة وتوفير الفرص. كما استعرضت التقدم الذي حققته شركتها، مشيرة إلى أنه قبل خمس سنوات فقط لم يكن سائقو سيارات الأجرة في الصين يستخدمون هواتف ذكية. 

وقال أشيش تاكر، مؤسس مجموعة مارا الأفريقية، والذي بدأ مسيرته في عالم ريادة الأعمال في سن الخامسة عشرة، إن الاستدامة أمر في غاية الأهمية، وأشار أثناء حديثه بحماسة عن أفريقيا إلى أن الشباب عبر القارة حريصون على الانخراط في العالم، كما أبدوا استعدادات كبيرة على مستوى ريادة الأعمال، وقال: "الشباب ليسوا قادة المستقبل، بل هم قادة اليوم". 

كما بينت أليشا موبين، الرئيسة التنفيذية لمستشفى وعيادات أستر دي أم للرعاية الصحية في الإمارات العربية المتحدة، كيف يعمل الشباب اليوم على تحفيز التغيير على مستوى الحكومة، وذكرت كيف قامت دولة الإمارات العربية المتحدة بتعيين وزراء للسعادة والذكاء الاصطناعي، وذلك في إطار سعيها لتبني الاتجاهات الناشئة والاستفادة منها. 

 "الثروات السيادية" محرك الاقتصادات العالمية

وأجمع أبرز قادة قطاع إدارة الثروات السيادية في العالم، على أن صناديق الثروة السيادية، بإمكانها خلق تغييرات ملموسة في المجتمعات، أو زعزعت مسيرة الاقتصادات المحلية في أي دولة، معتبرين أن ذلك أشبه بالسلاح ذي الحدين، يمكن الاستفادة منه حسب اسلوب التعامل معه. 

وتستحوذ صناديق الثروة السيادية حول العالم، على أكثر من 7.3 تريليون دولار أميركي من الأصول الخاضعة للإدارة. وعلى الرغم من الاختلافات بين الصناديق السيادية على مستوى المهمة والأهداف، إلا أنها جميعاً تدرك أن هذا هو العصر لتحقيق المزيد من التعاون وتعزيز الشراكات. 

وأشار المتحدثون خلال الجلسة النقاشية إلى أن الوتيرة السريعة للتغيّرات الاقتصادية حول العالم، أدت إلى مزيد من التقارب بين الصناديق في مجالات جديدة للاستثمار، فبعد التركيز تقليدياً على الاستثمار محلياً في مشاريع ذات أثر فوري ملموس، كتطوير البنية التحتية مثلاً، فإن صناديق الثروة السيادية تعمل اليوم على التوسع في إستراتيجياتها، كما تعمل في المنطقة على تنويع الاقتصاد، بعيداً عن النفط والاستثمار في قطاعات وتقنيات جديدة. 

وأكد معالي الأستاذ ياسر بن عثمان الرميان، المشرف على صندوق الاستثمارات العامة، على تغيير الاستراتيجية الاقتصادية في السعودية خلال السنوات الأربع الماضية، من التركيز على جانب التنمية، إلى الإقدام على نطاق واسع من الاستثمارات. 

وقال الرميان في هذا الصدد "نحن الآن ننظر إلى الاستثمار بطريقة جديدة كلياً، ولاسيما مقارنة بإستراتيجية الاستثمار التي كانت متبعة خلال 40 عاماً مضت، فلا بد أن تكون الاستثمارات قادرة على النجاح على مستوى تجاري". 

كما أكد المتحدثون على أن دور صناديق الثروة السيادية يشهد تحولاً في الآونة الأخيرة، فدوره لا ينحصر في الحفاظ على ثروة الدولة، بل يتعدى ذلك إلى توجيه الاستثمارات من أجل دعم تحول الاقتصادات الوطنية. وتطرقوا إلى تزايد دور الأسهم الخاصة إلى جانب الثروات السيادية، ففي الوقت الذي تتراجع فيه حكومات الدول المعتمدة على النفط من الاستثمارات في مشاريع البنية التحتية، فإن مؤسسات الأسهم الخاصة تتدخل وتأخذ دوراً في أنشطة الاستثمارات، وهو ما أدى إلى مزيد من التعاون بين الصناديق. 

وقال معالي خلدون المبارك، الرئيس التنفيذي في شركة مبادلة للاستثمار أنه يمكن مقارنة صناديق الثروة السيادية بالنادي. وأضاف "نحن نعمل سوية ونساهم في الاستثمار في صناديق أخرى حول العالم في قطاعات مختلفة من بينها قطاع التكنولوجيا، حيث نعمل كفريق يتمتع بمستوى عال من التنسيق ضمن أهداف مشتركة وشراكات تسودها الثقة، وامتلاك شريك في صندوق ثروة سيادية يجعل التعامل مع جوانب المخاطرة أكثر سهولة". 

ومع ذلك ستبقى هنالك حاجة للإستراتيجيات ذات التركيز المحلي طبقاً لرؤية جيفري جيانسوباكجي، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لشؤون الاستثمار في شركة حكومة سنغافورة للاستثمار، والذي قال "حين يكون هنالك نقص في رأس المال فمن الممكن التعاون على وجه السرعة، لكن تبقى هنالك مخاطر تتعلق باحتمالية أن ينتهي بنا الأمر جميعاً لنفكر بالطريقة ذاتها، مما قد يؤدي إلى تقلب أكبر في أسواق رأس المال". 

وتوافق المشاركون في الجلسة على الحاجة إلى وضع معايير وأنظمة دقيقة، ولاسيما في تحديد منهجيات واضحة تتعلق بالتعامل مع المخاطر، بالإضافة إلى وضع هيكلة متينة للحوكمة ومعدلات مستهدفة للعائدات، مع العمل على تحديد القطاعات والامتداد الجغرافي المستهدف. 

وقال خالد الرميحي، رئيس مجلس إدارة شركة ممتلكات البحرين القابضة، “أن جزء من الاستثمارات يستطيع أن يحقق أهدافاً على مستوى التنمية والعائدات على الاستثمارات في آن معاً، لكن المشاكل تطرأ حين تعمل الأصول المملوكة للدولة في محفظتها الاستثمارية أيضاً على زيادة فرص العمل، فنحن معنيون بجعل الاستثمارات مجدية تجارياً، ولذلك يجب تحديد مؤشرات الأداء شريطة أن تكون واضحة ومستدامة تساعد على تحقيق الجدوى التجارية، وإلا لن يكون ذلك تطويراً حقيقياً للاقتصاد”.

تنعقد مبادرة مستقبل الاستثمار بتنظيم من صندوق الاستثمارات العامة بين 24 و26 أكتوبر 2017م في الرياض. وتعتمد المبادرة على نظام الجلسة المغلقة بدعوات حصرية، ويجتمع فيها أهم قادة الأعمال والاستثمار في العالم من أجل استكشاف الاتجاهات والفرص والتحديات التي سترسم ملامح الاقتصاد العالمي وبيئة الاستثمار في العقود المقبلة.