الخرطوم: اعتقلت الشرطة السودانية اليوم الخميس العشرات من المعارضين الذين اتفقوا على تسليم مذكرة للرئيس البشير، والخروج في موكب أطلقوا عليه اسم (موكب الرحيل).

وأعلن تجمع المهنيين السودانيين، عن تظاهرات حاشدة اليوم، تنطلق من عدة مواقع بالعاصمة الخرطوم وتتجه في موكب أطلق عليه "موكب الرحيل" أو (موكب 21 فبراير)، يتقدمه قادة القوى السياسية الموقعون على "إعلان الحرية والتغيير"، بجانب قيادات المهنيين.

وأوقفت الاستخبارات السودانية عددا من قياديي المعارضة ونشطائها لدى تفريق الشرطة بواسطة الغاز المسيل للدموع المئات من المحتجين خلال محاولتهم تنظيم مسيرة باتجاه مقر الرئاسة.

ووصل متظاهرون يهتفون "حرية سلام عدالة" إلى وسط مدينة الخرطوم حيث تصدّت لهم شرطة مكافحة الشغب، بحسب ما أفاد شهود عيان قالوا إن عناصر أمن باللباس المدني أوقفوا عددا من نشطاء المعارضة.

وقالت القيادية في "حزب الأمة" رباح المهدي إنه تم توقيف 26 شخصا على الأقل بين ناشط وقيادي.

وكان تجمّع المهنيين السودانيين، الذي يقود حركة الاحتجاجات، دعا إلى مسيرة نحو المقر الرئاسي لتسليم الرئيس عمر البشير عريضة تطالبه بالتنحي.

وقال شهود عيان إن شرطة مكافحة الشغب فرّقت المسيرة باستخدام الغاز المسيل للدموع ومنعت وصولها إلى المقر الرئاسي.

والخميس نفّذ موظفو شركتي الاتصالات "ام تي ان" و"زين" اعتصامين منفصلين تضامنا مع المحتجين في العاصمة السودانية، بحسب ما أفاد شهود عيان.

ويشهد السودان منذ شهرين حركة احتجاجية شبه يومية إثر قرار الحكومة رفع سعر الخبز، وسرعان ما تحولت هذه الحركة تظاهرات تطالب بإسقاط الرئيس عمر البشير.

وتقول السلطات إن 31 شخصا قتلوا في الاحتجاجات منذ 19 ديسمبر، في حين تتحدث منظمة هيومن رايتس ووتش عن 51 قتيلا، بينهم أطفال وأفراد في طواقم طبية.

في ما يلي تنشر "إيلاف" مذكرة الرحيل التي تحاول قوى المعارضة السودانية طرحها على الرئيس عمر البشير، ولعل أبرز مطالبها، هي حل وتفكيك أجهزة النظام الحالي التشريعية والتنفيذية تمهيدا لإقامة دولة المواطنة على اساس دولة القانون، بالاضافة إلى تقديم كل من أجرم لمحاكمة عادلة وإجراء عدالة انتقالية لبيان الحقيقة ومساءلة الجناة، وإخضاع الفترة الانتقالية لدستور انتقالي موقت متوافق عليه.

ثورة مدفوعة بالإخفاقات الإقتصادية&

بسم الله الرحمن الرحيم

التاريخ 21/2/2019م

السيد رئيس الجمهورية

السلام عليكم وبعد-

نخاطبك باسم قوى الثورة التي تمثل كافة فصائل الشعب في تجمع المهنيين والأحزاب والحركات السياسية المدنية منها والمسلحة، ومنظمات المجتمع المدني، والنازحين واللاجئين، وقوى الشباب الحية، والعمال والمزارعين، والتجمعات النسوية والنقابية الحرة في كل المجالات الإنتاجية، ولجان المقاومة، ومتضرري السدود والأراضي، والمشردين تعسفياً من الخدمة المدنية والنظامية، والحركة الطلابية الذين يقفون جميعاً لتصفية نظام الفساد والاستبداد والعنصرية البغيضة ولإقامة نظام جديد.

لقد تكررت مقاومة المجتمع السوداني ضد النظام الذي أسسه انقلاب يونيو 1989 في هبات عديدة أثناء عهده الذي بلغ ثلاثين عاماً إلا قليلاً.

منذ أواسط شهر ديسمبر 2018م اتسعت وتصاعدت وتيرة ثورة مطلبية لأسباب تراكمية في عدد من ولايات السودان ثم في العاصمة. ثورة مدفوعة بالإخفاقات الإقتصادية والتردي السياسي الوطني الشامل، ودعمتها قوى وطنية واسعة تقدمها تجمع المهنيين السودانيين في ٢٥ ديسمبر وتوسعت القاعدة بتكوين تنسيقية دعم الثورة في ٢٧ ديسمبر لتضم تجمع المهنيين وقوى الإجماع ونداء السودان وتيار الإنتفاضة والجمهوريين، وتوجت جهود الوحدة العريضة بالتوقيع في الأول من يناير ٢٠١٩ على إعلان الحرية والتغيير الذي ضم تجمع المهنيين ونداء السودان وقوى&الاجماع الوطني والتجمع الإتحادي المعارض وتجمع القوى المدنية والذي شكل إصطفافاً وطنياً عريضاً بتأكيد وتوقيع آخرين عليه من مختلف القطاعات والأجسام المجتمعية، فتراكم موقف شعبي يقوده شباب الوطن الذي أظهر روحاً وطنية وبسالة وابتكر أساليب أثبتت الجدوى في مواجهة آلة القمع، وشمل الموقف كل مكونات المجتمع السوداني: المهنيون، والخريجون، والعمال والمزارعون، والنساء وربات البيوت، والحركة الطلابية، والمبدعون والفنانون، ومفصولو&ومتقاعدو&القوات النظامية، وذوو الإعاقة، والطرق الصوفية كما ظهر دور المساجد وأئمتها من الأحرار الذين انحازوا لضمير الأمة. هذا الموقف يمثل ما شهدته البلاد من انتفاضات وما اصطف الآن من قوى مجتمعية عريضة نخاطبكم باسمها.

ظلم النظام

تقول المذكرة: "هذه الثورة الشعبية السودانية مدفوعة بمواجع ومظالم ارتكبها النظام في عهده المظلم أهمها:

الحروب الأهلية التي ارتقت الى&أعظم جرائم القرن بالإبادة الجماعية والتهجير القسري والتغيير الديموغرافي، لاسيما في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وأدت الى دمار القرى وإجبار أهلها للإقامة في معسكرات نازحين ولاجئين تفتقر لأبسط حقوق المواطنة.

التعدي على المساواة في المواطنة والهوية والتمييز عجلت بردة الفعل لإجماع الجنوبيين على الانفصال فانقسم الوطن.

انتهاكات حقوق الإنسان الواسعة في دارفور والمنطقتين وارتكاب جرائم الحرب والإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية، ما أدى للقرارات الدولية ضد حكومة السودان تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

تخندق النظام في وسائل أمنية احتكرت موارد البلاد المالية على حساب الخدمات الاجتماعية والإنتاجية، ما أدى الى تدمير الاقتصاد الوطني، واتبعت سياسة القمع العنيف تجاه المواطنين الذين يطالبون بحقوقهم الطبيعية والدستورية في العيش الكريم.

أدلجة النظام ثقافياً وجهوياً، وعدم الالتزام بتنفيذ اتفاقيات السلام، أدى الى إشعال حروب أهلية في أكثر من جهة.

الأزمة الإقتصادية المستفحلة وتدمير الإقتصاد كنتيجة تراكمية لسياسات الفساد وسحب الدولة من العمل الإنتاجي

تصفية دولة الرعاية الاجتماعية زادت من نسبة الفقر بين السكان.

اتباع تمكين حزبي عازل صار حاضناً لفساد جعل البلاد من الأكثر فساداً في العالم، وتصفية العديد من مؤسسات الدولة الحكومية دون وجه حق وآخرها ميناء البلاد الرئيسي.

اختراق مؤسسات الدولة الحديثة المدنية والنظامية والعسكرية أطاح بقوميتها المعهودة وإنشاء مليشيات مسلحة خاصة بالنظام.

القهر والضائقة المعيشية أجبرا&عدداً كبيراً من السكان للجوء لخارج الوطن.

كل الإحتجاجات المشروعة على هذه المظالم وآخرها ثورة ديسمبر 2018م ووجهت بالقمع بالرصاص الحي والاعتقالات على أوسع نطاق، واقتحمت السلطات المنازل والمستشفيات والمساجد، ومارست التعذيب حتى الموت على نطاق واسع.

اتبع النظام سياسات خارجية محورية لدعم سلطته على حساب المطالب الوطنية.

مطالب قوى التغيير

تضيف المذكرة: "هذه الحيثيات وغيرها هي الدافع للحالة الثورية الراهنة التي تشهدها البلاد وهي المبرر للجبهة المجتمعية العريضة التي نتحدث باسمها، عليه فإننا نطالب النظام الحالي بالتنحي الفوري وأن يسلم السلطة لممثلي الشعب من قوى المجتمع السودانية والمهنية والمدنية المنادية بالحرية والتغيير الذين سيشكلون حكومة قومية مدنية انتقالية تتولى المهام التالية على مدار فترة أربع&سنوات:

(‌أ) حل وتفكيك أجهزة النظام الحالي التشريعية والتنفيذية ومؤسسات دولة التمكين الحزبي وإقامة دولة المواطنة على اساس دولة القانون. و إعلاء سلطة القانون المستمد من الدستور المتوافق عليه.

(‌ب) تقديم كل من أجرم لمحاكمة عادلة وإجراء عدالة انتقالية لبيان الحقيقة ومساءلة الجناة، والالتزام بالقرارات الدولية.

(‌ج) إبرام اتفاقية السلام العادل الشامل لإنهاء حالة الانفصال الاجتماعي والجهوي الذي سببته ممارسات النظام.

(‌د) إخضاع الفترة الانتقالية لدستور انتقالي موقت متوافق عليه.

(‌ه) تنفيذ برنامج اقتصادي إسعافي قائم على التخطيط التنموي وإيقاف الخصخصة ومراجعة ما تم منها، وإعادة دور القطاع العام في الإقتصاد لإعادة التوازن لاقتصاد البلاد، وحل الضائقة المعيشية، ومحاربة الفقر، وحماية مصالح وتطلعات القطاع الخاص العامل في مجالات العمل الإنتاجي الزراعي والصناعي والخدمي والحفاظ علي دوره في تنمية&الوطن، واستعادة الأموال والثروات المنهوبة التي جنبت عن الوطن.

(‌و) قيام مؤتمر إقتصادي يعمل على وضع الخطط الإقتصادية للفترة الإنتقالية.

(ز) عقد مؤتمر دستوري قومي يتوافق فيه أهل السودان على قواعد لحل الأزمة العامة وبناء حاضر ومستقبل السودان والتوافق على مبادئ&الدستور الذي يصنعه الشعب.

(‌ح) بموجب هذا الدستور تتم انتخابات عامة حرة ينتخب الشعب بموجبها حكامه الشرعيين.

هذا هو طريقنا لترسيخ الديمقراطية واستدامة السلام ونهوض الوطن.

إما القمع أو الامتثال للمطالب

تختم الوثيقة بالقول: "إن ما يشهده السودان الآن ثورة مجتمعية أوقدتها إخفاقات النظام، وتطلعات الشعب للسلام والحرية لا يجدي معها ما درج عليه النظام من بطش ومناورة، بل ثبت أن القتل والبطش يزيدان الحماسة ويلهبان الثورة، وسوف نواصل مطالب الشعب المشروعة حتى تتحقق. والخيار أمامكم هو الاستمرار في القمع الذي يجر التضييق والضغط الدولي، أو الإمتثال لإرادة الشعب المشروعة لمولد نظام يعبر بالبلاد لمرحلة تاريخية جديدة تحقق السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الكامل والتنمية العادلة اجتماعياً وجهوياً".