بيروت: تزعم أبو بكر البغدادي لبضع سنوات تنظيم داعش الذي سيطر في وقت من الأوقات على مساحات شاسعة من سوريا والعراق وأعلن فيها "دولة الخلافة". لكن كيف تحوّل البغدادي &إلى زعيم أبرز التنظيمات المتطرفة في العالم، قبل أن يقتله فريق كوماندوس أميركي الاحد في شمال غرب سوريا؟

فيما يلي إجابات من كاتبة سيرة حياة البغدادي صوفيا أمارا، على أسئلة وجهتها إليها وكالة فرانس برس حول هوية ومسيرة من وصفته بـ"خليفة الرعب".

أي نوع من القادة كان البغدادي؟

تلخص أمارا شخصية البغدادي بأنها خالية من الجاذبية، "مثيرة للشفقة" أحياناً، ولا تعكس الموقع الذي تولاه كزعيم تنظيم متطرف تحكّم في وقت من الأوقات بمصائر 7 ملايين شخص.&

وتوضح الكاتبة أنه لم تكن لدى البغدادي "كاريزما وكان كتوماً جداً كما يقول كل الأشخاص الذين عاشروه، لكنه اكتسب شجاعة في ما بعد، جراء النفوذ الذي كان يتمتع به بفعل موقعه كخليفة على رأس دولة غنية وعنيفة للغاية وقادرة على توجيه ضربات حتى في قلب أوروبا". &

ومع ذلك، كان "يتحدث دائماً بصوت منخفض (...) ويعطينا انطباعاً أنه ليست لديه السلطة التي يمنحه إياها منصبه".&

ولفتت الكاتبة إلى أنه "عندما نشاهد أول شريط مصوّر له عام 2014 حين أعلن نفسه خليفة، نرى رجلاً أعرج يصعد درج" منبر في أحد مساجد مدينة الموصل في العراق. برأيها، فإن ذلك الرجل "لم يكن يوحي بالرعب. بدا إماماً عادياً".

منذ صغره، كانت لدى البغدادي صعوبة في الكلام. كان يتدرّب أمام المرآة لساعات عدة ليتمكن من تركيب بضع جمل. ولم تسمح له نتائجه الدراسية في أن يحقق طموحه بأن يصبح محامياً، بحسب أمارا، كما لم يتمكن من الالتحاق بالسلك العسكري بسبب ضعف بصره.

ونقلت أمارا عن زوجة البغدادي السابقة وصفها إياه بأنه "كان صبوراً جداً، وكانت لديه ذهنية مدرّس".&

وتشير أمارا إلى حادث بدت فيه شخصية البغدادي "مثيرة للشفقة" على حدّ قولها، إذ تروي نقلاً عن رهينة أيزيدية في العراق كانت محتجزة مع فتيات في عهدة البغدادي أنه طلب منهن في إحدى الليالي وتحت قصف قنابل التحالف الدولي، الاغتسال، وراح بعد ذلك يقرأ لهنّ القرآن عند الثالثة فجراً.&

كيف نجح في فرض نفسه؟

تعتبر أمارا أن المال والسلطة ومعرفته الدينية ونجاحه في استغلال الجغرافيا والتحالفات لصالح مشروع "الخلافة" هي التي مكنته من فرض نفسه رغم افتقاده لمعايير الشخصية القيادية.&

وتقول إن بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة وغريم تنظيم داعش، كان معارضاً لأن يصبح البغدادي رمزاً جهادياً.&

واعتبر بن لادن الذي أعلن الأميركيون كذلك قتله في عام 2011، أن "البغدادي لم يكن يملك لا الشرعية ولا المركز ولا الخبرة" ليكون في مثل هذا الموقع، وفق أمارا.&

وتشرح أمارا "لم يتمتع بكاريزما، لكنه نجح في التغلب على خجله بفضل المال من جهة وبفضل السلطة التي كان يمارسها على رجال يخضعون لأوامره"، من جهة ثانية، راوح عددهم بين "50 و60 ألف مقاتل".&

وافتقد البغدادي أيضاً إلى خبرة عسكرية، فهو "لم يحارب في أفغانستان ولم يذهب إلى باكستان، فعلياً هو لم يحمل أسلحة إنما كان إماماً" فقط، وفق الكاتبة.&

وسعى للتعويض عن "النقص في الشرعية العسكرية عبر التعويل على معرفته بالفقه الاسلامي"، كما كان يعمل "لحيازة دكتوراه في علم الشريعة"، بحسب أمارا.&

وأدخل البغدادي إلى تنظيمه ضباطاً من الجيش العراقي الذي كان في وقت من الأوقات عصب نظام صدام حسين البعثي في العراق قبل سقوطه بعد الغزو الأميركي عام 2003، بحسب الكاتبة.&

ونجح أيضاً "بالاستفادة من الأحداث في سوريا لربط البلدين وإقامة الخلافة".&

ما الإرث الذي خلفه؟

لعلّ أبرز ما قام به البغدادي هو "نجاحه في تنفيذ مشروع الخلافة على الأرض، وهو أمر فشل بن لادن نفسه بتحقيقه"، ولو كان ذلك لوقت قصير قبل أن يخسر التنظيم آخر معاقله في سوريا في مارس 2019.&

ولخمس سنوات، تحكم التنظيم بأراضٍ شاسعة، وكانت له محاكمه الخاصة، وحتى نظامه الضريبي وعملته.&

وبات تنظيم "داعش" بعد تلك الخسارة مجرّد تنظيم مسلّح قوامه خلايا نائمة قادرة فقط على أن تقوم بهجمات متفرقة بين سوريا والعراق.

ورغم هزيمة التنظيم عسكرياً، إلا أن زعيمه "المثير للشفقة" خلّف إرثاً من "الرعب".

وقد حاول "البغدادي تمتين صورة التنظيم الذي كان يحتضر عبر (تنفيذ) عمليات دامية، وهذا ما حصل". وتقول أمارا إن البغدادي "وعصابته" قاموا بأفعال "تخطّت حدود الرعب"، من قتل جماعي وسبي واغتصاب وقطع رؤوس.&

بالإضافة إلى هذا الإرث الدامي، فإن رحيل البغدادي لا يعني انتفاء الايديولوجيا التي كان يمثلها.&

وتوضح أمارا أنه على الرغم من أن "رحيل البغدادي هو بالطبع أمر مهم رمزياً"، لكنه ليس "ضربةً قاضية" للتنظيم، فهذا التنظيم "ايديولوجيا وليس أشخاصاً"، كما أن أسباب ولادة "هذا الوحش لا تزال موجودة واختفاء البغدادي لن يغيّر شيئاً فيها".

من جهة ثانية، أشارت إلى أن "الإضافة التي أعطاها" أيضاً "هي أنه اعتبر أنه ينبغي التعاون مع أشخاص كانوا موالين (للرئيس العراقي السابق) صدام حسين"، وبفضل هذه الاستراتيجية "نجح في تنفيذ مشروعه".