نصر المجالي: في لهجة تعبر عن الغضب، وجه الملك عبدالله الثاني عاهل الأردن انتقادات حادة لكثير من الممارسات الحكومية والبرلمانية والحزبية معبراً عن عدم رضاه عن ذلك، داعيا شباب المملكة إلى الانخراط في العمل السياسي لقيادة المسار للمستقبل. 

ودعا الملك عبدالله الثاني خلال جلسة حوارية مع عدد من طلبة الجامعة الأردنية، يوم الثلاثاء، الشباب إلى التخلي عن ثقافة الاجيال السابقة بالتعاطي مع العمل السياسي بناء على العشيرة أو الفئة أو المنطقة، والخروج من هذه الدائرة نحو اعتماد حقيقي على الكفاءات القادرة على تشكيل أحزاب واضحة الملامح والأهداف.

وأكد في الحوار الذي دار في كلية الأمير الحسين بن عبدالله الثاني للدراسات الدولية في الجامعة الأردنية بمناسبة عيد ميلاده السادس والخمسين أن شباب الوطن هم عماد مستقبله، والقادرون على تحمل مسؤولية مواصلة البناء والتحديث.

عبدالله الثاني بين الطلاب والطالبات في كلية الحسين بن عبدالله

 

حوار مفتوح

وجرى، خلال اللقاء حوار مفتوح حول مجمل القضايا المرتبطة بالشأنين المحلي والإقليمي. وتناول الحوار القضايا الاقتصادية والسياسية، وأخرى مرتبطة بالإصلاح الإداري وسيادة القانون، فضلاً عن الدور المهم للشباب في مسيرة البناء والإصلاح والإنجاز، إضافة إلى التطورات المرتبطة بالقضية الفلسطينية والقدس، وجهود التوصل إلى حلول سياسية للأزمات الإقليمية.

وقال الملك عبدالله الثاني إن الأحزاب في المملكة ضعيفة ولا تملك قواعد شعبية تمكنها من العمل على الدخول في الحياة السياسية بفعالية عالية. منوهاً إلى إن الأحزاب في المملكة لا تمثل كافة أطياف الشعب، بل هي مقسمة إلى شمال ووسط وجنوب، وشرق وغرب، ومسلم ومسيحي، وهذا الأمر يدخل تلك الأحزاب في حالة من الفوضى والتوهان، يصعب عليها استقطاب الشباب الأردني الواعي.

العاهل الأردني خلال جلسة الحوار

أحزاب وبرامج

ودعا العاهل الأردني إلى وجود أحزاب قليلة لديها برامج واضحة ووطنية يمكن البناء عليها، مؤكدًا أن الدولة تقوم بدعم هذه الأحزاب لتكون قادرة على انتاج حكومات تدير شؤون البلاد بشكل جيد في المستقبل.

وقال إن "المضي قدمًا بعملية الإصلاح السياسي يتطلب وجود أحزاب مبنية على البرامج وتعمل لصالح الوطن، وليست لصالح أشخاص أو مناطق"، مشيرًا إلى أنه "من الصعب السير للأمام في عملية الإصلاح السياسي دون وجود حزبين أو ثلاثة على الأقل".

وأضاف أنه "إذا استطعنا بعد 3 أعوام تحويل الكتل البرلمانية الحالية إلى أحزاب مبنية على برامج، فإننا سنتمكن حينها من تشكيل حكومة حزبية، لكن الرهان يبقى على عامل الوقت وطريق تفكير الجيلين القديم والجديد".

انتقاد النواب

وفي الحوار، وجه الملك عبدالله الثاني انتقادًا لاذعًا لأعضاء مجلس النواب داخل الكتل الواحدة بسبب التخبط في توجهاتهم، وتباين آرائهم في القضايا المحلية الاقتصادية منها والسياسية وحتى الاجتماعية بين أقصى اليمين وأقصى اليسار.

وكشف أن لقاءاته بالكتل النيابية أظهرت تباينًا كبيرًا في الآراء والتوجهات بين أعضاء الكتلة التي من المفترض أنها تشكلت بناء على توافق الرؤى والتوجهات والأفكار.

ولفت العاهل الأردني إلى ضرورة تحديد الوجهة الفكرية في العمل الحزبي، وضرب مثالاً على ذلك، مشيرا إلى أنه شخصياً يتبنى التيار اليميني في قضية الدفاع، واليسار في قضية التعليم.

 

العاهل الأردني مصافحا عددًا من الشباب

دور الشباب

وطلب من الشباب أن يمارسوا ضغطا مستمرًا على السياسيين ومجلس النواب لايصال أصواتهم بأن الشباب قادر على صنع التغيير والنهوض في الوطن إلى مصاف الدول المتقدمة، مؤكدًا أن الساسة والنواب هم من يجب أن يتعلموا من الشباب لا العكس.

وأكد أن شباب الوطن هم عماد مستقبله والقادرون على تحمل مسؤولية مواصلة البناء والتحديث، مبدياً ارتياحه للحديث مع فئة الشباب بقوله "عندما اعود من لقاء مع الشباب تلاحظ زوجتي الارتياح عليّ، عكس عودتي من لقاء مع الاجيال الاكبر سنًا".

الطبقة الفقيرة

وشدد العاهل الأردني على ضرورة حماية الطبقة الفقيرة وتقوية الطبقة الوسطى، مشيراً إلى أن الإصلاح السياسي أسرع وأفضل في الدول التي تمتلك قاعدة واسعة من الطبقة الوسطى، مؤكدًا أن العام الحالي سيشهد تركيزا مكثفا على الإصلاح الإداري ومحاربة الفساد.

وقال: "إننا في الأردن نعمل بعكس الدول عند التعديل الحكومي، فإذا لم يكن الوزير المسؤول ليس كفوءا نجربه 6 أشهر وننتظر تعديلاً حتى يخرج من منصبه، وهذا أمر خاطئ لأن له تأثيرات على أرض الواقع، والصحيح أن يخرج الوزير او المسؤول من منصبه فور التأكد من أنه ليس كفوءاً"، موضحا أن هناك عوامل تساهم أحيانا في بقاء المسؤولين غير الكفوئين كالخوف من إغضاب أقاربه وعشيرته، وهو الأمر ذاته يحدث عند الحديث عن سيادة القانون.

وحول البطالة، قال الملك عبدالله الثاني إن "الطلاب يجب أن يراعوا حاجات سوق العمل عند اختيار التخصص، حتى لا يكونوا عبئًا على ذويهم". 

الأوراق النقاشية

وحول الأوراق النقاشية الملكية التي كان طرحها الملك منذ سنوات حول الكثير من الشؤون المتعلقة ببناء الدولة الحديثة، أكد أنها هدفت بالأساس إلى فتح باب النقاش في المجتمع الأردني، قائلا إن "الأساس أن تكون العلاقة بين المواطن والمسؤول، وليس بتوجيهات مباشرة منه"، داعيًا المواطن إلى أن "يقوم بدوره بالضغط على النائب لتطبيق مبدأ سيادة القانون".

وكان الملك عبدالله الثاني وجه انتقادا حادًا خلال لقائه الأخير مع الكتل النيابية للأجهزة الحكومية والتشريعية لعدم تطبيق ما ورد في تلك الأوراق النقاشية.

اللامركزية 

وقال العاهل الأردني إن قانون اللامركزية والبلديات يهدف إلى نقل القوة من عمان للمحافظات لكي يصبح القرار بيد المواطن، مشيرا إلى أن هذا الأمر "يؤثر على النواب لأن نقل القوة لتصبح على مستوى البلدية سيتطلب وجود عدد أقل من النواب، لأن النائب في المستقبل يجب أن يكون نائب وطن، وهذا يعني أن المرحلة المقبلة ستشهد خفض عدد مجلس النواب من 130 إلى 80".

وفي مجال الإعلام، قال الملك عبدالله الثاني إننا كأردنيين لا ندافع عن أنفسنا تاريخيا، وهذه مشكلة كبيرة، وشدد على أنه لا سقف للحريات في المملكة، إلا أنه يجب أن يترافق ذلك مع التمتع بالمسؤولية، مضيفا "أن جزءاً من مواقع التواصل الاجتماعي يشهد اغتيالاً للشخصيات والتخويف وزرع الفتن والتفرقة بين المواطنين، وهذا خط أحمر".