كراكاس: على رغم نقص المواد الغذائية وتعثر الاقتصاد والضغوط الدولية المتزايدة وتراجع شعبيته إلى أدنى مستوياتها، لا يزال نيكولاس مادورو يترأس فنزويلا. وتفسر هذا الأمر أسباب عدة:

جيش موال

انه المكون الاساسي في المشهد السياسي في فنزويلا. وقد دعت المعارضة عبثا العسكريين الى الخروج عن صمتهم هذا الاسبوع، بعد قرار المحكمة العليا، القريبة من الحكم، الاستيلاء على صلاحيات البرلمان، المعقل الوحيد للمعارضة.

وبعدما كان الجيش، اللاعب القوي على الصعيدين السياسي والاقتصادي، في الخطوط الأمامية خلال حكم هوغو تشافيز (1999-2013)، سجل تزايدا كبيرا في صلاحياته في عهد خلفه نيكولاس مادورو.

وفي هذا البلد الذي يواجه صعوبات اقتصادية خانقة، يتسلم عسكريون 11 من 32 حقيبة في الحكومة، بينها حقائب الدفاع والزراعة والتغذية الاستراتيجية.

ويسيطر الجيش ايضا على انتاج المواد الغذائية وتوزيعها، وعلى شركة نفطية وشبكة تلفزيونية ومصرف وحتى على مصنع لتجميع الآليات ومؤسسة بناء.

وقال المحلل بنينيو ألاركون لوكالة فرانس برس ان مادورو "اشترى ولاءهم" من خلال "دفع مزيد من الأموال لهم او تسليمهم مناصب تمكنهم من الإثراء".

واوضح مايكل شيفتر رئيس مركز "الحوار بين الاميركتين" للدراسات، ان "عددا كبيرا من التقارير تحدث عن صلات وثيقة لعدد كبير من (الضباط) بتهريب المخدرات وأعمال اجرامية اخرى".

سيطرة على المؤسسات

ومنذ وصول تشافيز الى الحكم في 1999 باعلانه "الثورة الاشتراكية"، وضع انصاره أيديهم على كل مؤسسات البلاد تقريبا.

ويسيطر انصار تشافيز على القضاء، وعلى قسم كبير من وسائل الاعلام وشركة النفط الفنزويلية.

وعندما خسر الحزب الاشتراكي الفنزويلي الموحد الذي يتزعمه نيكولاس مادورو الانتخابات النيابية اواخر 2015، واضطر الى تقاسم الحكم للمرة الاولى منذ 17 عاما، عين المجلس النيابي المنتهية ولايته في اللحظة الاخيرة 32 قاضيا في المحكمة العليا.

كذلك اشترى مقربون من الرئيس شبكات تلفزيونية مستقلة، ما دفع منظمة "مراسلون بلا حدود" إلى التحذير العام الماضي من ان مادورو يقوم "بكل ما في وسعه لإسكات وسائل الاعلام المستقلة".

وفي هذا البلد الذي يختزن أكبر احتياطات نفطية في العالم، يستعد مادورو لتعيين وزير النفط نلسون مارتينيز وهو من التشافيّين المتشددين على رأس شركة النفط الفنزويلية.

معارضة مقسومة ومسجونة

ويستفيد مادورو ايضا من انقسامات المعارضة.

فمعارضو تشافيز اجتمعوا في اطار تحالف "طاولة الوحدة الديموقراطية" (وسط يمين) الذي يضم ثلاثين حزبا من اليمين المتشدد الى الوسط.

وتواجه هذه الاحزاب صعوبة في الاتفاق على استراتيجية، وعندما يتسبب أحد خصوم السلطة بكثير من البلبلة، يزج به في السجن، كما حصل مع ليوبولدو لوبيز، أحد وجوه الجناح المتشدد من المعارضة. وقد حكم عليه بالسجن 14 عاما بتهمة التحريض على العنف خلال تظاهرات &اسفرت عن 43 قتيلا في 2014.

ولم يبق للمعارضة التي باتت محرومة من السلطة التشريعية، إلا الاستعانة بضغط الشارع الذي كانت نتيجته متفاوتة العام الماضي. وباستثناء تظاهرتين شارك فيهما حوالى مليون شخص، بقيت دعواتها الى التظاهر محدودة، على رغم تراجع شعبية رئيس الدولة الذي يطالب 70% من الفنزويليين برحيله، وفق أرقام مؤسسة "فينيبارومترو" لاستطلاعات الرأي.

وأدى تراجع اسعار النفط، الثروة الوحيدة لفنزويلا، إلى تزايد التضخم بشكل خارج عن السيطرة (1660% اواخر 2017 بحسب توقعات &صندوق النقد الدولي)، وإفراغ السوبرماركات والصيدليات التي بات 68% من سلعها الاساسية مفقودة.

ضغط دولي محدود

واذا كانت الازمة في فنزويلا، البلد النفطي الكبير، تقلق المنطقة، إلا أن دول أميركا اللاتينية قلما صعدت اللهجة حتى الان. فالهبات، سواء النفطية منها او المالية، التي كانت تحصل عليها عندما كان سعر برميل النفط مرتفعا، يحملها على اتباع هذه السياسة.

لكن الضغوط تزايدت في السنوات الاخيرة، مع انعطاف العديد من الحلفاء السابقين الى اليمين، كالبرازيل والارجنتين والبيرو.

ويسجل الاتجاه نفسه خارج اميركا اللاتينية، حيث كان أبرز تدخل للبابا فرنسيس، وهو نفسه أرجنتيني. فتحت راية الفاتيكان، بدأ حوار بين الحكومة والمعارضة اواخر 2016، غير أنه توقف لعدم إحرازه أي تقدم.