طرابلس: يبدو الليبيون كأنهم فقدوا الأمل في خروج بلادهم من النفق المظلم الذي دخلت فيه منذ سنوات، في ظل فشل المجتمع الدولي في كبح التدخلات الأجنبية التي تجعل كل حل ليبي ليبي بعيد المنال.

تعمّ الفوضى ليبيا منذ سقوط نظام الزعيم معمّر القذافي في 2011، ويشهد محيط طرابلس معارك بين القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج والمعترف بها من الأمم المتحدة، وقوات المشير خليفة حفتر، الرجل النافذ في شرق البلاد الذي بدأ في أبريل هجوما باتجاه العاصمة حيث مقر حكومة الوفاق، للسيطرة عليها.

تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في 12 يناير بمبادرة من موسكو وأنقرة، لكنه لا يزال هشا، ويتبادل الطرفان اتهامات بخرقه. وسعيًا الى تحويل وقف إطلاق النار الى هدنة دائمة، تعهد مؤتمر دولي عقد في برلين في 19 يناير بوقف التدخلات الخارجية وتسليم الأسلحة لطرفي النزاع. لكن الليبيين لم يعودوا يصدقون الوعود.

يقول نوري بن غرسة، وهو موظف حكومي، لوكالة فرانس برس، "الليبيون سمحوا للأطراف الأجنبية بالتوغل في شؤونهم الداخلية منذ إسقاط نظام القذافي، ومنذ ذاك التاريخ لم يتمكنوا من التحرر من هذه التبعية".

يتابع بن غرسة بينما يقوم بشراء بعض الخضر في سوق مدينة جنزور في غرب طرابلس، "السياسيون ساهموا في هذه التبعية للأجنبي، نراهم يمتنعون عن الحوار داخل ليبيا، فيما يهرولون إلى عواصم أجنبية لتفرض عليهم أجندة دول بعينها، بدلا من صناعة قرارهم السياسي داخليا بعيدا عن التأثير السلبي الخارجي".

وسقط القذافي بعد انتفاضة شعبية عارمة ضده تلاها تدخل عسكري شاركت فيه فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة. أما اليوم، فتدعم تركيا حكومة الوفاق، بينما يحظى حفتر بدعم روسي وإماراتي ومصري وسعودي، في انعكاس واضح للاصطفافات الإقليمية.

معركة كبرى
يرى تاجر الملابس سالم فرج المحمودي أن المجتمع الدولي "فشل في كبح جماح الدول الداعمة لحفتر أو السراج"، مضيفا أنّ تلك الدول "تقوم باستغلال الهدنة لنقل تعزيزات عسكرية استعداداً لمعركة كبرى في طرابلس".

إزاء ذلك، يعتبر الطرفان المتنازعان، بحسب محمودي، أن "الحل العسكري هو الحل الوحيد المتاح للأزمة". وأسفرت المعارك في محيط طرابلس، وتحديداً جنوبها، عن مقتل أكثر من 280 مدنياً، بحسب الأمم المتحدة التي تشير أيضا إلى مقتل أكثر من ألفي مقاتل ونزوح 146 ألف شخص منذ اندلاع المعارك.

يواصل أعضاء مجلس الأمن الـ15 في نيويورك مناقشة مشروع قرار في شأن ليبيا من دون أن يتوافقوا حتى الآن على نص يطرح للتصويت.

وأعربت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا في بيان صدر في نهاية الشهر الماضي، عن "الأسف الشديد (...) للانتهاكات الصارخة المستمرة" في ليبيا.

أكدت أن"الهدنة الهشة مهددة بما يجري من استمرار نقل المقاتلين الأجانب والأسلحة والمنظومات المتقدمة إلى الأطراف من الدول الأعضاء، من بينها دول شاركت في برلين".

وتابع البيان "على مدار الأيام العشرة الماضية، شوهدت العديد من طائرات الشحن والرحلات الجوية الأخرى تهبط في المطارات في الأجزاء الغربية والشرقية من ليبيا، لتزويد الأطراف بالأسلحة المتقدمة والمركبات المدرعة والمستشارين والمقاتلين".

ويعرب الطالب الجامعي محمد الباروني عن اعتقاده بأن استمرار الحرب في طرابلس لفترة طويلة "شجع الدول الداعمة لطرفي النزاع (...) على إرسال دعمها العسكري من دون خجل أو خوف من المجتمع الدولي".

يقول "باتت العاصمة ومحيطها وكراً للمرتزقة سواء مع قوات حفتر أو الوفاق (...) تحوّلت ليبيا إلى مكب بشري لمرتزقة العالم، استعداداً لمعركة لا نعلم مصيرنا جرائها".

ونشرت في المدة الأخيرة وسائل إعلام محلية صورا ومقاطع فيديو لم يتسن التحقق من صحتها تظهر أسلحة تركية ومقاتلين سوريين موالين لأنقرة وصلوا حديثا إلى طرابلس ليقاتلوا الى جانب قوات حكومة الوفاق.

كما تحدثت تقارير عن نقل أسلحة وذخائر ومقاتلين إلى مطارات وقواعد عسكرية في شرق ليبيا الواقع تحت سيطرة قوات حفتر.

لمسات أخيرة
واجتمع الثلاثاء للمرة الأولى ممثلون عسكريون عن الطرفين في جنيف، في إطار اللجنة العسكرية المشتركة المنبثقة عن مؤتمر برلين. وأعلن الموفد الدولي الى ليبيا غسان سلامة في أعقاب الاجتماع أنّ الطرفين وافقا "على مبدأ" تحويل الهدنة "إلى وقف فعلي ودائم لاطلاق النار".

لكن ابتسام المزوغي، وهي أم لأربعة أبناء وموظفة متقاعدة، ترى أنّ "الفرصة ضاعت من يد الليبيين (...) وأصبح جليا أن الحرب الأهلية هي المستقبل الذي ينتظرنا". وتقول "سنكتفي بمشاهدة واقع يزداد سوداوية يوما تلو الآخر".

تبدي الموظفة المتقاعدة خشيتها من أنّ "ليبيا مقبلة على مشروع يشبه إلى حد كبير سوريا"، معتبرة أن بلدها "سيقسم إلى مناطق نفوذ أجنبي".

تضيف "الحديث عن مؤتمر برلين أو حوار جنيف ليس لإنهاء الحرب، وإنّما فقط لوضع اللمسات الأخيرة على مناطق نفوذ اللاعبين الدوليين".