انطلقت مساء الجمعة فعاليات موسم أصيلة الثقافي الدولي الـ39، تحت رعاية العاهل المغربي محمد السادس، وذلك في رحاب مكتبة الأمير بندر بن سلطان في المدينة.
نادية عماري وإبراهيم بنادي من الرباط: قال محمد بن عيسى، أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة، وعمدة المدينة، إن فعاليات الدورة الحالية ستستهل بندوة تحمل شعار "أفريقيا والعالم: أي عالم لأفريقيا"، وهي استمرار لحقل معرفي مفتوح ورهان على المستقبل، بدأ التفكير فيه مع الرئيس السنغالي الراحل ليوبولد سيدار سنغور، منذ عام 1981 في أصيلة، حينما تم اختيارها أرضية ملائمة لحوار خصب وفضاء للتواصل بين العالم العربي وأفريقيا والعالم اللاتينو - أميركي، من خلال نخبهم المؤثرة، على الأصعدة الفكرية والثقافية والفنية والسياسية.
أفريقيا حاضرة في المنتدى
أضاف بن عيسى، وهو أيضًا وزير سابق للثقافة والخارجية، أن المطلوب حاليًا هو النظر إلى القارة من زاوية الثروة اللامادية التي لا تفنى، أي الإنسان الأفريقي الذي نسيته غالبية مناطق العالم، فوضعته في مرتبة ثانوية، لا يهمّها سوى استغلال مفرط لموارده المادية.
زاد بن عيسى قائلًا: "نحن واعون أن قارتنا تواجه في الظرف الراهن مشاكل وأزمات وتوترات، لكن لا يغيب عنا ما يزخر به هذا الفضاء الشاسع من قدرات بشرية خلاقة، تركت بصماتها في الماضي والحاضر، في أنحاء شتى من العالم، من خلال تعبيرات وإبداعات مميزة في الفنون والموسيقى والآداب والعلوم التكنولوجية".
وأكد بن عيسى أن المدينة سبق لها أن استضافت ضمن فعاليات مواسمها الماضية عددًا من التظاهرات التي كان لأفريقيا نصيب مهم منها، حيث تم التطرق في حينها إلى إشكالات بدت مبشّرة بمستقبل مطمئن، مشددًا على أن المملكة المغربية لم تتخلّ في لحظة عن النظر إلى أفريقيا، ليس كشريك جغرافي فحسب، وإنما كمصير إنساني واقتصادي موحد وجامع، وظلت ملتزمة بقيادة العاهل المغربي الملك محمد السادس العمل الأفريقي المشترك والتضامن والتكامل المنشودين.
التزام المغرب
من جهته، أشاد محمد علي الأزرق، وكيل وزارة الخارجية المغربية، بالعمل الذي قدمته مؤسسة منتدى أصيلة، من خلال اختيارها لموضوع "أفريقيا والعالم"، مما يجعل الأمل منصبًا على مساهمة موضوع كهذا في إثراء وإغناء الحوار للإلمام بالإشكالات وقضايا الساعة التي تهمّنا جميعًا، وفق تعبيره.
وأفاد الأزرق، في رسالة تلاها نيابة عن ناصر بوريطة، وزير خارجية المغرب، أن أفريقيا تحظى بفضل رعاية الملك محمد السادس بالأولوية، وعلى هذا الأساس تشكل السياسة الخارجية للمملكة المغربية، على اعتبار أنه خيار لإضفاء الإرادة والابتكار على عمل البلاد من أجل إقلاع "أفريقيا الجديدة".
حديث ثلاثي بين وزير خارجية الرأس الأخضر السابق بورخيس ويوسف العمراني المكلف مهمة في الديوان الملكي المغربي ومحمد نبيل بن عبد الله وزير السكنى وسياسة المدينة وإعداد التراب المغربي |
وقال بوريطة في رسالته إن السياسة الأفريقية للمغرب انتقلت من التأسيس إلى مرحلة الإنجازات، وهو ما يتجلى في 51 زيارة قام بها الملك محمد السادس إلى 26 بلدًا أفريقيًا، و ذكر بأن سنة 2017 تعتبر سنة الاحتفاء بأفريقيا، بالنظر إلى عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي.
وأكد بوريطة أن الثقافة تشكل أداة للتنمية لكونها تساهم في تحقيق الرفاه الاقتصادي، كما إن الاستثمار في التنوع يقوّي الهوية الأفريقية. وأضاف بالقول: "اختيار الثقافة محورًا لهذا الموسم قرار حكيم، فأفريقيا تتحدث أكثر من 2000 لغة، وتتميز بالتعايش الديني والتسامح وقبول الآخر، ومن حقنا أن نتفاءل، والمغرب كله قناعة في إقلاع القارة التي تعد التزامًا قويًا للمملكة، فالمغرب لا تحركه نوازع نفعية، وإنما يتحرك في الملموس للنهوض بها".
من جهته، اعتبر ممثل رئيس جمهورية غانا سابقًا جون أجيكوم كوفور، والرئيس المشارك للمنتدى العربي - الأفريقي - الأميركي - لاتيني، الذي تعذر عليه الحضور إلى أصيلة لأسباب صحية، أن أفريقيا "اشتهرت بوفرة ثرواتها وموقعها الإستراتيجي في قلب العالم، وكانت القوى العظمى، تاريخيًا، تنظر إليها بكل اهتمام، ما أدى إلى نهب ثرواتها واستعمارها واسترقاق أهلها"، مستدلًّا بقول رئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير: "إن أفريقيا جرحٌ في وعي البشرية".
واعتبر أن عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي "أعطى معنى للوحدة الأفريقية، وهو ما سيعود على أفريقيا كلها بالخير العميم".
استنساخ منتدى أصيلة في البحرين
من جهة أخرى، قال نبيل الحمر، مستشار العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، إن منتدى أصيلة يشكل محطة مهمة، وهو الذي تمتد علاقته بأمين عام مؤسسة منتدى أصيلة محمد بن عيسى إلى بداية السبعينات، حينما تسلم مهام وزارة الإعلام، ليتفق حينها معه على استنساخ المنتدى في مملكة البحرين، وهو ما تم فعليًا، وحقق النجاح المطلوب، وعبّر عن رغبته في أن تستمر التجربة في كل دولة عربية، وليس فقط في البحرين.
وأشار الحمر إلى أن قدومه إلى أصيلة عبر مطار ابن بطوطة في طنجة يذكر بالتقارب العربي. وقال "ابن بطوطة هو العربي الفذ الذي علمنا كيف نبحث عن المعرفة بحب، ونستزيد بها تنقلًا من بقعة إلى أخرى من الأوطان والأمصار".
اصطفاف المغرب إلى جانب القيم
من جانبه، قال محمد الأعرج، وزير الثقافة والاتصال المغربي، في كلمة افتتاح الدورة، إن هذا الموسم "يشكل تجليًا من التجليات الساطعة لاصطفاف المغرب إلى جانب القيم"، مشيدًا بمثل هذه المبادرات "الباعثة لقيم السلم والتسامح في محيط تشيع فيه لغة العنف والسلاح". وزاد قائلًا: "لا شك أن انخراط أهل الفكر والثقافة يعد السبيل الآمن لتعايش البشرية في سلام، إذ كلما علا صوت المثقف والمفكر اندحر صوت العنف والفوضى".
محمد الأعرج وزير الثقافة والإعلام المغربي يلقي كلمته |
وأشار الأعرج إلى أن موسم أصيلة، الذي دأب على استقطاب حقول متنوعة من السياسة والأدب والاقتصاد، يعمل على تعميق التواصل بين الشعوب والثقافات. وذكر أن الملك محمد السادس ما فتئ يؤكد على ذلك في خطبه، كتعبير عن انخراط المملكة المغربية الميداني في شراكات مع دول أفريقية، من أجل رفع التحديات والرهانات التي سيتدارسها هذا الملتقى، والتي ليس ممكنًا تناولها خارج ثالوث القيم والثقافة والإنسان، قبل أن يعلن الانطلاق الرسمي لفعاليات موسم أصيلة.
توحيد الصفوف في أفريقيا أمر لا محيد عنه
من جهته، قال يوسف العمراني، مكلف مهمة في الديوان الملكي المغربي والوزير المنتدب السابق في الخارجية، إن توحيد الصفوف في القارة الأفريقية أمر لا محيد عنه، بالنظر إلى ما تشهده من اضطرابات كثيرة، وتحديات مشتركة تواجهها.
جاء كلام العمراني، خلال الجلسة الأولى من ندوة أصيلة الأولى "أفريقيا والعالم: أي عالم لأفريقيا؟"، والتي دشنت فعاليات الدورة 39 لموسم أصيلة الثقافي الدولي.
أضاف العمراني: "المجتمع الدولي عاجز عن التعامل مع الأزمات، ونحن كأفارقة علينا التعامل مع ذلك بأهمية، بالنظر إلى وجود مشاكل أمنية جدية نواجهها كالإرهاب، والعولمة من جهة ثانية نمط يمكن إنقاذه شريطة أن نضع التنمية البشرية ضمن الأولويات".
وأشار إلى أن المغرب ينظر إلى القارة الأفريقية كمسألة حياتية مصيرية، في ظل وجود ظروف مشتركة، وبالتالي فلا يمكن لها أن تكون موحدة من دون التفكير في سياسة شاملة تعمل على توحيدها، وخلق فضاء للابتكار والأمن والتضامن والتنمية المشتركة.
نبيل الحمر مستشار عاهل البحرين يلقي كلمة بمناسبة انطلاق فعاليات موسم أصيلة الثقافي |
وشدد العمراني على انخراط المملكة المغربية في عملية التنمية من أجل بناء أفريقيا، وهو ليس شعارًا يرفعه، وإنما رؤية يقودها الملك محمد السادس، بهدف النهوض بأوضاع القارة.
في غضون ذلك، قالت برونوين بروتون، المديرة المساعدة لمركز أفريقيا المجلس الأطلسي إن موقف الولايات المتحدة اتجاه أفريقيا لم يتغير، وهي مطالبة بأن تنظر إلى القضايا الأمنية بشكل شمولي، وأوضحت أن أفريقيا دخلت فعليا الحياة العملية النشيطة، وهو جانب مفرح وإيجابي، يرجح تطور الاقتصاد إلى 4 أضعاف خلال العقود القادمة، وهو ما يعني أن الشركات الأميركية مطالبة بشكل أو بآخر بالاستثمار في القارة الأفريقية، وتجاهل الجوانب السلبية والأفكار المسبقة والجاهزة عنها.
زادت بروتون قائلة: "المستثمرون الأميركيون عددهم قليل في أفريقيا مقارنة مع ما يقدمه نظراؤهم الصينيون، صحيح أن هناك وعيًا مشتركًا بشأن مستقبل أفريقيا الواعد، لكن عقلية الأميركيين لا تزال مترددة ومنحصرة في هذا الإطار.
عن اهتمام المنتدى الثقافي الدولي لأصيلة بالقارة الأفريقية وانفتاحه على مختلف القضايا التي تهمّ المنطقة، أشادت المتحدثة بما اعتبرته مساعي إيجابية من أجل التقدم والتقارب بين مختلف الجهات والمناطق.
جانب من المتداخلين في الحفل الافتتاحي |
من جهته أكد إدريس الكراوي، الأمين العام للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المغربي أن المغرب يعدّ من البلدان الصاعدة في أفريقيا نتيجة للعمل الدؤوب والمجهودات المضنية التي يقوم بها.
وحول العراقيل والمشاكل التي تتهدد استقرار القارة الأفريقية، أفاد الكراوي الذي يشغل أيضًا منصب عضو مجلس إدارة المجلس الدولي للعمل الاجتماعي، أن هناك أشكالًا جديدة من السلبيات تتمثل في الفقر وتهريب المخدرات والاتجار بالبشر وتدفق المهاجرين.
وقال الكراوي إن أفريقيا ستصبح من القوى العظمى عالميًا، حيث يمثل سكانها حوالى 16 % من سكان العالم، وستمثل ما يزيد على ثلث سكان العالم بعد 3 عقود من الزمن، وبالتالي فإن الاقتصاديات ستصبح مضطرة لتوفير فرص لسكانها.
جانب من الحضور في حفل الافتتاح |
وأوضح أن القارة تكتسي أهمية بارزة، وعليها أن تعي جيدًا هذا الأمر، وأن تركز على القواسم المشتركة بين بلدانها، خاصة أنه لا توجد هنالك دينامية كافية، وما زالت تعتمد على الشركات متعددة الجنسيات، أضف إلى ذلك تحديات اجتماعية ومؤسساتية، وتسجيل بعض المجالات التي تعاني عجزًا في الصحة والتمدرس والفقر وبطالة الشباب".
في سياق متصل، عبّر أليون صال، المدير التنفيذي لمعهد مستقبل الأفارقة بالسنغال عن وجود أفريقيا تتميز بالتعدد والتنوع، وأن الأمر لا يقتصر فقط على جانب أحادي في التعاطي مع مختلف الدول التي تنتمي إليها.
وتساءل صال في خضم ذلك عن كيفية عودة القارة إلى الساحة العالمية، وهل يعني الأمر أنها استعادت المكانة التي كان حريًا بها ألا تفقدها، وكيف بإمكانها أن تنخرط بقوة وبشكل لافت في مختلف التطورات التي يشهدها العالم. يذكر أن موسم أصيلة الثقافي الدولي كان سباقًا إلى إثارة قضايا أفريقيا وبحثها من قبل نخب القارة وباحثين أجانب.
التعليقات