النجف: كما في كل عام، يتوجه كاظم العيبي صباح عيد الأضحى إلى المقبرة لزيارة أضرحة أقربائه. غير أن العام الحالي كان مختلفا، بعدما توجه الى النجف ليتفقد قبر ابنه الذي سقط خلال الحرب على "داعش".
يقف العيبي بجلابيته البيضاء وعقاله الأسود أمام قبر ابنه محمد، قائلا إن الأخير التحق بصفوف فصائل الحشد الشعبي التي تضم مجموعات شيعية مدعومة من إيران.
ففي العام 2014، وعلى غرار عشرات الآلاف من العراقيين، لبى محمد دعوة آية الله علي السيستاني، أعلى مرجع شيعي بعد ان أصدر فتوى الجهاد الكفائي وحض على حمل السلاح لوقف تقدم مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية.
-"وادي السلام" -
في ذلك الحين، ترك محمد العيبي منطقة الشويلات في محافظة ميسان (350 كلم جنوب بغداد)، وتوجه مع قوات الحشد الشعبي شمالا، حيث "استشهد في معارك المقدادية" في محافظة ديالى.
اليوم، لا يستطيع كاظم العيبي حبس دموعه في مقبرة وادي السلام، وهي من أكبر المقابر في العالم إذ تضم ملايين القبور التي لا تزال في ازدياد مع دخول العراق عامه الرابع في قتال التنظيم المتطرف.
لكن غداة إعلان القوات العراقية استعادة تلعفر وبسط كامل سيطرتها على محافظة نينوى التي شهدت الظهور العلني الوحيد لزعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، بات الامل يطغى على حزن أبو محمد.
يقول صاحب الشاربين الأسودين الكثين "إن شاء الله، بعد تلعفر والموصل، ستتحرر كافة الأقاليم والنواحي".
حوله، يتحلق رجال ونساء، كبار وصغار، يتجمهرون في ممرات مقبرة وادي السلام في مدينة النجف الواقعة على بعد 150 كلم جنوب بغداد.
يقوم رجال بغسل القبور بالمياه ثم يزينونها بالورود وصور "الشهداء".
وتعتبر مقبرة "وادي السلام" أكبر مقابر العالم من حيث المساحة الجغرافية، وهي عبارة عن أرض ترابية بنيت بين قبورها شوارع طويلة للسيارات التي تعبر نجو جهات أخرى من المدينة.
-"نصر لكل العراقيين"-
ورغم أن المقبرة ليست مخصصة للشيعة فقط، إلا أن الغالبية العظمى من المدفونين ينتمون إلى هذا المذهب، حيث يتطلع أكثرية الشيعة في العالم لأن يدفنوا في هذه الارض التي تدور حولها أسطورة تقول إنها تتسع لكل المسلمين.
وبعد غسل الجثة، تنقل في موكب محمول على أكتاف أفراد عائلته وأصدقائه إلى مرقد الإمام علي ابن ابي طالب فيما ترتفع عبر مكبرات الصوت آيات قرآنية وأدعية، قبل ان يوارى الجثمان الثرى.
ولذا، يدفن مقاتلو الحشد الشعبي الذين سقطوا خلال المعارك في النجف وليس في بلداتهم.
وازداد شيئا فشيئا عدد القبور التي حفر عليها لقب "شهيد" داخل المقبرة إلى عبارات تمجد "الشهداء القادة" وغيرهم من "المجاهدين الأبطال"، تحت صور لرجال من كل الأعمار حاملين سلاحهم بيدهم.
عند مدخل المقبرة الذي يعج بطوابير من الشاحنات والسيارات والدراجات النارية، يقف أبو حسين الذي وصل أيضا لزيارة ضريح ابنه.
يرحب الرجل باستعادة القوات العراقية السيطرة على تلعفر.
ويقول لفرانس برس إن "تحرير الموصل أو أي بقعة من العراق من يد داعش هو نصر لكل العراقيين".
لكنه سرعان ما يؤكد ضرورة التفكير حاليا بـ"عائلات الشهداء وأمهاتهم وأخواتهم".
ورغم الأعداد الكبيرة من العائلات التي تصل تباعا لزيارة قبور أولادها، لم تكشف السلطات العراقية حتى الآن عن حجم خسائرها خلال المعارك.
التعليقات