نصر المجالي: تتحدث التقارير عن أن الانشقاق في هرم السلطة السياسية في تركيا أصبح حقيقة واقعة، مع تأكيدات بقطيعة تامة بين أردوغان ورفاقه الثلاثة الكبار عبد الله غل، وأحمد داوود أوغلو، وعلي&بابا جان.

وتشير التقارير السياسية والإعلامية إلى أن السياسيين الأتراك الثلاثة وهم كانوا من أهم اقطاب حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة رجب طيب أردوغان يعتزمون إنشاء حزب جديد مهمته إطاحة أردوغان وحزبه من السلطة وبدء عهد جديد في تركيا.

وتأكيد القطيعة بين أردوغان والقادة الثلاثة، يكشف علانية بعد عدم توجيه الدعوة إلى الرئيس السابق، عبد الله غل، ورئيس الحكومة السابق، أحمد داوود أوغلو، ووزير الاقتصاد السابق، علي بابا جان لحضور مراسم الاحتفال بذكرى تأسيس حزب العدالة والتنمية.

ونقل تقرير صحفي نشره موقع (يني شفق) الإخباري عن ماهر أونال، رئيس قسم الإعلام والترويج بحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، تصريحا برر فيه هذه الخطوة تجاه رفاق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الثلاثة الكبار بالقول: "لا يمكن أن نتوقع دعوة أشخاص لا يرون أنفسهم جزءا من هذه العائلة".

مواقف مناوئة

وعلّق الموقع الإخباري، من جهته، مشيرا إلى أن رفاق أردوغان الثلاثة كانوا "اتخذوا مواقف مناوئة للغاية من الحزب، الذي من المفترض أنهم قاموا بتأسيسه، وباتت مواقفهم أشبه بمواقف المعارضة التي ترفض وجود الحزب أصلا".

وكان ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي، تحدث عن الرجال الثلاثة الذين انشقوا&عن الحزب في مقال عن مناسبة ذكرى تأسيس الحزب، وألمح إليهم بالإشارة إلى وجود "من يحاول التسلق عبر الخروج عن العدالة والتنمية نحو تشكيل آخر".

ورأى أقطاي أن نهج الرفاق الكبار، الذي وصفه بأنه يتمثل في ترقب "لحظة تعثّر رفاقِ الدرب لاحتلال أماكنهم.. لا يستحق التقدير أو الاحترام أو الإعجاب وفق أي مبدأ سياسي كان، مهما كان رفاق الدرب يقومون بأخطاء أيا كانت".

وشدد أقطاي على أن انتقادات هؤلاء "تجاوزت حجمها الضروري، لتخرج عن مقياس الإنصاف والمعقولية"، مضيفا في حوصلة للموقف من رفاق أردوغان السابقين قوله إن "النقد الذاتي باسم حزب العدالة والتنمية شيء حسن، إلا أن على هذا النقد ألا يصل إلى تبني موقف المعارضة الذي يرفض وجوده منذ البداية، أو ينكر حتى تجاربه أو مساهماته الاستثنائية".

يشار إلى أن في يونيو الماضي، اعتبر رئيس الوزراء التركي الأسبق، أحمد داوود أوغلو، أن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، مصاب بحالة من اليأس وسط تزايد خلافات داخلية.

انحراف الحزب

وقال داوود أوغلو، في حديث لصحيفة "فاينانشال تايمز" الأميركية، نشر أمس الثلاثاء، إن "انحراف" الحزب عن قيمه الأساسية يثير استياء عميقا بدءا من صفوفه السفلى ووصولا إلى نخبته الأعلى.

وأضاف داوود أوغلو أن الحزب الحاكم في بلاده سبق أن ثمن "العدالة والحرية وحريتي الفكر والتعبير"، موضحا: "لكن خلال السنوات الأخيرة الـ 3، لاحظت أن هذه القيم الأساسية، التي احترمناها على مدار كل حياتنا، لقيت تجاهلا".

واعتبر داوود أوغلو، الذي سبق أن تولى مناصب رئيس الوزراء التركي ورئيس "العدالة والتنمية" من 2014 حتى 2016، ووزير الخارجية من 2009 حتى 2014، أن "المؤسسات التركية" تزيد ضعفا، مشيرا إلى أن الانتقال إلى النظام الرئاسي، الذي مكن أردوغان من حشد قوة غير مسبوقة عمليا في يديه، "أضر بالهياكل الأساسية" لتركيا.

وعلى الرغم من بقائه عضوا في "العدالة والتنمية"، إلا أنه أكد وجود احتمال لانفصاله لتشكيل قوة سياسية جديدة، ما سيعني انشقاقا كبيرا في الحزب الحاكم، الذي اعتبر داوود أوغلو أنه يمر "بحالة يأس واسعة النطاق".

لا امل كبيرا&

ولم يحدد رئيس الوزراء الأسبق أي موعد دقيق لإنشاء حزب جديد، مشيرا إلى أنه لا يزال يشعر بـ "المسؤولية" عن تنفيذ محاولة لإصلاحه من الداخل، إلا أنه أضاف: "لا أمل كبيرا لديّ".

وتابع بالقول: "إننا بحاجة إلى نفسية جديدة قائمة على الانفتاح والشفافية والحرية والحديث دون أي خوف... لا يمكن أن يكون هناك أي حل في حال تشعرون بالخوف من التفكير والتحدث".
لكن تطور الأحداث اتخذ طريقا آخر في العام الحالي، حيث أصبح داوود أوغلو، إلى جانب أحد مؤسسي "العدالة والتنمية"، علي باباجان، من أكبر المنتقدين الداخليين لنهج حزبه بعد الهزيمة الموجعة التي تكبدها في الانتخابات المحلية، بخسارة كل من اسطنبول والعاصمة أنقرة.

خلافات مع الغرب

ومثلت الانتقادات من قبل النشطاء القدامى في الحزب مثل داوود أوغلو وباباجان الذي أعلن الاستقالة من العضوية في "العدالة والتنمية" ونيته إنشاء قوة سياسية جديدة، مثلت، حسب "فاينانشال تايمز"، "تحديا غير مسبوق" بالنسبة للرئيس التركي، لا سيما في الوقت الذي يواجه فيه مشاكل اقتصادية عميقة وخلافات حادة في العلاقات مع الغرب.

ورد أردوغان بغضب على هذه التطورات، وخاصة احتمالات الانشقاق في حزبه، وقال متوعدا: "هؤلاء الذين يشاركون في مثل هذه الخيانة سيدفعون ثمنا باهظا".

ويشار إلى أنه في ضربة جديدة للرئيس التركي، كان نائب رئيس الوزراء التركي السابق وأحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، علي باباجان، أعلن في مطلع يونيو 2019 استقالته من العضوية فيه.

وقال باباجان، الذي كان يعتبر حليفا لأردوغان وسبق أن شغل مناصب حكومية عدة في تركيا: "كنت أحد مؤسسي حزب العدال والتنمية عام 2001 &وأنا فخور بأنني أسهمت قدر الإمكان في تطوير بلادنا. وخلال تولي منصبي، كنت مؤمنا بالمبادئ والقيم التي أعلنها حزبنا، لكن في السنوات الأخيرة نشأت فجوة عميقة بين العمل الحقيقي والمبادئ في كثير من أنواع الأنشطة، مما شكل صدمة كبيرة بالنسبة إلي".&

وأضاف باباجان، الذي سبق أن تولى مناصب وزير الاقتصاد ووزير شؤون الاتحاد الأوروبي ووزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء، أن "العالم تغير سريعا، وباتت تركيا تواجه تحديات كثيرة".

وتابع: "إن تركيا بحاجة في الظروف الراهنة إلى رؤية جديدة للمستقبل، ولا بد من محللين محترفين واستراتيجيين وبرامج جديدة تستجيب لروح الزمن. أنا وكثير من زملائي نشعر بالمسؤولية التاريخية عن القيام بهذا العمل، الذي سيكون ممكنا في حال إشراك كوادر جديدة. وفي هذا السياق يعد استمرار عضويتي في حزب العدالة والتنمية أمرا مستحيلا، واليوم قدمت استقالتي&منه".