لندن: يروي الفيزيائي النظري البروفيسور لورنس كراوس، من جامعة ولاية أريزونا الأميركية، أنه التقى العالم الراحل ستيفن هوكينغ في أواخر ثمانينيات القرن الماضي خلال مؤتمر للفيزيائيين عُقد في مدينة آسبن بولاية كولورادو. اقترح كراوس على هوكينغ ارتياد حانة يتجمع فيها رعاة البقر الأميركيين، فوافق وهو من أحب المغامرة بلا تردد. منها، عرف كلاوس مدى تأثير هوكينغ في الناس الاعتياديين.

ففي تلك الحانة المنزوية في ركن منعزل من الولايات المتحدة، نظر عامل البار إلى كلاوس وضيفه وهتف: "لو قلتَ لي أن ستيفن هوكينغ آت إلى حانتنا، لبنينا رصيفًا منحدرًا لتمكينه من دخول الحانة بالكرسي المتحرك من دون صعوبة".

حدث ذلك بعد فترة وجيزة على نشر هوكينغ كتابه "تاريخ موجز للزمن" في عام 1988. يقول كلاوس إنه لو دخل الحانة مع أي عالم آخر لما تعرف عليه أحد كما تعرف ساقي الحانة على هوكينغ، ربما باستثناء ألبرت آينشتاين. استمرت نجومية هوكينغ في التألق منذ ذلك الحين. لكن، في عام 1988، كان صعبًا أن يُفهم كيف أن فيزيائيًا سيكون بمثل هذه الشهرة وموضع اعجاب يحلم الملايين بلقائه.

الساخر الجذاب

من المؤكد أن علم هوكينغ كان واحدًا من أسباب شعبيته. لكن على ما حققه من إنجازات في مجال الفيزياء النظرية، وتجديده الاهتمام بالنظرية النسبية العامة بين كثير من علماء الفيزياء، فهذا ليس ما كان يجذب الجمهور، بل هوكينغ الإنسان. ففكرة رجل حبيس كرسي متحرك بعقل يفك طلاسم الكون كانت ساحرة، حتى أن صورته على غلاف كتابه كانت ذات جاذبية لا تُقاوم بنظر الملايين في أنحاء العالم.

حتى بين المعجبين به الذين لم يعرفوه شخصيًا، لم تكن لديهم أدنى فكرة إلى أي حد كان هذه الرجل شخصية استثنائية. فثمة بدهيات بالنسبة إلينا، كالتنفس والكلام والأكل، كان على هوكينغ أن يعمل بمشقة ليمارسها.

كان صاحب نكتة ايضًا، ينظر إلى وضعه وأوضاع العالم من حوله بما يكفي من التقدير للامعقول في وجودنا في هذا الكون. فلم يعتبر نفسه ضحية بل مشاركًا ناشطًا في كون لا يكترث إن كنا سعداء أو متعافين أو قانعين. كان مصممًا على العيش حياة ممتلئة إلى أقصى الحدود، بما في ذلك امتلاء العقل.

كان يبث روحه الفكاهية في كتابته أيضًا. يقول كلاوس إنه حين طلب من هوكينغ أن يكتب مقدمة لكتابه، تلقى قطعة جميلة تجمع بين النقاش الجاد لأهمية المخيلة في العلم والخيال العلمي وقصة رائعة عن مشهده حين لعب البوكر إلكترونيًا مع آينشتاين ونيوتن وداتا وربح من دون أن يحصد ما ربحه.

خرق القواعد كلها

كان هوكينغ يدفع كل أمر إلى أقصاه، في العلم كما في الحياة. كان يستمتع بخرق القواعد لأنه كان يعرف أنه قادر على خرقها. وحين يصمم على شيء، كان من الصعب ثنيه عنه. حاول أكثر من مرة الوصول من نقطة إلى أخرى مندفعًا بكرسيه المتحرك في زحمة السير، متحديًا سائقي السيارات أن يدهسوه. أصر على أن يختبر الإحساس بانعدام الوزن في طائرة خاصة تستخدمها وكالة الفضاء الاميركية، ورافقه في الرحلة ممرضوه الذين أُصيبوا بالغثيان.

كانت جسارته عاملًا مهمًا في نجاحه باعتباره عالمًا وفردًا. فعلى الرغم من الصعوبات، سافر حول العالم أكثر من أغلبية زملائه. يقول كلاوس إنه لا يتذكر مرة واحدة قال فيها هوكينغ إنه لا يريد أن يجرب شيئًا جديدًا، حتى وافق مرة على ربطه بنقالة لانزاله في غواصة كي يشاهد قاع المحيط.

ومن قاع هذا المحيط إلى حافة الفضاء، كان هوكينغ يجبر جسده على مرافقة عقله الذي لم يعرف حدودًا. وطوال حياته الأكاديمية، ركز اهتمامه على مسائل أساسية بشأن الكون، مشجعًا العلماء الآخرين على مرافقته في رحلته الشيقة، وألا يخافوا من مستقبل غير معروف أو من أسرار الوجود المجهولة.

 

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "واشنطن بوست". الأصل منشور على الرابط:

https://www.washingtonpost.com/news/posteverything/wp/2018/03/15/the-time-i-took-stephen-hawking-to-a-cowboy-bar/?utm_term=.248d7b80a015