صنّاع سياسات وسياسيون وأكاديميون من نحو 20 دولة حطّوا رحالهم في دولة الإمارات للمشاركة في ملتقى أبو ظبي الاستراتيجي، الذي يسلط الضوء على القضايا والتحديات الاقليمية والعالمية.

أبو ظبي: انطلقت اليوم فعاليات «ملتقى أبو ظبي الاستراتيجي» الرابع الذي ينظمه مركز الإمارات للسياسات بالتعاون مع وزارة الخارجية، والشراكة مع "مجلس الأطلسي" بالولايات المتحدة الأميركية ومركز جنيف للسياسات الأمنية في سويسرا، من أجل الإسهام في تطوير فهم التوجهات المستقبلية ودورها في السياسة الدولية.

يأتي الملتقى هذا العام في وقت تشهد فيه المنطقة تطورات جيوسياسية، اذ ينعقد في أعقاب الحدث السياسي التاريخي الذي تمثل في القمة العربية الإسلامية الأميركية التي استضافتها الرياض في مايو الماضي، بمشاركة الرئيس الأميركي دونالد ترمب وما لا يقل عن 55 من قادة الدول العربية والإسلامية حيث ستكون القضايا التي طرحتها القمة على طاولة نقاش الملتقى كقضية التطرف والإرهاب ودور إيران التخريبي في المنطقة.

تركز الدورة الرابعة للملتقى السنوي على البعد الاستشرافي للقضايا الراهنة، وأحدث منهجيات التنبؤ بالأزمات والمخاطر السياسية، وتسلط جلسات هذا العام على تفكيك شيفرة النماذج المتصارعة في المنطقة، بما يمنح الأدوات اللازمة لاستشراف مستقبلات المنطقة.

تفكيك وتحليل

جدول أعمال الملتقى لم يقتصر على تناول القضايا الإقليمية، وإنما تضمن أيضا مناقشة التحولات التي يشهدها النظام الدولي، ومحاولات القوى الرئيسية فيه إعادة بناء قوتها، دون إغفال تداعيات كل ذلك وتداخله مع أزمات المنطقة.

محاور متنوعة تدور جميعها في فلك السياسة الدولية وخطوطها الاستراتيجية العريضة، من المنتظر أن تلهب نقاشات دورة يشارك فيها أكثر من 100 شخصية، كما يحضرها أكثر من 500 مشارك من دولة الإمارات ودول الخليج والمنطقة العربية ومختلف أنحاء العالم.

ترتكز السياسة الدولية على تحليل معطيات الواقع والانطلاق منها لاستشراف التوقعات الجيواستراتيجية، والأخيرة تمنح الدول القدرة على تحليل المخاطر السياسية، ومن ثم تحديد الخطوط العريضة لطرق التعامل مع الحاضر والمستقبل.

في هذا الإطار تقريبًا تندرج أهداف الملتقى الذي يتناول في جلساته الـ9 الموزعة على 3 أيام عدة مواضيع، تتناول تفكيك شفرة كل من إيران وتركيا في اللهب المستعر بالشرق الأوسط. وللمستقبل أيضا شفرة تحتاج إلى التفكيك عبر الاستشراف الجيواستراتيجي وتحليل المخاطر السياسية، عبر دراسة السياسات الحالية على جميع الأصعدة.. سواء المحلي أو الإقليمي أو الدولي.

ولأن القوة الناعمة أو ما يعرف بـ «سوفت باور» أضحت في الألفية الجديدة خيارًا للعديد من بلدان العالم في سياستها الدولية، فإن تناول هذا الموضوع والغوص فيه بشكل معمق يفرض وجود تجارب تبرز الإمارات، في إطارها، نموذجا يحتذى به.

رؤى فكرية وسياسية 

عمومًا، يهدف الملتقى إلى تكريس أبوظبي عاصمة للملتقيات الإقليمية والدولية ذات الطبيعة الاستراتيجية، كما يدعم منهج مركز الإمارات للسياسات في طرح الموضوعات الاستراتيجية ذات الأهمية بالنسبة للبلاد ولمجلس التعاون، ما يفتح المجال لبناء رؤية خاصة للنظامين الدولي والإقليمي.

وفي سياق يتسم بتغيرات سريعة يرمي الملتقى إلى الاستمرار في محاولة استشراف خارطة تحولات القوة وتوزيعها في النظام الدولي، وتقييم أو استشراف انعكاسها على دولة الإمارات.

الدكتورة ابتسام الكتبي، رئيسة مركز الإمارات للسياسات، أشادت في افتتاح الملتقى بالدور القيادي الذي اتخذته الإمارات بالشراكة مع المملكة العربية السعودية بهدف تشكيل رؤى فكرية وسياسية لحلول عملية للأزمات الحالية ونشر الأمن والاستقرار في المنطقة العربية.

وقالت: "تسعى دولة الإمارات إلى تقديم نموذج يحمل الأمل لشعوب المنطقة ويَعدها بالاستقرار والنماء والتقدم والسعادة ويقودها إلى المستقبل بآفاقه الرحبة كما عبرت عنها خطة مئوية الإمارات 2071".

أضافت: "في السياق ذاته تأتي جهود المملكة العربية السعودية للتحديث السياسي والاقتصادي والاجتماعي بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان كما عبرت عنها رؤية السعودية 2030 لتمثل إسهامًا مهمًا في رسمِ مستقبلٍ أفضلَ للمنطقة وتوفير حياة كريمة لشعوبها".

وأكدت ان دولة "الإمارات العربية المتحدة تعمل جاهدة من أجل تكريس الاستقرار في المنطقة العربية خاصة في ظل الأزمات التي تعصف بالشرق الأوسط حاليًا مثل الأزمة الدبلوماسية ما بين قطر والدول الأربع المقاطعة لها ودور إيران التخريبي في النزاعات في اليمن وسوريا والعراق إلى جانب دورها التخريبي في لبنان من خلال دعم حزب الله وإضعاف مؤسسات الدولة اللبنانية عبر الاستقواء بمليشيا الحزب وسلاحه".

مقاربة التحولات

وأشارت رئيسة مركز الإمارات للسياسات إلى استمرار ما وصفته بـ"حالة السيولة وعدم الوضوح واللا يقين" في النظامين الدولي والإقليمي كما توقعت خُلاصات النسخة الثالثة من "ملتقى أبوظبي الاستراتيجي" في نوفمبر الماضي.

وقدمت الكتبي قراءة للأوضاع الإقليمية والدولية وما يشهده العالم من اضطرابات وتناقضات تهدد الامن والسلم الدولي، مشيرة إلى أن "ملتقى أبوظبي الاستراتيجي" لهذا العام يسعى إلى مقاربة مختلف هذه التحولات بأدوات التفكيك والتحليل الجيواستراتيجي.

وأوضحت أن جلسات الملتقى ستتناول قضايا أمن الخليج وسيناريوهاته وكيفية انعكاسِ أزمات إيران الداخلية على سياساتها الإقليمية والدورَ التركي بين الإحياء والانكماش والمستقبَلاتِ المحتملةَ للدول العربية التي تشهدُ حروبًا طاحنة وصراعات داخلية.

وزير التسامح الإماراتي، الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، أكد حرص الإمارات على نهج أسلوب التعايش السلمي في علاقاتها مع كافة دول العالم.

وقال في كلمة ألقاها خلال اللقاء الترحيبي لملتقى أبوظبي الاستراتيجي، إن التسامح في الإمارات مصدر عزم وقوة واستقرار، مؤكدًا أن قيادة دولة الإمارات ملتزمة بدورها الإقليمي المتمثل في تحقيق التنمية والسلام والرخاء في المنطقة والعالم، وأنها تمد يديها إلى كل راغب في تحقيق ذلك.

الشيخ نهيان بن مبارك أشار إلى أن "انعقاد الملتقى يعد بلورة لمفهوم القوة الناعمة لدولة الإمارات، والتي تستمدها من منظومة قيمها وثقافتها ومكانتها في العالم"، لافتاً إلى ضرورة أن يسعى الملتقى والمشاركون فيه إلى فهم العلاقات المتغيرة بين الدول والإحاطة بآفاق التحالفات العسكرية والسياسية بينها، كما ودعا المشاركين فيه إلى مكافحة الجهل والتخلص من الصور النمطية عنه.

5 مبادئ

أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتى للشؤون الخارجية، قال إن بلاده لن تقف مكتوفة الأيدى أمام أى تهديد تمثله إيران ووكلاؤها.

وأضاف فى كلمته أمام الملتقى، أن "جهود إيران لتقديم دعم نشط لوكلائها فى دول أخرى وإشعال التوترات الطائفية وتهديد وحدة الدول، أصبحت أسوأ وليس أفضل".

وتابع لقد رأينا فى الأيام الأخيرة كيف أطلق الحوثيون وكلاء إيران، صاروخا باليستيا إيرانى الصنع باتجاه العاصمة السعوية الرياض، مؤكدا أن ذلك ينسف الادعاءات الإيرانية بأن برنامجها الصاروخى دفاعى.

قرقاش شدد على أن بلاده تدعم بقوة السياسة التي ينتهجها الرئيس الأميركي دونالد ترمب تجاه إيران أخيراً، مشيرا إلى الحاجة لبناء إجماع دولي خلف هذا النهج. وأضاف: "نثق بأن المجتمع الدولي سيدرك بشكل متزايد المخاطر الناجمة عن سلوك إيران التوسعي".

وأوضح قرقاش أن البديل عن الأوضاع الحالية المضطربة في المنطقة هو تبني استراتيجية تركز على تحقيق الاتسقرار وأن الإمارات ترى أن هذه الاستراتيجية تعتمد على قوة السعودية وبرنامجها التطويري واستقرار وقوة مصر إضافة إلى تحديث الأجندات السياسية في المنطقة، محدداً 5 مبادئ لتمكين الدول العربية المعتدلة، وهي: “تبني أجندة مشتركة تحقق التقدم وهي عدم التسامح مطلقا مع الإرهاب وداعميه، والعمل المشترك لمواجهة التدخلات الخارجية في الشؤون العربية، وتعزيز التعاون بين الدول العربية ذات السيادة، وتبني الحلول السياسية للنزاعات في المنطقة، وتحسين الأوضاع الاقتصادية والسياسية عن طريق الحوكمة الرشيدة وتحقيق التطوير الاقتصادي”.

دور إيران التخريبي

خالد الدخيل، أكاديمي وكاتب عمود في صحيفة الحياة، قال في كلمة له إن "إيران تُحرّم وجود ميليشيات على أراضيها، وفي نفس الوقت تستثمر مئات الملايين لإنشاء وتدريب وتسليح ميليشيات عربية وغير عربية داخل المنطقة".

وأشار الدخيل إلى أن إيران تُصدّر الطائفية والميليشيات والحروب الأهلية، مؤكدا في هذا الصدد أن الميليشيات هي أكبر مصدر يهدد الدولة في العمق.

وأوضح الأكاديمي السعودي أن حلفاء إيران في المنطقة هم القوة الشيعية في العراق، وحزب الله اللبناني، وبشار الأسد، والحوثيون.

أما محسن ميلاني، المدير التنفيذي لمركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية في جامعة جنوب فلوريدا، فهنأ في مستهل كلمته، دولة الإمارات على استحداثها وزارة للتسامح.

وفي هذا السياق، نوّه ميلاني بكلمة الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح الإماراتي، التي ألقاها مساء أمس، خلال حفل الاستقبال الذي نظمه الملتقى، وأكد فيها حرص الدولة على التعاون مع جميع بلدان العالم من أجل نشر التسامح وتحقيق السلام.

في سياق آخر، رأى ميلاني أن الاتفاق النووي الإيراني لم يُفضِ إلى تغيير سياسات إيران الخارجية.

وهو ما توافق معه أليكس فاتنكا، زميل أول في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، الذي قال إن الاتفاق النووي لم يُحسّن من صورة إيران.

وأضاف في كلمة له "إيران تود أن تكون دولة ثورية وأُمة في آن واحد، وهذا ليس ممكنا على المدى الطويل"، مشيراً إلى أن السياسات الإيرانية ساعدت في جلب "داعش".

من جهته، قال د. سلطان النعيمي، خبير في الشؤون الإيرانية وعضو هيئة تدريس بجامعة أبوظبي: "إن عقلية النظام الإيراني تكمن في تعزيز حضوره وعن طريق توزيع المحيط الأمني، فتجد حزب الله اللبناني والحوثيين وغيرهم ممن يستخدمهم هذا النظام لتحقيق أمنه واستقراره". 

فجوة في الفهم

وتضمنت الجلسة الثالثة للملتقى نقاشاً حول التحولات في السياسة التركية الخارجية والعلاقات التركية-العربية .

أرشد هورموزلو، كبير المستشارين السابق للرئيس التركي لشؤون الشرق الأوسط، اعتبر أن الحوار التركي الخليجي توقف بسبب السياسة التركية أثر الربيع العربي، لكنه نفى سعي أنقرة لمشروع توسعي ينطلق من مفهوم ما يسمى بـ"العثمانية الجديدة".

الباحث الأكاديمي التركي جينجيز جندر، رغم أنه اتفق مع هورموزلو في أن أزمات المنطقة أدت إلى ارتباك في السياسة الخارجية التركية، إلا أنه أكد على أن هذه السياسة تحمل مزيجاً من النزعة القومية والنزعة التقليدية الإسلامية.

غير أن الدبلوماسي التركي السابق أونال جيفيكوز عزا التغير الذي طرأ على السياسة الخارجية التركية إلى توظيف هذه السياسة في الأغراض الانتخابية الداخلية خاصة أن عملية صنع القرار في تركيا باتت تتم في أطر الحزب إذ يفتقد الحزب للثقة في مؤسسات الدولة، بينما يكمن السبب الثاني لتغير السيياسة الخارجية التركية في ابتعاد أنقره عن الحياد وتورطها في سياسة المحاور خلال السنوات الأخيرة.

جيفيكوز قال أيضا أنه رغم مايبدو من اقتراب آني بين تركيا من جهة وروسيا وإيران من جهة أخرى إلا أن ذلك ليس أكثر من تقارب تكتيكي فرضته ظروف الأزمات في المنطقة بينما تظل تركيا تسعى نحو علاقة استراتيجية مع الغرب.

مدير مركز شرقيات للبحوث الكاتب محمد زاهد غول قال إن هناك فجوة في الفهم بين تركيا والعالم العربي محملا أطرافا عربية مدعومة من قطر داخل تركيا المسؤولية في تقديم قراءة متحيزة للواقع العربي إلى صانع القرار التركي.