بيروت: جددت قوات النظام الأربعاء قصفها على الغوطة الشرقية المحاصرة قرب دمشق موقعة مزيداً من الضحايا، غداة يوم يعد الأكثر دموية في المنطقة منذ أشهر، قتل خلاله عشرات المدنيين وأصيب أكثر من مئتين بجروح.
وانصرف السكان الأربعاء الى دفن قتلاهم ورعاية الجرحى في وقت يزيد تصعيد القصف من معاناة نحو 400 ألف مدني يعيشون حالة من الذعر والخوف، وتحاصرهم قوات النظام بشكل محكم منذ العام 2013.
وأفاد مدير المرصد السوري لحقوق الانسان رامي عبد الرحمن لوكالة فرانس برس عن "مقتل 23 مدنياً على الأقل واصابة العشرات بجروح جراء غارات لقوات النظام على مدن عدة في الغوطة الشرقية". وكانت حصيلة أولية أفادت بمقتل 7 مدنيين.
ويتوزع القتلى بين ثمانية مدنيين في مدينة حمورية وعشرة في بيت سوى بينهم أربعة أطفال، وخمسة آخرين في مدينة دوما بينهم طفل. ويتوزع الجرحى بشكل رئيسي على مدن حمورية ودوما وزملكا.
في مشفى نقل اليه الضحايا في مدينة دوما، معقل فصيل جيش الاسلام الأكثر نفوذاً في المنطقة، شاهد مراسل فرانس برس وصول أربع جثث على الأقل وعدد من الجرحى معظمهم من النساء والأطفال الذين كان صراخهم يملأ المستشفى.
وقال إن مآذن المساجد منذ الصباح دعت الاهالي الى "أخذ الحيطة والحذر" جراء تحليق الطيران الحربي في الأجواء، والى "فض التجمعات وإخلاء الطرقات".
وفي مدينة حمورية، شاهد مراسل لفرانس برس شاباً يبكي شقيقه الأصغر الذي كانت جثته بين جثث خمسة أطفال. ونقل عنه أنه شاهد قبل دقائق من الغارات الأطفال الخمسة يقومون بملء المياه.
"الأكثر دموية"
ويأتي تجدد الغارات الأربعاء غداة يوم دموي تسبب بمقتل ثمانين مدنياً على الأقل بينهم 19 طفلاً واصابة مئتين آخرين بجروح، في آخر حصيلة أوردها المرصد الاربعاء.
وكانت أول حصيلة الثلاثاء أفادت بمقتل 16 مدنياً.
وبحسب عبد الرحمن، فإن حصيلة القتلى الأربعاء "هي الأكبر في صفوف المدنيين في سوريا منذ تسعة أشهر، وواحدة من بين الأكثر دموية في الغوطة الشرقية منذ سنوات".
وتحاصر قوات النظام الغوطة الشرقية بشكل محكم منذ العام 2013، ما أدى الى نقص فادح في المواد الغذائية والادوية. ودخلت اخر قافلة مساعدات الى المنطقة في اواخر تشرين الثاني/نوفمبر وفق الأمم المتحدة.
ودعت منظمات الأمم المتحدة العاملة في سوريا في بيان مشترك الثلاثاء إلى "وقف فوري للأعمال العدائية لمدة شهر كامل على الأقل في جميع أنحاء البلاد" بما فيها الغوطة الشرقية بهدف "السماح بإيصال المساعدات والخدمات الإنسانية، وإجلاء الحالات الحرجة من المرضى والجرحى".
وتعد الغوطة الشرقية إحدى مناطق خفض التوتر الأربع في سوريا، بموجب الاتفاق الذي تم التوصل اليه في استانا في ايار/مايو برعاية روسيا وايران، أبرز حلفاء دمشق، وتركيا الداعمة للمعارضة.
وقال منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية في سوريا بانوس مومتزيس للصحافيين في بيروت الثلاثاء "هناك تصور خاطئ بان مناطق خفض التوتر نتج عنها السلام والاستقرار".
وأضاف "الغوطة الشرقية منطقة خفض توتر. لكن ما حدث هو تصعيد خطير (...) نهاية النزاع في سوريا لا تزال بعيدة" لافتاً الى انها "المرة الأولى التي يكون فيها الناس على جبهات عدة، بين الغوطة الشرقية وعفرين وادلب، في خطر شديد من دون أي أفق للحل". وتابع "نشعر الآن أننا وصلنا إلى حافة الانهيار".
"استخدام الكلور"
ويأتي هذا التصعيد على وقع اتهامات دولية متزايدة توجه الى دمشق باستخدام أسلحة كيميائية في هجمات سابقة استهدفت الغوطة الشرقية ومدينة سراقب في ادلب (شمال غرب).
وبعد سعي واشنطن لاصدار مشروع بيان في مجلس الأمن يدين استخدام الاسلحة الكيميائية في سوريا، اعتبر وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان الاربعاء ان "كل الدلائل تشير اليوم الى استخدام الكلور من قبل النظام في الوقت الحاضر في سوريا".
وقال في تصريحات لشبكة "بي اف ام تي في" واذاعة مونتي كارلو "اتحدث بحذر لانه طالما ان الامر لم يوثق بالكامل، يجب التزام الحذر".
وياتي الموقف الفرنسي غداة اعلان لجنة تحقيق حول سوريا تعمل بتفويض من الامم المتحدة عن تقارير حول استخدام اسلحة كيميائية في مدينتي دوما وسراقب.
وكانت مصادر طبية أكدت ظهور عوارض اختناق وضيق تنفس على عدد من المصابين اثر قصف لقوات النظام على مدينتي دوما وسراقب خلال الأسابيع الأخيرة، ورجحت أن تكون ناجمة عن تنشق غازات سامة.
وتنفي دمشق باستمرار استخدام اسلحة كيميائية في هجماتها على المناطق تحت سيطرة الفصائل المعارضة.
وأعلنت قيادة الجيش السوري تصدي وسائط الدفاع الجوية فجر الاربعاء لصواريخ اطلقتها اسرائيل على مواقع عسكرية تابعة لها في منطقة جمرايا في ريف دمشق.
وقالت في بيان نشرته وكالة الانباء الرسمية (سانا) أن وسائط الدفاع "دمرت معظم الصواريخ".
ومنذ بدء النزاع في سوريا في 2011، قصفت اسرائيل مرارا أهدافاً عسكرية للجيش السوري أو أخرى لحزب الله في سوريا.
وأوضح عبد الرحمن ان بعض الصواريخ الاسرائيلية "اصابت مستودعات للذخيرة بالقرب من جمرايا".
وتقع جمرايا على بعد نحو 10 كيلومترات شمال دمشق وتضم مستودعات أسلحة لقوات النظام وحلفائه ومركزاً للبحوث العلمية مرتبطا بوزارة الدفاع، يشتبه بتطوير الغازات السامة فيه، وقد فرضت عليه عقوبات دولية عدة.
وتشهد سوريا نزاعاً دامياً تسبب منذ اندلاعه في العام 2011 بمقتل أكثر من 340 ألف شخص وبدمار هائل في البنى التحتية ونزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل سوريا وخارجها.
التعليقات