قضت محكمة بريطانية بالسجن مدى الحياة على منفذ هجوم دهس بشاحنة عددا كبير من المسلمين بالقرب من مسجد بشمال لندن مع إقرار الحد الأدنى لسنوات السجن بـ 43 سنة.

وتوصلت المحكمة إلى أن دارين أوسبورن، 48 سنة، قتل عمدا مكرم علي، 51 سنة، بعد دهسه بشاحنة قادها متعمدا وسط عدد كبير من المشاه في فينسبيري بارك.

وقالت القاضية جاستس شيما غراب لأوسبورن: "لقد كان ذلك هجوما إرهابيا، وقد تعمدت قتل أحدهم."

وقالت أسرة علي، ضحية الهجوم، إنهم لم يتحملوا صدمة موته، خاصة ابنته روزينا أختار التي قالت لصحفيين أمام مقر المحكمة "أبانا كان بريئا مثله مثل جميع ضحايا الإرهاب، وكان قتله بهذه الطريقة الدموية بشعا."، مؤكدة أنه كان "بسيطا ومسالما"، ولم يحمل سوءا لأحد.

وقاد أوسبورن شاحنة باندفاع وسط حشود من المشاه في منطقة فينسبري بارك في حوالي الساعة 12:15 صباحا بتوقيت لندن في 19 يونيو/ حزيران الماضي ، ما أدى إلى مقتل مكرم علي وإصابة تسعة أشخاص آخرين عقب خروجهم من مسجد المنطقة بعد الصلاة في رمضان الماضي.

وكان تعليق أوسبورن، أب لأربعة أطفال، على الحكم مقتضبا، إذ قال أثناء اصطحابه خارج قاعة المحكمة: "شكرا لكم."

كراهية شديدة

واستغرقت مداولات هيئة محكمة ووليش كراون ساعة كاملة حتى عادوا إلى القاعة وأصدروا الحكم بالسجن مدى الحياة بحق أوسبورن يوم الخميس الماضي بعد تسعة أيام من بدء محاكمته.

وقالت القاضية "هيئة المحلفين في المحكمة شاهدت كيف كان يحاول للحظة الأخيرة خداعهم لتبرئة نفسه بإدعائه أن شريكا له يدعى دايف كان يقود الشاحنة."

وأضافت أن أوسبورن كان يخطط لهجوم انتحاري، إذ كان من الممكن أن يقتل على أيدي الشرطة، مؤكدة أنه مذنب في تهمة "القتل بدافع الإرهاب".

وأشارت إلى أن المحكوم كان من المتشددين، وفقا للمحتوى التي يتبناه على الإنترنت، والذي يتضمن كراهية للمسلمين. وقالت القاضية البريطانية، موجهة حديثها للمتهم: "لقد كشف لنا استخدامك لتويتر أنك تتبنى أيدولوجية عنصرية ومعادية للمسلمين".

وتابعت: "لقد سمحت لهذا الفكر المسمم الذي أملاه عليك من يصفون أنفسهم بالقادة أن يسيطر عليك."

مكرم علي
PA
ضحية الهجوم توفي علي الفور بعد دهسه بالشاحنة

وقبل النطق بالحكم، استمعت المحكمة لابنة الضحية مكرم علي التي أكدت أنها تشاهد "كوابيس متكررة" يوميا منذ مقتل أبيها. وقالت: "وقع الحادث بالقرب من منزلنا، وأمر بهذا المكان كل يوم تقريبا، ما يصيبني بالأرق للتفكير المستمر في الهجوم."

وأضافت: "لقد كان والدي أكثر الناس الذين عرفتهم إخلاصا وودا. وكان يملأ حياتنا بالمرح والضحك، كما أنه كان يحمل بداخله حبا كبيرا لأسرته وأحفادة. وقد قتله مخلوق ضيق الأفق بلا قلب".

وانتابت مشاعر الغضب عددا من الشهود على الواقعة الذين بدأوا في سرد ما حدث، علاوة على حديثهم إلى المحامي العام الذي أعربوا خلاله عن مخاوف انتابتهم حيال الخروج من المنزل، وحالة من فقد الثقة بالنفس بعد الهجوم.

واستمعت القاضية البريطانية إلى قائمة من التهم التي وجهت إلى أوسبورن في أوقات سابقة، والتي تتضمن سلسلة من الاعتداءات العنيفة على مدار 30 سنة. ومثل الرجل أمام المحكمة 33 مرة للتحقيق في 102 اعتداء، وفقا للقائمة المرفوعة إلى المحكمة، والتي دفعت القاضية إلى وصف أوسبورن بأنه "شخصية عدوانية عنيفة".

وأكدت أن علي، ضحية الهجوم، توفي فور دهسه بالشاحنة، وعثر على جثمانه يحمل آثار الإطارات على جذعه.

تفاصيل الواقعة

وفي إطار ردود الأفعال على حكم المحكمة، قالت أمبر رود، وزيرة الداخلية البريطانية، إنها تتمنى أن يكون توجيه الاتهامات بتنفيذ "هجوم إرهابي بشع مواساة لأسرة الضحية والمصابين".

وقال دين هايدن، قائد وحدة شرطة العاصمة لمكافحة الإرهاب، إن أوسبورن نفذ "هجوما يعكس ما به من شر وجبن."

أسرة الضحية
BBC
لا تزال أسرة الضحية غير قادرة على استيعاب صدمة قتله دهسا

وأضاف أن "بعض هؤلاء الذين أصيبوا إثر الهجوم لم يتماثلوا للشفاء تماما، وقد يعاني بعضهم من مشكلات صحية مدى الحياة."

وأشاد بالدور الذي قامت به أسرة علي وسكان فينسبيري بارك لما أظهروه من "دعم كبير وتفهم أثناء تحقيقاتنا في الواقعة في وقت كان بالغ الصعوبة على الجميع."

وعثرت الشرطة في الشاحنة المستخدمة في تنفيذ الهجوم على خطاب مكتوب بخط يد أوسبورن وصف فيه المسلمين بأنهم "مغتصبون وهمجيون".

وأشارت تحقيقات الشرطة إلى أن الهجوم نفذ في ساحة قريبة من مسجد ملحق بجمعية خيرية إسلامية في فينسبيري أثناء ازدحامها بالمسلمين الذين انتهو من صلاة القيام في رمضان الماضي.

واستمعت المحكمة أيضا إلى شهادات بأن المتهم كانت تتملكه مخاوف حيال المسلمين قبل أسابيع قليلة من تنفيذه الهجوم، بعد مشاهدته لدراما بثتها محطة تلفزيون بي بي سي بعنوان "ثلاث فتيات" التي تجسد فضيحة انتهاك الأطفال جنسيا في روشدايل.

واستأجر منفذ الهجوم سيارة في 18 يونيو/ حزيران الماضي مستهدفا تنفيذ عملية دهس أثناء مسيرة يوم القدس، لكنه لم يتمكن من الوصول إلى المسيرة، ما دفعه إلى القيادة إلى شمال لندن وتنفيذ الهجوم في ساحة المسجد في فينسبيري.