الرباط: استعرضت أودري أزولاي، المديرة العامة لليونسكو، الخطوط العريضة لمشروع "درء التطرف العنيف من خلال تمكين الشباب"، الذي تم إطلاقه قبل شهر بباريس لفائدة أربعة بلدان، بينها المغرب، والذي يهدف إلى مساعدة الشباب على تطوير مهاراتهم وتفكيرهم النقدي.

وقالت ازولاي، في مقابلة مع جريدة "لوماتان" المغربية، الناطقة بالفرنسية،" نحن لا نولد متطرفين، بل نصير كذلك"؛ الشيء الذي يؤكد الحاجة إلى تفكيك كل ما يؤدي إلى التعصب والكراهية؛ فـ"مع الشباب، والمراهنة على طاقتهم وقدرتهم على تعبئة أقرانهم، يمكن أن ننجح في كسب معركتنا ضد التطرف".

وجواباً على سؤال عن أهداف مشروع "درء التطرف العنيف من خلال تمكين الشباب في الأردن وليبيا والمغرب وتونس"، الذي أطلقته اليونسكو ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، قالت أزولاي "إننا نشهد، في جميع أنحاء العالم، ظواهر تطرف تعمل على تقويض السلم المدني وتهدد الحقوق الأساسية. هذا المشروع الجديد، الذي يندرج ضمن استراتيجية الأمم المتحدة التي تم تحديدها قبل بضع سنوات، يسعى إلى المساهمة في درء صعود هذه الأشكال المتطرفة من العنف. تتمثل قناعتي في أننا لا نولد متطرفين، بل نصير كذلك، ولذلك تبقى هناك حاجة إلى تفكيك كل ما يؤدي إلى التعصب والكراهية. وهنا يمكن، بل يجب على مؤسسة كاليونسكو أن تتدخل. إن هذا هو معنى العمل الوقائي الذي نقوم به في عدد من البلدان، والذي سنواصله، في إطار هذه المبادرة الجديدة.

وجواباً على سؤال الكيفية التي يمكن بها إعطاء الأمل لملايين الشباب الذين يعانون البطالة والهشاشة الاقتصادية والإقصاء السياسي، في بعض الأحيان، والكيفية التي يمكن بها لليونيسكو مساعدة السلطات العمومية في التعامل مع تطرف الشباب، ردت أزولاي: "نريد، من خلال هذا المشروع، مصاحبة الشباب في رغبته بالتحرك لتطوير مهاراته وإعمال التفكير النقدي. هذا واحد من أهم الحصون ضد التلقين. يمثل الشباب الفئة الأكثر هشاشة بين السكان، لأن هويتهم لا تزال في طور البناء، فيما تجدهم، في الوقت نفسه، متعطشين للفعل، يبحثون عن المعنى، مع حاجة إلى آفاق مستقبلية. ومع ذلك، يتم، في بعض الأحيان، رفض وجهات نظرهم لأسباب قد تكون اقتصادية، سياسية أو اجتماعية، أو لأسباب تتعلق بالمسار الشخصي. قد ينجذب بعضهم للتوجهات المتطرفة. لكن، التطرف ليس مشروع حياة: إنه استقالة، فشل بالنسبة للفرد، وأيضاً للمجتمع. تهدف برامجنا إلى منح الشباب أسباب الثقة في المستقبل وفي إمكانباتهم الشخصية، عبر تحسيسهم بروح المسؤولية، من خلال جعلهم فاعلين تنمويين لمجتمعهم وبلدهم. وهذا يمر، بطبيعة الحال، عبر فعل تكوين وتربية، ونقل وتشارك القيم كالفهم المتبادل واحترام الحقوق الأساسية ومعرفة التاريخ والموروث. في برامجنا، نقوم، على سبيل المثال، بتعبئة الشباب حول المشاريع الثقافية التي تثمن تاريخهم وهويتهم، مع توعيتهم، في ذات الوقت، بفوائد التنوع الثقافي. كما نقوم بتدريبهم على الاستخدام المسؤول والسلمي للإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي. نريد أن نعطيهم مفاتيح لكي يصبحوا مواطنين كونيين".

وعن سؤال بشأن تناول تركيز المشروع على تعزيز الثقافة، التعليم والتواصل لمواجهة التطرف العنيف، وإن كانت تعتقد أن أصل الشر هو في الفقر والهشاشة وعدم المساواة وانعدام الحرية والديمقراطية، قالت أزولاي "علينا أن نركز جهودنا على جميع الواجهات: التعليم، الشغل، مكافحة الفقر، وغيرها"، مشيرة إلى أن "السياسات التعليمية، مهما كانت طموحة، لا يمكنها أن تؤتي ثمارها بشكل كامل إذا لم تكن جزء من برامج تنمية أكثر شمولاً". 

وأضافت "هذه هي المقاربة الشاملة التي ندافع عنها"، مع تشديدها على أن برنامج التنمية المستدامة، الذي حددته منظمة الأمم المتحدة لنفسها بحلول عام 2030، يهدف، تحديداً، إلى "تحقيق جملة أهداف للتنمية المستدامة المتضامنة: تعليم جيد، قضاء على الجوع والفقر، ولوج إلى الخدمات الصحية، تعزيز الطاقة الخضراء، بناء المدن والصناعات المستدامة، علاوة على أن المساواة بين الرجال والنساء - التي تعد واحدة من أهداف أجندة منظمة الأمم المتحدة - هي، أيضاً، عامل أساسي للسلام والتنمية. باختصار، كل شيء مترابط. وبنفس الطريقة، فإن المعرفة والدراية التي نسعى إلى تطويرها مع الشباب بفضل برامجنا، احترام الذات، الثقة، الدافع، التي نحاول تحفيزها، تسمح بدمج أفضل للشباب في المجتمع، حيث نريدهم أن يكونوا فاعلين وغير متفرجين على سياسات الوقاية. فيما يوفر لهم إشراكهم في مشاريع التنمية المحلية أو الجهوية، فرصًا للتدريب، وبالتالي الشغل. أيضاً، يمكن لهذا المشروع الجديد الذي تم إطلاقه على مستوى الأردن وليبيا والمغرب وتونس، أن يستند على الخبرة التي سبق أن اكتسبناها من خلال أحد برامجنا (نت ميد يوث)، الممول من الاتحاد الأوروبي، والذي مكن، حتى الآن، من تعبئة أكثر من 4 آلاف شاب، منحدر من المنطقة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، من خلال تدريبهم على المواطنة الكونية".

وردا على سؤال حول ما اذا كانت السياسات العمومية وأساليب الحكامة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مسؤولة عن أوضاع الشباب، على اعتبار أنهم هم الأكثر تأثراً بالعقائد الأيديولوجية والتطرف العنيف، ردت أزولاي بالقول إن هذه المنطقة ليست الوحيدة التي تأثرت بالتطرف العنيف. وأن هذه المشكلة تعيشها العديد من البلدان حول العالم، فيما الأسباب عديدة ومعقدة، وزادت: "علينا ألا ننسى المسارات الشخصية المزعزعة للاستقرار، في بعض الأحيان. لكن، يجب على كل مجتمع أن يتساءل بكل وضوح عن العوامل المسببة في ذلك. من المؤكد أننا، من خلال المراهنة على طاقة الشباب، إبداعهم، قدرتهم على تعبئة زملائهم، سنكون قادرين على كسب صراعنا ضد التطرف. المجتمع المدني في الأردن وليبيا والمغرب وتونس غني وحيوي. علينا أن نستغل ذلك، بأن نطور مقارنة تعاون، لا تقتصر على الشباب والسلطات العمومية، بل، أيضاً، الباحثين والخبراء والجمعيات. وستكون اليونسكو إلى جانبهم لإنجاح هذا المشروع وإلهام مبادرات جديدة في أجزاء أخرى من العالم. 

"بناء السلام في عقول النساء والرجال": هذه هي مهمة اليونسكو، المنصوص عليها في ميثاقها التأسيسي. إنه عمل لا ينقطع، فيما يتم ابتكار طرق اشتغاله بشكل متواصل تبعا للتحديات المستجدة، التي تفرض نفسها".