يعرّض الحمض النووي لإنسان النيندرتال الإنسان الحديث لخطر الإصابة بنوع محدد من سوء التغذية، سببه نقص ثيامين، أحد فيتامينات "بي"، الضروري لتمثيل الكاربوهيدرات.

إيلاف: إذا كان الإنسان العاقل homo sapiens هو النوع الوحيد من البشر الموجود اليوم، فهذا لم يصبح حقيقة إلا أخيرًا بالمعايير النسبية. طيلة الشطر الأعظم من تاريخ الإنسان العاقل، الذي يمتد 200 ألف عام، كان يتقاسم كوكب الأرض مع العديد من أبناء عمومته، أشهرهم إنسان النيندرتال، الذي كان أكبر حجمًا وأثقل وزنًا، وعاش في أوروبا وآسيا الوسطى.&

تتعدى المنافسة
انقرض إنسان النيندرتال منذ 40 ألف عام. وما إذا قُتل هذا الإنسان على أيدي بشر حديثين أو انقرضوا لخسارتهم في المنافسة معهم، فإن هذا موضع نقاش لا ينتهي، كما لاحظت مجلة "إكونوميست"، مشيرة إلى أن العلاقات بين هذين النوعين كانت تتعدى حدود المنافسة والصراع من أجل البقاء. وخلال العقد الماضي وجد باحثون أن ما بين 1 و4 في المئة من الحمض النووي للأوروبيين الحديثين والمنحدرين منهم في قارات أخرى تعود إلى أصول نيندرتالية. بكلمات أخرى فإن قدرًا من التزاوج كان، بلا شك، يجري بين النوعين.&

ما لا يُعرف هو تأثير هذه النسبة من الحمض النووي التي اكتسبها إنسان اليوم من إنسان النيندرتال. هذه المقارنة على وجه التحديد هي التي أجراها فريق من العلماء برئاسة كورين سيمونتي من معهد فاندربيلت لعلم الوراثة في ولاية تنيسي الأميركية.&

اختار الفريق 28416 شخصًا من أصول أوروبية، وقارن جينوماتهم مع المعلومات الوراثية المتوافرة من الحمض النووي لعظم امرأة نيندرتالية، عُثر عليه في كهدف في روسيا عام 2010. واكتشف العلماء 35 ألف قطعة من حمض نووي بشري حديث يرجّحون أنها ذات أصول نيندرتالية.&

لعنة الحمض النووي
وجدت بحوث سابقة أن مثل هذا الحمض النووي النيندرتالي شائع قرب أجزاء من الجينوم، ترتبط بأمراض الكآبة والقلب والتقرن الزهمي الذي يصيب الجلد. وأكدت الفحوص التي أجراها فريق العلماء علاقة الحمض النيندرتالي بهذه الأمراض الثلاثة. كما وجد الفريق ظواهر أخرى خلصوا منها إلى أن جينات النيندرتال تعرّض من يحملونها إلى درجة إضافية من خطر الإصابة بأمراض تمتد من البدانة واضطرابات تجلط الدم إلى انواع معينة من سوء التغذية، بل وحتى التدخين.&

يبدو من الوهلة الأولى أن اكتساب الإنسان العاقل لقدر من الحمض النووي لإنسان النيندرتال كان لعنة عليه. لكن هذا مستبعد.

فإن 40 ألف عامًا فترة طويلة في عملية النشوء والارتقاء، ويعني هذا أن أي صفات ضارة كان ينبغي أن تُستأصل خلال هذه الفترة وتنتشر صفات مفيدة.&

وهناك أدلة تؤكد هذا على وجه التحديد. فهناك أجزاء من الجينوم البشري متحررة على نحو غير اعتيادي من تأثير النيندرتال في مؤشر إلى أن الاصطفاء الطبيعي أزال الجينات الضارة، في حين أن أجزاء أخرى، حيث للحمض النووي النيندرتالي فوائد مليئة بهذه المادة الوراثية. وإذا كان شيء ما ضارًا للبشر الحديثين، فإن هذا لا يعني أنه كان ضارًا لأسلافهم الصيادين ـ الجامعين.&

نقص الثيامين
يبدو أن الحمض النووي لإنسان النيندرتال يعرّض الإنسان الحديث إلى خطر الإصابة بنوع محدد من سوء التغذية سببه نقص ثيامين، وهو فيتامين من فيتامينات "بي" ضروري لتمثيل الكاربوهيدرات.

لكن الدكتورة سيمونتي تقول إن هذا المتغير الوراثي نفسه قد تجعل هضم الدهون أسهل. وقبل آلاف السنين عندما كانت الكاربوهيدرات تساهم بقدر أقل من الطاقة التي يحتاجها الإنسان، ربما كانت هذه المقايضة نافعة، ولكن في عالم أصبحت الحبوب غذاء أساسيًا فيه قد لا تكون نافعة.&

درس فريق الدكتورة سيمونتي في إطار بحثهم في سجلات طبية لا تحوي إلا معلومات عن الأمراض. كثيرًا ما تكون عملية النشوء والارتقاء مقايضة، فيبقى الحمض النووي لإنسان النيندرتال طوال هذا الوقت، فهذا يعني أنه لا بد أن يقدم أفضليات لمن يحملونه. وما زالت هذه الأفضليات لغزًا علميًا، ومن المؤكد أن تسلط البحوث اللاحقة ضوءًا جديدًا عليها.&


أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "إكونوميست". الأصل منشور على الرابط:
https://www.economist.com/science-and-technology/2016/02/13/a-parthian-shot


&