يقول المراقبون في موسكو إنّ الزيارة التي أداها بشار الأسد إلى روسيا والتقى خلالها الرئيس بوتين، تعني أنّ الطريق بات سالكا، بعد انهيار تنظيم "داعش" وهزيمة المعارضة عسكريا، نحو تسوية سياسية شاملة تشارك في بلورتها دول اقليمية انخرطت في النزاع الدامي.
سامي عمارة من موسكو: في اطار ما سبق وأعلنه عن قرب انتهاء الحرب في سوريا، وما كشف عنه وزير دفاعه سيرجي شويجو حول سحب بعض وحدات القوات الروسية التي شاركت في العملية العسكرية هناك، استقبل الرئيس فلاديمير بوتين نظيره السوري بشار الاسد الذي كان وصل الى سوتشي في زيارة عمل مفاجئة لم تعلن عنها موسكو الا بعد انتهائها وعودته الى بلاده.
وشأنها كانت الزيارة التي سبق وقام بها الرئيس السوري لموسكو في أكتوبر 2015 مواكبة لبدء العملية العسكرية الروسية في سوريا ضد معاقل الارهاب وتنظيماته هناك في توقيت قالت موسكو ان دمشق كانت فيه على مشارف السقوط، جاءت الزيارة الاخيرة لسوتشي على ضفاف البحر الاسود لتكون ما هو أقرب الى الاعلان عن بداية النهاية لهذه العملية العسكرية التي طالت لما يزيد عن العامين بقليل، وبعد ان عادت القوات الحكومية وحسب اعلان الرئيس بوتين اليوم، لتفرض سيطرتها على ما يزيد عن 98 في المائة من الاراضي السورية.
ولعل ما صدر عن الكرملين من تصريحات حرص على اذاعتها مقترنة بمشاهد تليفزيونية طويلة من اللقاء، أعقبتها أخرى للقاء لاحق، قام خلاله بتعريف الاسد بعدد من أبرز قيادات القوات المسلحة الروسية التي شاركت في ادارة الحملة العسكرية في سوريا، يقول بان بوتين أراد توجيه رسالة الى زعماء بلدان المنطقة والعالم والتى خص منها الولايات المتحدة والعربية السعودية ومصر والاردن والعراق وقطر التي قال انه سوف يتصل هاتفيا بأميرها مساء أمس ومع الرئيس الامريكي دونالد ترامب اليوم، معربا عن أمله في بذل هذه البلدان المزيد من الجهود لرأب صدع الفرقاء السوريين والمضي قُدما نحو تنفيذ التسوية السياسية تحت رعاية الامم المتحدة.
وفي هذا الاطار كان اعلان بوتين عن تقديره لما بُذل ويُبذل من جهود من اجل التحول الى عملية التسوية السياسية في سوريا، مشيرا الى أهمية اجتماع ممثلي المعارضة السورية في الرياض، قبيل إجتماعات جنيف في نهاية الشهر الجاري، ومؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي في مطلع ديسمبر المقبل.
وإذ أشار بوتين الى القمة المرتقبة التي سوف يعقدها غدا الأربعاء في سوتشي مع رئيسي تركيا وايران، قال بان ما تحقق في الاستانة ساهم بالدرجة الاولى في اقامة مناطق خفض التصعيد في سوريا وتقليص مساحات الخلاف بين الكثير من فصائل المعارضة، رغم اعلان عدد من قيادات الائتلاف الوطني – منصة الرياض، عن رفضهم المشاركة في اجتماعات الرياض وهو ما علقت عليه مصادر روسية بقولها "ان الائتلاف الوطني لم يثبت يوما على موقف موحد وهو الذي تغيرت قياداته اكثر من مرة ما يشير الى حالة الانقسام التي طالما اتسمت بها تحركاته وسياساته". بل ومضى سيرجى لافروف وزير الخارجية الروسية الى ما هو أبعد بقوله: "إن خروج الشخصيات المتطرفة من المعارضة السورية سيساعد على توحيدها". وأشار الوزير الروسي الى "أن رياض حجاب جر فريقا من المعارضة إلى الاتجاه الخاطئ، وحاولوا أن يستخدموا أسلوب الإنذار مشترطين خروج الرئيس بشار الأسد، وهو ما يتعارض مع قرارات مجلس الأمن، التي تؤكد أن السوريين هم من يقررون مصير بلدهم".
ونمضى مع التعليقات التي صدرت حول لقاء سوتشي، لننقل ما قالته مصادر دبلوماسية روسية حول ان اللقاء مع الاسد كان مقدمة مناسبة لما سوف يجريه بوتين من اتصالات ولقاءات يوجز من خلالها رؤيته للمشهد الراهن ولمسيرة التسوية السلمية، وموقفه من تنفيذ الاطراف المعنية لكل ما سبق وتوصلت اليه الجهود الدولية من نتائج وفي مقدمتها بيان جنيف والقرار 2254 الصادر عن مجلس الامن وبقية القرارات ذات الصلة الصادرة عن مشاورات جنيف والاستانة وموسكو.
وفيما يتساءل الكثيرون عن مدى احتمالات التطرق الى مصير الاسد وموقعه على خريطة الجهود الرامية الى تنفيذ ما توصلت اليه الاطراف المعنية، اكتفي بوتين بالقول " أنه بات من المهم الآن التوصل إلى تسوية سياسية في سوريا، وأن الأسد مستعد للعمل مع كل من يريد السلام، والاستقرار في سوريا"، فيما أعادت المصادر الروسية إلى الاذهان ما سبق وقاله الرئيس بوتين غير مرة حول أن هذه المسألة تظل خارج دوائر اتصالاته على اعتبار انها من صميم حقوق الشعب السوري، وانها أمر يتعلق بالسيادة، بما يعني ضرورة التركيز على مفردات الاصلاحات الدستورية والانتخابات الرئاسية والبرلمانية وخطوات المرحلة الانتقالية بموجب قرارات الشرعية الدولية.
على ان هناك من لا يزال يفكر فيما هو أبعد مدى، ويتعلق بما قاله الرئيس بوتين حول ان انتهاء العملية العسكرية الروسية وسحق التنظيمات الارهابية في سوريا لا يعنى الاستقرار الكامل في المنطقة. وكان بوتين اشار في هذا الصدد ايضا الى انه "من الواضح أن بعض الجيوب ما زالت قائمة، وأخرى قد تنشأ، وان هناك ما يكفي من المشاكل مع الإرهاب في العالم، وفي الشرق الأوسط، وفي سوريا على وجه الخصوص"، لكنه اكد في ذات السياق على "ان المهمة الرئيسية على وشك الانتهاء بالفعل، وسيكون من الممكن القول في المستقبل القريب جدا أننا قد نفذنا المهمة تماما"، معربا عن أمله "في الوصول الى نقطة النهاية في مكافحة الإرهاب في سوريا".
ومن هذا المنظور حذرت مصادر رسمية روسية من احتمالات تسلل العناصر الارهابية الى المناطق المجاورة ومنها مصر وليبيا، بما يعيد الى الاذهان ما سبق وشهدته المنطقة من عمليات ارهابية وتخريب بعد انتهاء الحرب في افغانستان في نهاية ثمانينيات القرن الماضي.
التعليقات