يشكل تاريخ الانتخابات البلدية المقبلة في تونس مصدر خلاف، طرفاه السياسيون ومنظمات المجتمع المدني ومن الجهة المقابلة هيئة&الانتخابات والحكومة، ففي وقت تتمسك الأحزاب بتأجيلها إلى العام المقبل تصر الهيئة والحكومة على تنظيمها في ديسمبر.

إيلاف من تونس: بعد تجاوز الإنقسامات الحادة بخصوص حق التصويت من عدمه لرجال الشرطة والجيش في الإنتخابات المحلية أو البلدية في تونس، ظهر خلاف شديد بين الفاعلين السياسيين ومنظمات المجتمع المدني من جهة وهيئة الانتخابات والحكومة من جهة أخرى لتحديد تاريخ تلك الانتخابات، فالعديد من الأحزاب والمنظمات تريد ترحيلها إلى سنة 2018، في حين تتشبّث الهيئة المخوّل لها دستوريًا تنظيم الإنتخابات بإجرائها&خلال السنة الحالية، وهو اتجاه الحكومة نفسه، التي تعتبر أن تأجيلها سيكون رسالة سلبية إلى الداخل والخارج.

الوقت غير كافٍ
رغم رفض عدد من الأحزاب السياسية والمنظمات الناشطة في مجال مراقبة الانتخابات في تونس تنظيم الانتخابات البلدية خلال السنة الحالية، وإقتراح إجرائها في سنة 2018، إلا أن هيئة الانتخابات، وهي هيئة دستورية مهمتها تنظيم والإشراف على الإنتخابات في تونس، أعلنت أمس الاثنين أن تنظيمها سيكون يوم 17 ديسمبر 2017، إذ تؤكد أن تجاوز سنة 2017 من دون الخروج بمجالس بلدية مُنتخبة سيكون مؤشرًا سلبيًا وتعطيلًا لمسار تكريس الديمقراطية المحلية وتفعيل اللامركزية التي ينص عليها الدستور التونسي في بابه السابع المتعلق باللامركزية.

فيما تقول الأحزاب والجمعيات الرافضة لتنظيمها خلال السنة الحالية إن المدة التي تفصلنا عن التاريخ المعلن لا تكفي للتحضير لتلك الانتخابات المعقّدة نوعيًا، وتؤكد أن مناقشة مجلة الجماعات المحلية (مجموعة من القوانين التي تنظم صلاحيات الجماعات المحلية من مجالس بلدية وجهوية وأقاليم) داخل البرلمان والمصادقة عليها سيستغرق وقتًا لا يسمح بإجراء الإنتخابات البلدية خلال السنة الجارية، وتعتبر أن موعد مارس 2018 تاريخ أمثل لتنظيمها، أو انتظار تبني المجلة لتحديد تاريخ نهائي، وتجدر الإشارة إلى أن المجلة تتضمن أكثر من 350 فصلًا، ولم تُحلها الحكومة بعد على البرلمان.&

خارج القانون الجديد
زهير حمدي القيادي في الجبهة الشعبيّة، وهي تحالف بين أحزاب يسارية وقومية ممثلة في البرلمان بـ15 نائبًا، أكد في تصريح لـ"إيلاف" أن الجبهة حريصة على إجراء الانتخابات البلدية والمحلية في أقرب وقت، لكن التاريخ الذي اقترحته الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من وجهة نظره غير موضوعي وغير واقعي، فالمدة الفاصلة عن آخر 2017 لا تكفي لتوفير شروط الانتخابات.&

لكنه اعتبر أن هناك مؤشرات إلى التوجه نحو إجراء الانتخابات البلدية من دون إصدار القانون الجديد المنظم لها، والذي إعتبره "أمرًا خطيرًا"، ولن تسمح الجبهة الشعبية بحصوله.

في الاتجاه عينه، اعتبر رئيس جمعية عتيد معز البوراوي في إفادة لـ"إيلاف"، أنّه ليس من الممكن إجراء الانتخابات البلدية إلا بعد المصادقة على مجلّة الجماعات المحلّية، ومنح البلديات الصلاحيات التي يضع خطوطها العريضة الباب السابع من الدستور، وأكد أن اعتماد تاريخ 17 ديسمبر سيقود إلى اعتماد القانون القديم للبلديات، وهو ما يتنافى مع الدستور، لأنه لا يمنح المجالس البلدية الصلاحيات الكفيلة باستقلاليتها.

طعن قضائي
من جهتها، أعلنت جبهة الإنقاذ، المعلن عن تشكيلها حديثًا وتتكون أساسًا من الاتحاد الوطني الحر الذي كان في الحكم، وحركة مشروع تونس المنشقة عن حزب الرئيس التونسي حركة نداء تونس، أعلنت عن طريق أحد قياداتها أن مجموعة الأحزاب المكونة لجبهة الإنقاذ ستتقدم بطعن لدى المحكمة الإدارية بتاريخ الإنتخابات البلدية، الذي أعلنته الهيئة العليا المستقلة للانتحابات.&

وتعتبر جبهة الإنقاذ أن هيئة الانتخابات تجاوزت صلاحياتها، وأن إعلانها عن ذلك التاريخ قبل تبني مجلة الجماعات المحلية غير صائب.&

وأكد القيادي في جبهة الإنقاذ رضا بلحاج، في تصريحات إعلامية الثلاثاء، أنه سيقع تشكيل لجنة قانونية للطعن في تاريخ 17 ديسمبر الذي أعلنته فور إدراجه في الموقع الرسمي للهيئة. إذ ستنعقد اللجنة القانونية لجبهة الإنقاذ حينها، وستعدّ عريضة في الطعن تتعلق بـ "قضية في الإلغاء" بتجاوز سلطة وإيقاف تنفيذ.

يُذكر أن الفصل 123 من الدستور التونسي من باب الهيئات الدستورية ينصّ على أن تتولى هيئة الانتخابات إدارة وتنظيم الانتخابات والاستفتاءات، والإشراف عليها في جميع مراحلها، وتضمن سلامة المسار الانتخابي ونزاهته وشفافيّته، وتصرّح بالنتائج. وتتمتع الهيئة بالسلطة الترتيبية في مجال اختصاصها.

لا تتحمل تأجيلًا آخر
لكن رئيس هيئة الإنتخابات شفيق صرصار إعتبر أن التعلل بانتظار المصادقة على مجلة الجماعات المحلية لتحديد موعد الانتخابات يراد من خلاله تعطيل تنظيم هذه المحطة الانتخابية، التي لم تعد تتحملّ المزيد من التأجيل، خاصة أن هيئة الانتخابات أعلنت في 2016 أن الإنتخابات البلدية ستكون يوم 30 أكتوبر 2016، ومن ثم أجّلت ذلك التاريخ إلى مارس 2017 والذي بدوره وقع التخلي عنه، لتأخر تبني البرلمان للقانون الإنتخابي، بسبب الخلاف بين الأحزاب السياسية حول عدد من النقاط التي تضمنها، خاصة منح حقّ التصويت لرجال الشرطة والجيش في الإنتخابات البلدية المقبلة من عدمه.

وأوضح عضو مجلس الهيئة العليا للانتخابات نبيل بفون، في تصريح خاص لـ"إيلاف" أن "الهيئة قامت بمشاورات مع مختلف الأطراف، من مجتمع مدنى وأحزاب ومنظمات، وقد خلصت إلى وجود موقفين، الأول يدفع في اتجاه إجراء الانتخابات البلدية في 2017، والثاني يريد تأخيرها إلى 2018".

الوطن قبل الأحزاب
أضاف أن الحكومة تعهدت باستيفاء الشروط التى حددتها الهيئة لإنجاز الانتخابات وفق تاريخ 17 ديسمبر 2017 وإحالة مجلة الجماعات المحلية على البرلمان قريبًا، وتبنيها قبل أغسطس 2017، كما إن التاريخ المُعلن حظي بعد ذلك بموافقة رئيس الجمهورية المخوّل له قانونيًا دعوة الناخبين إلى التوجه إلى مراكز الاقتراع، وبالتالي لم تعد ترى الهيئة موانع بإجرائها في التاريخ الذي أعلنته أمس.

وأكد بفون أن الهيئة بإمكانها التحضير من جهتها لإنجاح الانتخابات في التاريخ المعلن، إذ يستوجب الاستعداد لها حوالى 8 أشهر، فيما تبقى التحضيرات اللوجستية الأخرى في يد الحكومة والبرلمان، عبر المصادقة بسرعة قصوى على مجلة الجماعات المحليّة.

ويساند هيئة الانتخابات في موقفها كل من حركة النهضة الإسلامية، التي أكد رئيسها راشد الغنوشي أن حزبه يدافع عن ضرورة تنظيم الانتخابات خلال السنة الجارية رافضًا تأجيلها إلى العام المقبل، واعتبر أن مصلحة تونس يجب أن تكون قبل مصلحة الأحزاب، بما فيها حركة النهضة، وهو الموقف نفسه لحركة نداء تونس حزب الرئيس قائد السبسي الفائز في الانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2014.

كما إن رئيس الحكومة التونسي يوسف الشاهد إعتبر في تصريحات إعلامية أن المزيد من تأخير الانتخابات البلدية يمكن أن يكون إشارة سلبية حول المسار الديمقراطي في تونس.&

أول تصويت للجيش والأمن
يُذكر أن التخلي عن موعدين سابقين أعلنتهما (30 أكتوبر 2016، ومارس 2017) بسبب التأخر في المصادقة على تعديل القانون الإنتخابي وتطويعه مع خصوصيات الإنتخابات البلدية والمحلية جعل رئيسها شفيق صرصار يعتبر أن ما حصل من جدل بخصوص تصويت الأمنيين والعسكريين في الانتخابات المحلية وتعطيل تبني القانون مردّه عدم إستعداد بعض الأحزاب لتلك الإنتخابات، مما جعلها تعطل تبني القانون من طرف البرلمان.

وصادق البرلمان التونسي في 31 يناير 2017 على تعديل قانون الإنتخابات والإستفتاء لتُمنح قوات الجيش والأمن حق التصويت في الانتخابات البلدية والجهوية للمرة الأولى منذ الاستقلال، وحظر القانون على هذه القوات الترشح لهذه الانتخابات أو المشاركة في الحملات الانتخابية والاجتماعات الحزبية وكل نشاط له علاقة بالانتخابات، ونص على "عزل" أي عسكري أو شرطي يخالف هذا الحظر.

وستصوّت قوات الشرطة والجيش في الانتخابات البلدية والجهوية (على مستوى المحافظات) في تونس قبل يوم الاقتراع، إذ ستضبط الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فترة لتصويت رجال الشرطة والجيش، لا تتزامن مع تصويت المواطنين، نظرًا إلى الظروف الأمنية والتهديدات الإرهابية في البلاد، على أن تُفرز أصواتهم بالتزامن مع عمليات الفرز في مكاتب الاقتراع كافة.

ووفق تقارير إعلامية، يبلغ عدد قوات الأمن في تونس نحو 75 ألفًا، وعدد قوات الجيش ستين ألفًا، باعتبار الاحتياط، ومنع القانون تعليق لوائح بأسماء الناخبين الأمنيين والعسكريين في مدخل مركز أو مكتب الاقتراع خلافًا لباقي الناخبين، الذين يستوجب تعليق لوائح بأسمائهم في مداخل مراكز الإقتراع.