مجدي الورفلي من تونس: عاد الحديث مرة أخرى في تونس عن طبيعة ونجاعة النظام السياسي الحالي الذي كرّسه الدستور الجديد للبلاد، إذ تتباين الآراء بين الأحزاب السياسية بخصوص تقييم فاعلية النظام "شبه برلماني" الذي عوّض النظام الرئاسي المُعتمد في إدارة شؤون تونس بعد استقلالها عن فرنسا الى حين سقوط نظام بن علي في 14 يناير 2011.
يوجه عدد من الأحزاب انتقادات للنظام السياسي الجديد في تونس الذي ترى فيه نظاما "مشوّها" ولا يمكّن من اتخاذ القرارات بسرعة لتفتّت توزيع الصلاحيات بين السلطة التنفيذية والتشريعية وبين رأسي السلطة التنفيذية كذلك، وتطرح تلك الاحزاب تعديله نحو نظام رئاسي عبر تدعيم صلاحيات رئيس الجمهورية.
في المقابل ترفض أحزاب أخرى ذلك الطرح وتعتبر ان الحكم على النظام السياسي الحالي بعد 3 سنوات من تطبيقه لا يستوي، وترجع أحزاب أخرى رفضها المسّ من توزيع الصلاحيات الموجودة في دستور 14 يناير 2014 تخوّفا من العودة بالبلاد الى نظام رئاسوي سقط بهروب بن علي.
ولا يقتصر انتقاد النظام شبه برلماني في تونس على الأحزاب أو المختصين في القانون الدستوري، فالرئيس التونسي الباجي قائد السبسي لا يُخفي امتعاضه من النظام السياسي المعتمد وتحدث عديد المرات عن ضرورة تعديله، وأحدثها كان في آخر حوار له مع القناة الرسمية في 18 سبتمبر الحالي، حين اعتبر ان النظام البرلماني تعتريه بعض الهنات ولكنه أكد انه لن يطلق أية مبادرة بخصوص تعديل الدستور لتغيير النظام السياسي.
وفي حوار خلال السنة الماضية كذلك قال الرئيس قائد السبسي انه لا يرى مانعاً من تعديل الدستور بهدف اعتماد شكل جديد لنظام الحكم في البلاد وأنه لن يكون ضد أي مبادرة في هذا الاتجاه، واعتبر حينها أن أغلبية الشعب التونسي مع النظام الرئاسي، وأن الوضع العام في البلاد يمكن أن يتحسن مع تعديل الدستور واعتماد نظام سياسي جديد.
النهضة ترفض
أول الأحزاب الرافضة فكرة تعديل الدستور هي حركة النهضة التي دافعت خلال صياغة الدستور عن النظام البرلماني في مقابل أحزاب أخرى تشبّثت بالنظام الرئاسي ولكن التوافق بين الفرقاء السياسيين في الفترة التي سبقت تبني الدستور في 14 يناير 2011 أفرزت النظام الحالي، اي "شبه البرلماني".
تركيز النظام السياسي لم يكتمل
يؤكد الناطق الرسمي لحركة النهضة عماد الخميري لـ"إيلاف" ان الفترة التي حُكمت فيها تونس بالنظام السياسي الحالي لا تكفي لتقييمه والخروج بقرار تغييره، فالنظام السياسي وفق الخميري لم يكتمل تركيزه بالكامل حتى يقع الحديث عن هناته وتعديله.
واعتبر الخميري أن النهضة ترى في النظام الحالي ضامنا للتوازن بين السلطات ولا تجد أي ضرورة لمراجعته الآن.
العودة الى النظام "الرئاسوي"
القيادي في تحالف الجبهة الشعبية زهيّر حمدي يرفض من خلال إفادته لـ"إيلاف" فكرة تعديل نظام "شبه البرلماني" في تونس، حيث يرى ان الدستور الحالي يضمن التوازن بين السلطات ولا يجب المس به.
وقال "المخزون الثقافي والسياسي لرئيس الجمهورية يدفعه الى محاولة العودة بتونس الى الحكم بتفرّد عبر إقرار نظام رئاسي يتحوّل فيما بعد الى نظام رئاسوي وهو الذي ثار عليه الشعب".
أضعف مؤسسات الدولة
في مقابل رفض التعديل، تساند أحزاب أخرى فكرة الذهاب بالدستور نحو النظام الرئاسي، ومن بين تلك الأحزاب حركة نداء تونس التي أسسها الباجي قائد السبسي في 2012 وقد اعتبر النائب عن كتلة الحزب في البرلمان جلال غديرة لـ"إيلاف" ان النظام السياسي الحالي أضعف مؤسسات الدولة وسرعة اتخاذ القرار وهو ما يجب تداركه.
ويُذكر ان نواب كتلة حزب نداء تونس في البرلمان أعلنوا خلال السنة الماضية عن عزمهم تقديم مشروع قانون لتوسيع صلاحيات الرئيس. كما وجه الرئيس التونسي في السنة ذاتها رسالة إلى البرلمان انتقد فيها بطء عمله وتخلفه على تبني القوانين المحدثة للهيئات الدستورية المربوطة بآجال دستورية.
كما وجه رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد طلبا للبرلمان بمنحه” تفويضًا استثنائيًا" لإصدار مراسيم تعوض القوانين دون المرور بالبرلمان.
خلل في توزيع الصلاحيات
النائب عن حزب حركة مشروع تونس في البرلمان صلاح البرقاوي أكد في حديث لـ"إيلاف" ان الحزب وكتلته البرلمانية تساند فكرة تعديل النظام السياسي نظرا إلى الخلل الحاصل في توزيع الصلاحيات بين رأسي السلطة التنفيذية التي يكرّسها النظام السياسي الحالي ما أنتج بطئا في اتخاذ القرارات وصراعا في بعض الاحيان.
واعتبر القيادي في حركة مشروع تونس ان التخوفات من تعديل الدستور والذهاب بالنظام السياسي نحو الرئاسي مردّه النظام الرئاسوي الذي عاشت تونس تحته طيلة حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي، ولكنه رأى ان تغيير النظام السياسي حتمي نظرا لإمكانية تفجّر الاوضاع في البلاد في حال نشب خلاف بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية أو كان كل منهما ينتمي الى حزبين متصارعين.
وحسب الفصل 143 من دستور تونس الجديد فـ"لرئيس الجمهورية أو لثلث أعضاء مجلس نواب الشعب حقّ المبادرة باقتراح تعديل الدستور، ولمبادرة رئيس الجمهورية أولوية النظر".
ويقرّ الفصل ان "ينظر مجلس نواب الشعب في مبادرة التعديل للموافقة بالأغلبية المطلقة على مبدأ التعديل. ويتمّ تعديل الدستور بموافقة ثلثي أعضاء مجلس نواب الشعب. ويمكن لرئيس الجمهورية بعد موافقة ثُلثي أعضاء المجلس أن يعرض التعديل على الاستفتاء، ويتم قبوله في هذه الحالة بأغلبية المقترعين".
تقسيم غامض للصلاحيات
ويقول أمين محفوظ وهو خبير دستوري لـ"إيلاف" انه ومنذ مناقشة مشروع الدستور وقع التنبيه من نقائصه آنذاك وعيوبه من غياب التوازن بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية وحتى بين رأسي السلطة التنفيذية، رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.
واعتبر محفوظ ان الدستور الجديد يقسّم الصلاحيات بشكل غامض ولا يحدّد بدقة المسؤوليات ما يجعل تعديله ضرورة من وجهة نظره، مؤكدا ان عديد الدول الديمقراطية خاصة وبعد سنوات قليلة من تطبيق دساتيرها تنتبه الى نقائص وتقوم بتعديلها.
غياب المحكمة الدستورية
بين طيات الخلاف بخصوص تعديل النظام السياسي الحالي في تونس واختلاف تقييم نجاعته يبقى غياب المحكمة الدستورية وعدم تركيزها الى الساعة مانعا وقتيا امام إدخال أي تعديلات على دستور الجمهورية الثانية.
ينصّ الفصل 144 من دستور تونس الجديد على أن " كلّ مبادرة لتعديل الدستور تُعرض من قبل رئيس مجلس نواب الشعب على المحكمة الدستورية لإبداء الرأي في كونها لا تتعلق بما لا يجوز تعديله حسبما هو مقرر بهذا الدستور".
يذكر ان رئيس البرلمان محمد الناصر أكد في حوار أجراه نهاية الأسبوع الماضي ان المحكمة ستُركز قبل نهاية السنة الحالية.
التعليقات