شهد العام 2017 انعطافة "تاريخية" في ملف الهجرة بالنسبة إلى إيطاليا، التي انتقلت من توافد متزايد للمهاجرين في الأشهر الأولى إلى بدايات هجرة انتقائية نتيجة اتفاقات مثيرة للجدل في ليبيا.

إيلاف: تحدث رئيس الوزراء الإيطالي باولو جنتيلوني في هذا الأسبوع عن "عام شكل منعطفًا" في "عملية الانتقال التاريخية من هجرة متفلتة يديرها مجرمون إلى هجرة مضبوطة وقانونية وآمنة".

بين يناير ويونيو سجلت إيطاليا ارتفاعًا بنسبة 20% تقريبًا في حركة توافد المهاجرين إلى سواحلها، بعدما تجاوزت أعدادهم عتبة 600 ألف منذ 2014، فيما تكثفت طلبات اللجوء بشكل هائل بعد إغلاق الحدود الفرنسية والسويسرية والنمساوية في شمال شبه الجزيرة الإيطالية.

وفي الأيام الثلاثة الأخيرة في يونيو وحدها، سجلت إيطاليا وصول 10400 شخص، فيما كان شركاؤها الأوروبيون يرفضون، رغم الطلبات الملحّة، استقبال مركب واحد من المهاجرين، الذين تم إنقاذهم مقابل سواحل ليبيا.

بعد أقل من عام على الانتخابات التشريعية التي استخدم فيها اليمين والشعبويون في "حركة 5 نجوم" الهجرة محورًا لحملتهم، أقر وزير الداخلية ماركو مينيتي بشعوره بالخوف في تلك الفترة.

وقال إن "مواجهة توافد المهاجرين وإدارته أمر حيوي" للحفاظ على النسيج الاجتماعي والديموقراطية، على ما أكد هذا الشيوعي السابق الذي عمل في الاستخبارات.

عالقون في ليبيا
رغم جهود الحكومة الحثيثة لمنح الأولوية لبنى الاستقبال الأصغر التي تخدم الاندماج أكثر، ما زال عشرات آلاف المهاجرين يكافحون الملل في مراكز إيواء كبرى، ما يغذي حذرًا متبادلًا إزاء الجوار.

لكن كل شيء تغير في يوليو مع هبوط حاد ومفاجئ في أعداد المنطلقين من ليبيا، في توجّه استمر إلى حد انخفاض أعداد الوافدين في الأشهر الستة الأولى من العام بنسبة 70% مقارنة بالفترة نفسها في العام الفائت، ما حدّ عدد الوافدين الإجمالي للعام بـ119 ألف شخص.

وتمكن جهاز خفر السواحل الليبي الذي بدأت إيطاليا تدريبه وتجهيزه في أواخر 2016 من تشديد الضوابط، مدعومًا منذ أغسطس بزوارق عسكرية إيطالية. وأعلنت البحرية الليبية في مطلع ديسمبر عن إنقاذ أو اعتراض 80 ألف مهاجر بالإجمال في العام الجاري.

في الموازاة كثفت إيطاليا توقيع الاتفاقيات في مستعمرتها السابقة مع السلطات المحلية والعشائر والفصائل المسلحة لتخفيض أعداد المنطلقين من أراضيها.

لكن إلقاء المهاجرين أنفسهم في الماء لتفادي العودة إلى الفوضى الليبية والروايات المروعة عن أعمال العنف التي مارسها المهرّبون وصور سوق الرقيق سلطت الضوء على معاناة مستمرة منذ سنوات.

تلخيصًا للانتقادات الكثيرة وصف المفوض الأعلى لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة زيد بن رعد الحسين في منتصفنوفمبر التعاون بين الاتحاد الأوروبي وفي طليعته إيطاليا وليبيا بأنه "لا إنساني".

ممرات إنسانية
في المقابل واصلت إيطاليا استخدام اتصالاتها في ليبيا لإحراز تقدم في الشق الآخر لسياستها، الكامن في تولي مسؤولية المهاجرين الميدانية بالتعاون مع المفوضية العليا للاجئين في الأمم المتحدة والمنظمة الدولية للهجرة، عبر برنامج لإعادة المهاجرين لدواع اقتصادية إلى بلدانهم ونقل الأكثر ضعفًا بينهم.

ففي ما يتعلق بالفئة الأولى ارتفع عدد المرحّلين من 1200 في 2016 إلى أكثر من 19 ألفًا في 2017، فيما على مستوى الفئة الثانية كانت إيطاليا في 22 ديسمبر، الأولى التي تستقبل مجموعة من 162 مهاجرًا أثيوبيًا وصوماليًا ويمنيًا وصلوها مباشرة من ليبيا بالطائرة.

استفادت لهذا الغرض من تجربة الممرات الإنسانية التي أقامتها مجموعات دينية منذ 2016 لاستقبال ومواكبة مئات اللاجئين السوريين. وأشار مينيتي إلى احتمال استفادة لاجئين قد يصل عددهم إلى 10 آلاف من هذه الممرات الإنسانية في 2018، شرط التمكن من توزيعهم على الشركاء الأوروبيين.

وشدد جنتيلوني في الأسبوع الجاري على "وجود سبيل جدي يمكن سلوكه، لا للتظاهر بعدم وجود مشكلة، بل لإدارتها بطريقة إنسانية وآمنة لمواطنينا" وكذلك للمهاجرين.

فعبور البحر ما زال مخططًا فتاكًا، مع إعلان المنظمة الدولية للهجرة عن مصرع ما لا يقل عن 2833 رجلًا وامرأة وطفلًا أو فقدانهم مقابل السواحل الليبية في العام الجاري، مقابل 4581 في 2016.