الولايات المتحدة ليس فقط لاعبا رئيسيا في ميادين المعارك المزدحمة في سوريا، لكنها لاعب ذو أهمية شديدة.

فالقوات الأمريكية وحلفاؤها المحليون يسيطرون على مناطق واسعة ومهمة استراتيجيا في الجزء الشرقي من سوريا، وقد ألحقوا الهزيمة، ولو بشكل تقريبي وليس نهائي، بتنظيم ما يُعرف بالدولة الإسلامية هناك.

وفي الآونة الأخيرة، أعلن البيت الأبيض أن القوات الأمريكية ستكمل مهمتها، بالقضاء على فلول تنظيم الدولة، لكنه قال إن ذلك لا يجب أن يستغرق وقتا طويلا.

هذا ما يبدو حتى الآن، منذ أن بدا أن الرئيس، دونالد ترامب، يعيد صياغة سياسة بلاده بشأن سوريا على عجل، عبر إعلانه أن بلاده ستنسحب من هناك "في أقرب وقت ممكن".

وعلى الرغم من نجاح الحملة العسكرية الأمريكية على تنظيم الدولة، إلا أن القضاء عليه تماما لن يكون سريعا، كما يأمل ترامب، ولا سيما أن مقاتلي التنظيم قد أثبتوا صلابة شديدة.

وخرج الحليف المحلي الرئيسي للولايات المتحدة، وهم الأكراد، من المعركة ضد تنظيم الدولة، لكي يساعدوا إخوانهم، شمالي البلاد، الذين يتعرضون لهجوم من حليف آخر للولايات المتحدة وهو تركيا.

لذلك بدا الأمر في غاية التعقيد مع تعليق العمليات البرية ضد تنظيم الدولة الشهر الماضي.

ولكن حتى إذا جاءت لحظة تسمى "النصر"، فإن وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" تخشى من أن الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية سيترك فراغا خطيرا.

وقد يكون في الواقع تنازلا عن المناطق، التي تسيطر عليها الولايات المتحدة، لصالح نظام الرئيس بشار الأسد وحلفائه الروس، الأمر الذي سيمثل خيانة لحلفاء واشنطن السوريين، كما أنه سيحبط جهودها لفرض نفوذها على نظام ما بعد الحرب، الذي يأخذ في الاعتبار مصالح واشنطن ومصالح حلفائها الإقليميين.

بالإضافة لذلك سيعطل استراتيجية الإدارة الأمريكية، الرامية للمساعدة على دعم استقرار مناطق القتال المدمرة، بهدف منع عودة تنظيم الدولة مرة أخرى، وذلك عبر توفير الخدمات الأساسية، التي تمكِّن النازحين من العودة لمنازلهم.

وتتفق وزارتا الدفاع والخارجية الأمريكيتان على هذا النهج.

وسيسمح الانسحاب أيضا لإيران بتوسيع نفوذها الكبير بالفعل، في سوريا والمنطقة برمتها، كما سيسهل جهود طهران الرامية لتأسيس طريق مؤن بري، يمتد عبر العراق إلى سوريا، وصولا إلى حليفها في بيروت، وهو حزب الله.

لكن ذلك يمثل مبعث قلق خطير لإسرائيل، التي تخشى من وجود عسكري لإيران على حدودها، وكذلك للسعودية المنافس الإقليمي الأكبر لإيران.

وقد وصف ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وجود القوات الأمريكية في سوريا بأنه الحصن الأخير ضد التوسع الإقليمي الإيراني.

صقور السياسة الخارجية في واشنطن، الذين أشادوا بهجوم ترامب على الاتفاق النووي مع إيران، لم يتصنعوا كلماتهم، وقال مارك دوبويتز، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، في تصريحات لصحيفة وول ستريت جورنال: "ترامب لا يمكنه أن يمتلك استراتيجية جادة نحو إيران، إذا سمح للإيرانين بالانتصار في سوريا".

وربما تكون لدى ترامب أسباب وجيهة، وراء رغبته في الانسحاب من حرب فوضوية في الشرق الأوسط، وذلك بغض النظر عن حقيقة أنه تعهد بذلك.

ويوجد مؤشر على التزام لا ينتهي بشأن أفغانستان، وقناعته بأن الولايات المتحدة ليس لديها مخزون من تريليونات الدولارات لإنفاقها.

وقال ترامب إنه أكد للسعوديين أنه : "إذا كنتم ترغبون في بقائنا، فربما عليكم أن تدفعوا".

في الحقيقة يبدو هذا الكلام كأنه يلخص منهج ترامب عموما في السياسة الخارجية: صفقات تجارية قصيرة المدى، تركز على ما يمكن تحقيقه في الوقت الراهن، وليس على استراتيجية شاملة، قد تتأثر بظروف تاريخية سلبية ومعقدة.

وعلى العكس من ذلك، كان وزير خارجيته السابق، ريكس تيلرسون، بارعا في وجهة النظر طويلة المدى.

وقبل أن يقيله ترامب بأشهر معدودة، شرح تيلرسون الأسباب، التي تجعل بقاء القوات الأمريكية في سوريا ضروريا للأمن القومي الأمريكي، حتى بعد هزيمة تنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية.

لكن تيلرسون خسر هذا النزاع، وليس واضحا حتى الآن، ما إذا كان القادة العسكريين في إدارة ترامب يمكنهم كسبه أم لا.