افتتحت صباح اليوم الأربعاء أشغال يوم دراسي حول موضوع "أخلاقيات الإعلام بالمغرب: القيم والرهانات" في المعهد العالي للإعلام والاتصال في مدينة الرباط، من تنظيم "كرسي محمد العربي المساري لأخلاقيات الإعلام والاتصال"، الذي أنشئ تكريمًا لمكانته، وتقديرًا لعطائه، كإعلامي ونقيب الصحافيين ووزير سابق للاتصال.

إيلاف من الرباط: قال محمد الأعرج، وزير الثقافة والاتصال (الإعلام) إن هناك وعيًا بأهمية الالتزام الأخلاقي للإعلام، في ظل البنية الإعلامية التواصلية الجديدة، المتسمة بتنامي العمل الصحافي وتطوره، ووفرة المعلومات عبر منصات التكنولوجيا الحديثة، والتقنية المتسارعة، وما تفرزه من مضامين إعلامية، ما أدى إلى نشوء وعي مطرد (لدى الذات المهنية) بأهمية قضايا أخلاقيات المهنة.

محمد الأعرج، وزير الثقافة والاتصال أثناء إلقاء كلمته في الجلسة الافتتاحية

وأشار إلى أن هذا اليوم الدراسي يشكل فرصة سانحة لتبادل الأفكار والآراء والتجارب، مؤكدًا التزام وزارته بالعمل من أجل إرساء تعاون فعال مع الجسم الصحافي، لكسب رهانات المرحلة.

رهانات وتحديات
من بين الرهانات التي حددها الوزير في هذه المرحلة في قطاعي الصحافة والإعلام، تعميق الإصلاحات الهيكلية، وتطبيق مضامين القوانين المصادق عليها، وتحديث الترسانة القانونية المؤطرة لمختلف مجالات قطاع الإعلام والاتصال، وتثمين الإنتاج الوطني، وتقوية النموذج الاقتصادي للمقاولة الصحافية، مع إعطاء حيز أكبر لإخراج المجلس الوطني للصحافة.

وقال الأعرج: "إن آداب المهنة وقيمها كتعبير جماعي عن حس المسؤولية، غاية تسمو بالمهنة، وتجلب المصداقية ورضى الجمهور، كما تحمي استقلاليتها، وتعزز مناعتها، وتحصنها من كل سوء استخدام".

لم يفت الأعرج التذكير بالتوجهات الاستراتيجية لقطاع الاتصال، والتي ترتكز بالنسبة إلى المرحلة المقبلة، إلى مجموعة من الأسس، من بينها العمل على تطوير قطاع الصحافة الورقية والإلكترونية، وصيانة استقلاله، وتطبيق مدونة الصحافة والنشر، وخاصة إحداث المجلس الوطني للصحافة، والرفع من جودة وحكامة قطاع المسموع والمرئي، وتأمين استقلاليته، وتحديث الإطار القانوني والمؤسساتي لوكالة الأنباء المغربية.

أخلاقيات المهنة وشبكة كرة المضرب 
من جهته، استفاض جمال الدين الناجي، المدير العام للهيئة العليا المسموع والمرئي، في الحديث عن أخلاقيات المهنة في علاقتها بالعمل الصحافي.

واعتبر الناجي أن مهنة الصحافي تقوم أساسًا على الحب المبني على الاختيار، وهي ليست وظيفة في نظره، مشبّهًا الصحافي بأنه مثل الفنان، الذي يريد أن يعبّر عن تفاعله مع العالم، من خلال ما يشعر به داخل التنظيم المجتمعي الديمقراطي.

ووصف الناجي أخلاقيات المهنة في الممارسة الصحافية والإعلامية بأنها مثل شبكة لعبة كرة المضرب في ملعب للتنس، إذ لا يمكن تصور ممارسة هذه اللعبة من دون الشبكة، التي تجعل اللاعبين المتنافسين يكسبان المباراة.

ودعا الصحافة والإعلام إلى ضرورة "النزول إلى الميدان أكثر"، معتبرًا أن الأمر يتطلب إمكانيات لدى أي مؤسسة، متسائلًا: "لماذا لا يكون عندنا مراسلون في مختلف أنحاء العالم؟".

وأوضح الناجي، الذي سبق له أن أصدر من قبل كتابًا في الموضوع، بعنوان "موجز آداب المهنة.. وسائل الإعلام والصحافيون"، أن هذه المهنة شريفة، وتتسم بالنبل، ملحًّا على الالتزام بأخلاقياتها وقيمها.

الإعلام العمومي معني أكثر بالأخلاقيات
من جهته، أكد عبد الله البقالي، رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، أن عنوان اليوم الدراسي "أخلاقيات الإعلام بالمغرب.. القيم والرهانات" خلق لديه نوعًا من الحيرة، قائلًا إنه كان يفضّل تحديد الموضوع بدقة من خلال ملاحقة إشكاليات الأخلاق في المهنة.

استحضر في هذا السياق، الدور الذي كانت تقوم به لجنة أخلاقيات المهنة في النقابة الوطنية للصحافة المغربية، قبل أن يعرّج على الإعلام العمومي، ويلمّح إلى أنه معني بأخلاقيات المهنة، أكثر من الإعلام غير العمومي.

الفقيد محمد العربي المساري

لاحظ البقالي أن "هناك أخلاقيات تلتصق وترتبط بموقف الدولة من المجتمع"، وخاصة حينما يفاجأ المواطنون ببيان حقيقة في التلفزيون، وغيرها من وسائل الإعلام العمومية، من دون أن تكون قد نقلت الأخبار المتعلقة بها أصلًا.

كما سجل في تدخله أن مجمل المقالات المرتبطة بأخلاقيات المهنة، تكون غير موقعة، ما يعني، في نظره، أن إشكاليات الأخلاقيات والتجاوزات مرتبطة بالمؤسسة أكثر من الصحافي، وأن الإشكال مرتبط بخطوط تحريرية لدى مؤسسات إعلامية وصحافية معينة.

جزار مدير لموقع الكتروني
وإذا كان الناجي قد شبّه أخلاقيات المهنة بشبكة كرة المضرب، فإن البقالي، الذي يشغل في الوقت نفسه منصب مدير يومية "العلم"، لسان حزب الاستقلال، قد شبّه مهنة الصحافة بأنها ذات طبيعة خاصة، فعندما يكون هناك حريق ما، وتهرع إليه أجهزة الأمن وسيارات الإطفاء والإسعاف، للقيام بدورها المرسوم لها، فإن الصحافي يجازف بحياته، لينقل الصورة من عين المكان، إلى الجمهور، الذي فرّ من مكان الحادث، خوفًا على مصيره.

ودعا البقالي المجتمع إلى تفهم خصوصية العمل الصحافي، مؤكدًا على ضرورة بذل المزيد من الجهود للتقليل من حجم الخسائر التي تتسبب فيها بعض التجاوزات المهنية.

وعبّر عن الأسف لكون هذه الخسائر مرشحة للمزيد من التفاقم، في ظل النمو المتسارع للتحولات التكنولوجية الحديثة، وتأثيرها على وتيرة التواصل الاجتماعي.

توقف عند ظاهرة انتشار المواقع الالكترونية في المغرب، التي فاق عددها 1000 موقع، حتى أصبحت الصحافة "مهنة من لا مهنة له"، على حد قوله، بسبب هذه الفوضى السائدة، في هذا المجال، مردفا أنه "لا يمكن لجزار أن يكون مدير موقع إخباري"، بل لا بد أن يكون صحافيًا مهنيًا، وعلى السلطات المعنية أن تعمل على تطبيق القانون، صونًا للمهنة".

وفي ختام الجلسة الافتتاحية، تناول الكلمة عبد المجيد فاضل، مدير المعهد العالي للإعلام والاتصال، مرحّبًا بالحاضرين، ومنوهًا باختيار "أخلاقيات المهنة" ضمن البرنامج، الذي سطره كرسي العربي المساري لأخلاقيات الإعلام والاتصال.

وشدد على أن هذا الموضوع يشكل إحدى القضايا الأكثر إثارة للنقاش، ومن شأن طرح مثل هذه الملفات أن تخدم الرسالة الإعلامية، وتعمل على تعميم المبادئ الأساسية، التي تهدف إلى تفادي الممارسات الخاطئة التي تشكل خرقًا لمقتضيات ممارسة المهنة الإعلامية.

اشتمل برنامج جلسات اليوم الدراسي حول أخلاقيات الإعلام بالمغرب على العديد من المحاور، ومن بينها "مهنة الإعلام، القانون، القيم، والشروط"، و"الممارسة الإعلامية وسؤال الإخلاقيات"، و"الإعلام الجديد: الحرية الإعلامية وقواعد العمل" بمشاركة عدد من الباحثين والإعلاميين.