بيروت: من النزوح والدمار الى الحصار والجوع وسيطرة "الجهاديين"، لم تنته معاناة مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في جنوب دمشق، وها هو يشكل مجدداً اليوم مسرحاً للمعارك وهدفاً للغارات والقذائف.

يُعد اليرموك أكبر المخيمات الفلسطينية في سوريا، وكان يأوي قبل الحرب 160 ألف شخص بينهم سوريون. وأجبرت الحرب السورية التي وصلت منذ العام 2012 إلى اليرموك سكان المخيم على المنفى مجدداً. 

ويُعد اليرموك وأحياء محاذية له أقرب نقطة وصل اليها تنظيم الدولة الإسلامية من وسط دمشق، ومن الممكن منه رؤية القصر الرئاسي. 

وبعد سيطرته الشهر الحالي على الغوطة الشرقية التي بقيت لسنوات معقل الفصائل المعارضة الأبرز قرب دمشق، يسعى الجيش السوري حالياً لضمان أمن العاصمة ومحيطها.

وبدأ عملية عسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية لطرده من الأحياء التي يتواجد فيها جنوب العاصمة، وهي اليرموك والقدم والحجر الأسود والتضامن.

ويقدر المرصد السوري لحقوق الإنسان عدد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في تلك الأحياء بأكثر من ألف.

ويقود الجيش السوري العملية الحالية، وفق المرصد، بدعم من مستشارين روس ومشاركة مئات العناصر من فصائل فلسطينية موالية لدمشق.

وأفاد المرصد عن مقتل العشرات من الطرفين جراء المعارك والقصف منذ الخميس. ونشر تنظيم الدولة الإسلامية على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً قال إنها تعود لجثث عناصر من الجيش السوري، وقد جرى قطع رؤوس بعضهم.

ومن غير المتوقع أن يصمد مقاتلو التنظيم المتطرف كثيراً امام العملية العسكرية، وهم الذين خسروا خلال العام الماضي غالبية مناطق سيطرتهم في سوريا والعراق، ويتواجدون حالياً في عدة جيوب متناثرة.

قاموس اللا انسانية

يبدو أن معركة جنوب دمشق ستنتهي مع مزيد من الدمار في مخيم اليرموك الذي شهد على معاناة طويلة طوال سنوات الحرب السورية.

وفي أيلول/سبتمبر 2012، شهد المخيم معارك ضارية بين فصائل معارضة وقوات النظام، وانقسمت المجموعات الفلسطينية بينهما. 

وأدت المعارك إلى موجة نزوح ضخمة. وتحدثت الأمم المتحدة عن فرار 140 ألف فلسطيني وآلاف السوريين من المخيم. 

اثر تلك المعارك، سيطرت الفصائل المعارضة على المخيم وفرضت قوات النظام حصاراً عليه أدى إلى ازمة انسانية حادة طالت آلاف المتبقين فيه، وجرى تداول تقارير حول أطفال يأكلون الورق وعائلات تعيش على أكل الحيوانات، فضلاً عن تفشي مرض التيفوئيد.

وفي كانون الأول/يناير العام 2014، انتشرت صورة نشرتها الأمم المتحدة تظهر حشوداً كبيرة تخرج سيراً على الأقدام بين الأبنية المدمرة بانتظار الحصول على المساعدات. ولا تزال تعتبر من أكثر الصور تعبيراً عن مآسي المدنيين في النزاع.

وقال المتحدث باسم وكالة الامم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (اونروا) كريس غانيس في 2014 "تضاف الى قاموس لا إنسانية الانسان تجاه اخيه (الانسان) كلمة جديدة هي اليرموك". 

وفي العام 2015 شنّ تنظيم الدولة الإسلامية هجوماً على المخيم، وطرد الفصائل المعارضة وأحكم سيطرته على الجزء الأكبر منه، فيما سيطرت هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة وقتها) على أجزاء أخرى.

وأدى دخول التنظيم المتطرف الى موجة نزوح جديدة، وفرّ السكان بشكل أساسي إلى بلدات قريبة في جنوب دمشق.

وتقدر الاونروا أن ستة آلاف شخص يعيشون حالياً في المخيم، الذي أنشئ في العام 1957 قبل أن تستبدل الأبنية الخيم التي أوت في البداية مئات العائلات الفلسطينية. وخلال عقود، تحول اليرموك الى منطقة سكنية وتجارية محتفظاً بتسمية "المخيم".

وأبدت المنظمة الدولية في بيان الأسبوع الماضي "قلقها الشديد إزاء مصير المدنيين" مع استمرار "القصف واطلاق قذائف الهاون والاشتباكات العنيفة داخل المخيم وفي محيطه".

وأوردت في بيان أن "الوضع الإنساني في اليرموك صعب جداً منذ فترة طويلة ولا يزال يتدهور سريعاً".