«إيلاف» من بيروت: خرّيج في قسم الفلسفة وروائي لم تُنشر أعماله. إنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعامل الثقافة الفرنسية باعتبارها كنزًا وطنيًا، واللغة الفرنسية باعتبارها جوهرة. "اللغة الفرنسية لغة العقل، إنها لغة النور"، هذا ما قاله الرئيس عند افتتاح متحف اللوفر في أبو ظبي، وهو معرض ذات قبة فضية على شاطئ رملي، أطلق عليه اسم "متحف الصحراء والضوء". تعهّد ماكرون بجعل اللغة الفرنسية اللغة الأولى في أفريقيا، و"ربما" العالم؛ ولقيادة هذه المهمة، قام بتعيين ليلى سليماني الروائية الفرنسية المغربية التي حقق كتابها نسبة مبيعات هائلة، إلا أن حملته لتجديد اللغة الفرنسية، وفتح البلاد للكتاب الذين ينشرون اللغة في جميع أنحاء العالم، أعادت إحياء حرب الثقافة الفرنسية من دون قصد.
اليوم، أصبح عدد الناس الذين يتكلّمون اللغة الفرنسية في كينشاسا، عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية، أكبر من العدد المسجّل في باريس. وبحلول عام 2050، بفضل النمو السكاني في أفريقيا، سيعيش نحو 85 في المئة من الناطقين بالفرنسية عالميًا في تلك القارة. وقام ماكرون بالترويج للغة الفرنسية في رحلاته الأخيرة إلى الخليج والصين وغانا التي يتكلّم سكّانها الإنكليزية في غرب أفريقيا، مع أنّها محاطة ببلدان ناطقة بالفرنسية. وحين زار تونس، صرّح انه يريد مضاعفة عدد الذين يتعلّمون الفرنسية هناك بحلول عام 2020.
ليست مغلقة
لا شكّ في أن ماكرون (40 عامًا) يفعل ذلك بطريقة أقل دفاعية من سابقيه، فجاك شيراك خرج مغادرًا إحدى القمم عندما تحدث رجل فرنسي بالانكليزية. وهو لا يعتذر أو يبرّر حين يتكلّم الإنكليزية، حتى لو كان على أرض وطنه. كما أنه لا يقف مع الصفائيين في السعي إلى حماية اللغة من التغيير. أسس الكاردينال ريشيليو الأكاديمية الفرنسية في عام 1635 لجعل الفرنسية "صافية". وحتى يومنا هذا، تقوم الأكاديمية باستنباط تعابير فرنسية جديدة لاستخدامها بدلًا من المصطلحات الإنكليزية الغازية، مثل mot-dièse لـ هاشتاغ أو mégadonnées للبيانات الضخمة. يشير ماكرون إلى أن "الفرنسية ليست لغة مغلقة" وينبغي أن تكون سلسة. كما أنّه ينصح بقراءة أعمال رابليه لرؤية أن الفرنسية نفسها بنيت على اللهجات واللغات العامية.
ليس لديه أي اعتراض على إعادة تعريف الثقافة الفرنسية. في أثناء حملته الانتخابية لرئاسة الجمهورية، أذهل التقليديين بإعلانه أن "لا وجود لثقافة فرنسية واحدة".
فبرأيه، هذه ليست كائنًا جامدًا يُترك غير ملموس، بل هي "نهر يتغذى من ملتقيات متعدّدة"، أكان من ماري ندياي، المؤلفة السنغالية الأصل، أو من فيكتور هوغو.
ألف شكر
في يناير الماضي، صرّح آلان مابانكو، وهو كاتب كونغولي حصل في عام 2006 على جائزة رينودوت الأدبية، عن كتاب "Memoirs of a Porcupine"، أنّه لن يشارك في مشروع الرئيس لتجديد الفرنكوفونية، وهي تجمّع من البلدان الناطقة بالفرنسية.
وقال إن هذه المؤسسة مجرد "استمرار للسياسة الخارجية الفرنسية تجاه مستعمراتها السابقة"، ما يدعم الطغاة الأفارقة ويعامل الكتاب الفرنكوفونيين باعتبارهم غرباء. وفي هذا السياق، فإنّ عبد الرحمن وبيري، وهو أستاذ جيبوتي بجامعة جورجتاون يكتب في صحيفة لوموند الفرنسية، حثّ فرنسا على طيّ الصفحة على "رؤية قديمة" تستند إلى "تسلسل هرمي اصطناعي" بين الفنانين الفرنسيين والفرنكوفونيين.
في هذا الإطار، يفسّر مابانكو أن الفرنكوفونية "لا تكون مجرد مؤسسة لإنقاذ اللغة الفرنسية، وليس هذا ما يثير قلق البلدان الفرنكوفونية. والأفارقة لا يحتاجون إلى اللغة الفرنسية للتواجد". كما يسأل مابانكو عن عدد الجامعات في فرنسا التي تدرّس الأدب الفرنكوفوني الأفريقي، ويشكو من أن الطلاب الأميركيين يدرسون على الأرجح هؤلاء الكتّاب أكثر من الفرنسيّين.
يضيف مابانكو أن العالم الأدبي الفرنسي يتعلّق برؤية محورها باريس، وفي كثير من الأحيان لا يعتبر الكتّاب من المستعمرات السابقة جزءًا من الأدب السائد، كما يفعل الناشرون البريطانيون والجامعات البريطانية الآن.
اللغة الأم
إن الضيم الكامن وراء ذلك هو أن الناشرين والأكاديميين الذين يتخذون من باريس مقرًا لهم، من خلال معاملتهم الكتّاب غير الفرنسيين باعتبارهم "فرنكوفونيّين"، يديمون شكلًا من أشكال الغطرسة الاستعمارية الجديدة تجاههم، ويتشبثون بملكية اللغة الفرنسية.
لا يستطيع بعض هؤلاء الكتاب أن يصدق أنهم لا يزالون يقاتلون في المعركة التي شنها سلمان رشدي قبل 30 عامًا ضد مفهوم "أدب الكومنولث" في الكتابة باللغة الإنكليزية. مابانكو، الذي يفضل اعتبار عمله جزءًا من "الأدب العالمي"، يذكر شخصيات من الماضي مثل ليوبولد سنغور، الشاعر السنغالي الذي انتخب في الأكاديمية الفرنسية، بصفته مدافعًا عن المصالح الفرنسية.
بالنسبة إلى بعض الكتاب الأفارقة الذين يتكلّمون اللغة المحلية لغةً أم، فإنّ عملية الكتابة باللغة الفرنسية، وهي لغة السلطة الاستعمارية السابقة، لا تزال توقظ فيهم مشاعر معقدة. وهم يسعون إلى مطالبة مستقلة بالكتابة باللغة الفرنسية.
فوفقًا لفيرونيك تادجو، الكاتب الفرنسي الإيفواري، مثلًا فإنّ "الأدب المكتوب باللغة الفرنسية لا يحتاج إلى أن يسمّي نفسه أدبًا فرنسيًا ليكون موجودًا".
النشر باريسي
بالطبع، سليماني تضع في اعتبارها هذا الجدال. وهي تنتقد الناشرين في باريس لعدم الاستثمار بما يكفي في الكتابة باللغة الفرنسية خارج فرنسا. تقول: "الأدب الفرنكوفوني أدب عالمي، لكنّ النشر باريسي جدًا. نحن بحاجة إلى إلغاء المركزية، وإيقاف المرور الدائم عبر باريس".
وسليماني بصفتها مواطنة مزدوجة الجنسية نشأت في المغرب، ثم انتقلت إلى فرنسا للدراسة، فهي تشعر بالراحة في الثقافتين. وتريد أن تصحح الرؤية القائمة على فكرة "فرنسا في المركز، وحولها، في المحيط، ما يمكن أن نسميه العالم الفرنكوفوني". وتلفت سليماني إلى أن الهدف من ذلك "تشجيع الحركة والمشاركة وتقدير التنوع".
يساعد الكتاب الذي ألّفته السيدة سليماني - Chanson Douce الذي نشر في بريطانيا بعنوان Lullaby وفي أميركا بعنوان The Perfect Nanny، وفاز بجائزة غونكور في عام 2016 - على وضع حد لهذه التصورات. كذلك، ربما يساهم في ذلك ظهور أصوات أخرى جديدة، معظمها من الإناث. وفي الوقت الراهن، إن أفضل النوايا لرئيس فرنسي حسن النية تتصادم مع النقد المتطرّف الصادرعن الكتاب الفرنسيين الذين لا يسعون إلى الحصول على رضا فرنسا، ولا استحسانها.
أعدّت "إيلاف" هذا التقرير نقلًا عن "إكونومست". الأصل منشور على الرابط:
التعليقات