طُرد عشرات من الدبلوماسين الروس من أكثر من عشرين دولة، بعد اتهام بريطانيا روسيا بالتورط في تسميم جاسوس روسي سابق على أراضيها، فكيف ستؤثر تلك القرارات على التواجد الروسي في شتى أنحاء العالم.

إن قرار طرد أكثر من 140 دبلوماسيا روسيا من السفارات الروسية في أكثر من دولة أوروبية، لم يكن مجرد لدغة عابرة بالنسبة لروسيا التي أغضبها القرار ودفعها إلى معاملتهم بالمثل. فقامت بطرد دبلوماسيين من 23 دولة غربية.

ولكن عدد من طردوا من الدبلوماسيين الروس صغير جداً مقارنة مع وجودها الدولي الكبير. فلدى روسيا 242 موظفا دبلوماسيا في 143 سفارة و87 قنصلية و12 بعثة دبلوماسية أخرى. فشبكتها العالمية تغطي 145 دولة.

لذا تحتل روسيا المرتبة الرابعة عالمياً، وفقًا لمؤشر المعهد الدبلوماسي الدولي لعام 2017 الصادر عن معهد لوي الذي يرتب أهم وأكبر 60 دولة حول العالم في التمثيل الدبلوماسي.

وتأتي الولايات المتحدة في المرتبة الأولى تليها الصين ثم فرنسا، أما بريطانيا فتحتل تحتل المرتبة السابعة ولديها 225 موظفا دبلوماسيا في جميع أنحاء العالم.

روسيا تطرد 60 دبلوماسيا أمريكيا وتغلق القنصلية الأمريكية في سان بطرسبرغ

جمهورية التشيك ترفض مزاعم روسيا بشأن تسميم الجاسوس الروسي

لافروف ينتقد لندن بعد قرارها طرد 23 دبلوماسيا روسيا

شبكة روسيا في المواقع الاستراتيجية

وتعمل روسيا أيضاً على توسيع شبكتها في المناطق الاستراتيجية، فمثلا، عملت مؤخراً على توسيع حجم سفارتها في دبلن. ووصفت الإجراءات التي اتخذتها البلدان التي طردت الدبلوماسيين الروس بأنها الأكبر في تاريخها.

ففي منتصف عام 2017، طلبت موسكو من واشنطن تخفيض عدد موظفي البعثات الدبلوماسية الأمريكية في روسيا بنحو 755 موظفا، كان ذلك رداً على فرض عقوبات على ضم شبه جزيرة القرم وادعاءات التدخل في الانتخابات الأمريكية.

ومع ذلك، فقد كان عدد الدبلوماسيين الفعليين الذين تم طردهم أقل لأن عدد كبير من موظفي السفارات الأمريكية كانوا من الروس الذين يعملون في الخدمات المحلية والإدارية على عكس روسيا التي لا توظف إلا الروس، ربما لأسباب أمنية. بناءً على ذلك، تتكون لدينا فكرة عن النطاق الواسع للوجود الدبلوماسي لكلا البلدين.

ولدى وزارة الخارجية الأمريكية 74 ألف و400 موظف، يعمل 13 ألف و700 منهم في الخدمة الخارجية، و9400 حول العالم.

وليس سهلاً الحصول على الأرقام الدقيقة للعاملين في الشؤون الخارجية الروسية ، ولكن من المرجح أن يكون لديها عدة آلاف من الدبلوماسيين. وهذا لا يشمل عناصر المخابرات السرية أو العملاء السريين الذين لا يتم الإعلان عنهم ويعملون خارج محيط سفاراتها وقنصلياتها.

على عكس المملكة المتحدة التي لديها أكثر من 1600 دبلوماسي في الخارج.

ويوجد في بريطانيا 58 دبلوماسيا روسيا مسلجين في قائمة لدى الحكومة البريطانية.

وبالتالي، فإن طرد 23 من هؤلاء الدبلوماسيين في بريطانيا يؤدي إلى تقليص حجم مهمة روسيا في لندن إلى النصف تقريباً، على الرغم من أن الـ 35 المتبقيين لا يزالون يشكلون عددا مهما.

أما في الولايات المتحدة التي أمرت بإغلاق قنصلية سياتل وطردت 60 دبلوماسياً ، فإن هناك 116 دبلوماسيا في السفارة الروسية في واشنطن وحدها.

بالإضافة إلى ذلك، هناك بعثة روسية في نيويورك في الأمم المتحدة وثلاث قنصليات يعمل فيها حوالي 50 موظفا. بالإضافة إلى مكاتب ثقافية وتجارية ومكتب إعلامي وملحق للدفاع والقوات البحرية والجوية.

فلاديمير بوتين
Getty Images
يواجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مشاكل مع العالم على خلفية حادثة تسميم الجاسوس الروسي

تورط روسيا في حادثة التسميم

قد يرى البعض أن روسيا لا قبل لها بمواجهة الدول الكبرى إذا قارنا بين وجودها الدبلوماسي ومصادر قوتها الرئيسية في مجالات أخرى.

إذا نظرنا إلى ميزانيتها العسكرية فسنجد أنها تقارب عشر حجم ميزانية الولايات المتحدة، وأقل من نصف ميزانية الصين، لكن شبكتها الدبلوماسية هي بنفس الحجم تقريباً. لديها ثامن أكبر عدد سكان و12 أكبر اقتصاد من حيث الناتج المحلي الإجمالي.

وتعكس شبكتها الدبلوماسية الواسعة تاريخها الإمبراطوري كقوة عظمى سواء في القرن التاسع عشر، أو أثناء الحرب الباردة.

فروسيا لديها عدد كبير من الممثلين في دول أوروبا الشرقية والحلفاء الشيوعيين السابقين بما في ذلك الصين وفيتنام وكوبا وأنغولا، وتأثير الحقبة السوفيتية على دول أخرى في أفريقيا وآسيا.

ويعكس حجم الشبكة الدبلوماسية لروسيا طموحها المتزايد حول العالم لذا فإن عمليات طرد دبلوماسيها التي حدثت قد تشكل نكسة مؤقتة فقط للنفوذ الدبلوماسي الروسي.

ومع ذلك، فتقليل حضورها الدبلوماسي في البلدان التي طردت المسؤولين الروس، بالإضافة إلى حلف الناتو، سيضعف جهودها في تلك البلدان ويقلل من أنشطتها التجارية والثقافية. علاوة على ذلك فإن هذه التخفيضات قد تؤدي إلى زيادة حدة قدراتها الاستخباراتية، على الأقل على المدى القصير.

ومن المحتمل أن تركز عمليات الطرد على عملاء الاستخبارات المعروفين، فأستراليا مثلاً، طردت بوضوح اثنين من الموظفين باعتبارهما "عملاء مخابرات غير مصرح بهما" وهو وصف استخدمته المملكة المتحدة أيضًا لكل الدبلوماسيين الـ 23 الذين طردتهم.

وقد يستغرق الأمر طويلاً لكي تستطيع روسيا إيجاد وكلاء جدد محل الذين طردوا، سواء كان داخل السفارات، أو خارج حماية وحصانة سلاحها الدبلوماسي الرسمي.

أما بالنسبة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فهو نفسه عميل سابق في الاستخبارات الروسية، لذا ستقل قدرات روسيا على جمع المعلومات.

اليكس أوليفر، خبيرة روسية في مركز الدراسات الأوروبية في الجامعة الوطنية الأسترالية و مديرة الأبحاث في معهد لوي