مجدي الورفلي من تونس: يعود جدل ما يُعرف بأزمة منظومة الحكم والخلاف بخصوص أسبابها إلى تونس، إذ طُرح مجدا موضوع تغيير نظام الإقتراع من طرف خبراء في المجال القانوني بتأييد من الرئيس الباجي قائد السبسي والأحزاب الكبرى، في مقابل رفض المعارضين.

رغم ان طرح عدد من الخبراء في القانون يجمع بين تغيير نظام الاقتراع بالتوازي مع النظام السياسي للبلاد الا ان الرئيس الباجي قائد السبسي اكتفى خلال خطاب ألقاه بمناسبة إحياء ذكرى إستقلال تونس عن فرنسا، بتأييد فكرة تغيير طريقة الاقتراع التي طرحها الخبراء لتجاوز ازمة الحكم او غياب حاكم واضح لتونس الذي يكرسه الاقتراع على القائمات باعتماد التمثيلية النسبية مع اكبر البقايا المعتمد حاليا.

أكد الباجي قائد السبسي انه لن يقوم بأية مبادرة لتغيير الدستور رغم نقائصه وهناته، لكنه في المقابل أيّد المنادين بتغيير وإعادة النظر في القانون الانتخابي الحالي قائلا "تغيير القانون الإنتخابي أمر مرغوب فيه ويجب المضي في تغييره قبل الانتخابات المقبلة مهما كانت الانتقادات" وإقترح احداث فريق مصغر صلب ما يُعرف في تونس بلجنة "وثيقة قرطاج" للنظر في تعديل القانون الإنتخابي.

تجدر الإشارة الى ان وثيقة قرطاج هي التي أفرزت تغيير حكومة الحبيب الصيد بحكومة يوسف الشاهد وقد بادر بها الرئيس السبسي في 2016، وقد أمضى عليها في البداية 9 أحزب و3 منظمات كبرى وبعد ذلك إنسحبت منها 4 احزاب.

النظام الحالي يفرز الأزمات

أمين محفوظ أحد خبراء القانون الدستوري الذين يطرحون تغيير نظام الإقتراع حتى في الإنتخابات التشريعية التي نظمتها تونس في 2014، وفي حديث لـ"إيلاف"، إعتبر ان التمثيل النسبي مع أكبر البقايا كان نظام إقتراع متماشي مع متطلّبات الفترة التي تلت ثورة 14 يناير وخاصة أن هدف المجلس التأسيسي الذي اُنتخب وفق ذلك النظام صياغة دستور جديد للبلاد، مما يجعل التمثيلية النسبية ضرورية للخروج بدستور يمثّل كل الأطياف السياسية والشرائح المجتمعية.

اما بعد صياغة دستور توافقي، فقد إعتبر الخبير الدستوري انه لم تعد أي حاجة لإعتماد نظام التمثيل النسبي مع أكبر البقايا وقد أنتجت مواصلة الإقتراع وفق ذلك النظام خلال الإنتخابات التشريعية لسنة 2014 مشهدا فسيفسائيا داخل البرلمان وغياب أي حزب فائز بشكل واضح يمكن له تشكيل حكومة بمفرده مما تسبّب في عدم الاستقرار السياسي وفشل عمل البرلمان وتتالي الأزمات السياسية وهو ما انعكس على الوضع الإقتصادي والإجتماعي وعلى تركيز الهيئات الدستورية.

البديل

البديل من وجهة نظر محفوظ، يتمثّل في إقرار نظام الاقتراع بالأغلبية، سواء الأفراد أو على القوائم في دورتين رغم انه يدعم الإقتراع على الأفراد، لكن الأهم هو الإقتراع بالأغلبية التي تفرز حزبا فائزا بوضوح وبالأغلبية المطلقة، مما يخوّل له حكم البلاد دون الدخول في متاهات البحث عن توافقات لتمرير قانون او غيره، كما انه يتيح مسؤولا واضحا في حالة الفشل يمكن للناخبين عدم التصويت له خلال الإنتخابات الموالية.

يذكر ان الانتخابات التشريعية التي تم إجراؤها في تونس سنة 2014 أنتجت فوز حزب الرئيس الباجي قائد السبسي "نداء تونس" بالمرتبة الأولى بتحصّله على 86 مقعدا من جملة 217 مقعد في البرلمان تلته حركة النهضة الإسلامية بـ69 مقعدا، ولكن بعد إنقسامات في حزب نداء تونس تفكّكت كتلته النيابية ليبقى فيها حاليا 55 نائبا فحسب لتصيح حركة النهضة الحزب الاول من حيث عدد نواب الكتلة البرلمانية بـ68 نائبا بعد إستقالة وزير العدل السابق نذير بن عمو من الكتلة.

تتوزع باقي مقاعد البرلمان الـ217 حاليا على 21 نائبا في كتلة "حركة مشروع تونس" المنشقة عن "نداء تونس" ومن ثم "الجبهة الشعبية" المعارضة بـ15 نائبا لتليهم "الكتلة الديمقراطية" المعارضة كذلك بـ12 نائبا ومن ثمّ كتلة "الوطني الحرّ" بـ 11 نائبا و"الكتلة الوطنية" المنشقة كذلك عن "نداء تونس" بـ10 نواب ومن ثم كتلة "آفاق تونس" بـ8 نواب في حين يبلغ عدد النواب غير المنتمين لكتل، 17 نائبا.

مساندة مطلقة

طرح تغيير نظام الإقتراع كحلّ للازمات السياسية التي تعرفها تونس منذ سقوط نظام بن علي في 14 يناير 2011، مساندة، أساسا الأحزاب الكبرى وهي حركة "نداء تونس" وحركة "مشروع تونس" المنشقّة عنها ونوعيا حركة النهضة التي أعلنت في بيان إطلعت عليه "إيلاف" انها تساند الفكرة مبدئيا، لكن دون إعلان عن مساندتها لإعتماد نظام إقتراع بديل دون غيره، حيث إكتفت بالدعوة لفتح نقاش لتطوير النظام الإنتخابي بما يتماشى مع الواقع السياسي.

الناطق الرسمي بإسم حركة "نداء تونس" والنائب بكتلته البرلمانية المنجي الحرباوي إعتبر في تصريح لـ"إيلاف" ان تعديل نظام الإقتراع أصبح ضرورة يتطلبّها الوضع الحالي للبلاد بعد ثبوت إشكاليات النظام الحالي الذي لا يتيح لأي حزب الفوز في الإنتخابات باغلبية مريحة تمكّنه من تطبيق برنامجه الإنتخابي ووعوده ومن ثم فسح المجال لتقييم نجاحه او فشله في إدارة البلاد وأكد أن النقاش بخصوص تغيير نظام الإقتراع سينطلق قريبا.

وأضاف الناطق الرسمي لحركة نداء تونس ان البلاد في حاجة لنظام انتخابي يعطي للفائز في الإنتخابات إمكانية تنفيذ برنامجه وتمرير مشاريع قوانينه خلافا للنظام الحالي الذي يفرض التوافق في كل الملفّات.

تجدر الإشارة الى أنّ البرلمان فشل مؤخّرا في إنتخاب مرشّحيه الأربعة لعضوية المحكمة الدستورية خلال 3 دورات متتالية لعدم توفر الأصوات المطلوبة المتمثّلة في 145 صوتا لكل مرشّح من جملة 217 نائبا في البرلمان لتمرير 3 مرشّحين، حيث لم تتحصّل سوى مرشّحة وحيدة على أغلبية الأصوات المطلوبة فيما فشلت الكتل النيابية في بلوغ توافق بخصوص الـ3 مرشّحين وهو ما جعل عملية إنتخاب البرلمان للـ3 أعضاء المتبقين تعود الى نقطة الصفر من خلال إعادة فتح الباب للكتل النيابية من جديد لتقديم مرشّحيها.

نسف للتعدديّة وتغطية على الفشل

في المقابل، ترفض أحزاب المعارضة تغيير نظام الإقتراع كحلّ لأزمة منظومة الحكم وعدم الإستقرار السياسي في تونس التي شهدت منذ سقوط نظام بن علي 9 حكومات تداولت على السلطة.

من بين تلك الأطراف السياسية إئتلاف الجبهة الشعبية التي تمثّل المعارضة الرئيسية.

النائب بالبرلمان عن إئتلاف الجبهة الشعبية الجيلاني الهمامي أفاد في تصريح لـ"إيلاف" ان طرح تغيير النظام الانتخابي فكرة الرئيس الباجي قائد السبسي وهي مدخل للمرور الى مرحلة تعديل الدستور لتغيير النظام السياسي الحالي المتمثّل في نظام شبه برلماني الى النظام الرئاسي كما يريد قائد السبسي.

وأكد النائب المعارض رفض الجبهة الشعبية لمقترح تغيير نظام الإقتراع وإعتبر الطرح تهديدا جديا للتعددية الحزبية وللمسار الديمقراطي في تونس كما انه من وجهة نظره فالازمة التي تعرفها البلاد والفشل الحاصل ليس مردّه النظام الانتخابي الحالي بل فشل الائتلاف الحاكم المتكون من حركة النهضة والنداء اللذان لا يحملان اي رؤية وبرنامج يمكنهما على ضوئه إدارة شؤون البلاد.

تجدر الإشارة الى انه في تونس يوجد حاليا أكثر من 210 حزب سياسي، كما تعمل الحكومة حاليا على سنّ قانون للاحزاب السياسية تنصّ النسخة الحالية من مشروعه على ان التمويل العمومي للأحزاب يكون فقط للأحزاب الممثلة في البرلمان ووفق عدد المقاعد التي تحصّلت عليها في الإنتخابات التشريعية.