شملان: منذ أشهر طويلة، خطّطت مايا وراكان لزفاف استثنائي في الفاتيكان، لكن فيروس كورونا المستجد حلّ ضيفاً ثقيلاً بلا دعوة، فانتهى بهما الأمر يتزوجان في كنيسة قرب بيروت بحضور قرابة عشرة أشخاص وغياب الزينة والموسيقى وضوضاء المدعوين.

يشكّل بدء فصل الربيع افتتاحاً لموسم الأعراس ولعمل منظمي الحفلات ومقدمي الخدمات التي ترافقها، وهو قطاع مهم في الاقتصاد اللبناني. إلا أنّ تفشي وباء كوفيد-19 بدّل خطط الراغبين في الزواج وشلّ الإنتاجية كما بالنسبة الى معظم القطاعات الاقتصادية.

لم تتوقع مايا خضرا (26 عاماً) أن تتزوج يوماً في "كنيسة خالية"، هي التي أرادت مع خطيبها راكان غصين (28 عاماً) حفل زفاف لا يُنسى.

في كنيسة سيدة المعونات في قرية شملان الوادعة في منطقة جبل لبنان على بعد قرابة عشرين كيلومتراً من بيروت، احتفل العروسان الأحد الماضي بزفافهما في حضور أفراد عائلتيهما الصغيرتين، بينما كانت الأمطار تتساقط بغزارة في الخارج.

قالت مايا، الشابة ذات العينين الخضراوين، لوكالة فرانس برس قبل بدء مراسم الزواج "غيّر كورونا كل شيء بما فيه زواجنا".

أضافت العروس التي ارتدت فستان زفاف أنيق، ووضعت ورودا بيضاء على شعرها، "اتصلوا بنا من الفاتيكان، وأبلغونا أنهم ألغوا كل الأعراس لمدة تسعة أشهر، ووجدنا أننا أمام خيارين: أن نؤجّل لتسعة أشهر أو أن نتزوج".

وفضّل العروسان الخيار الثاني لأن "أحداً لا يعلم متى سينتهي كورونا أولًا، ولأن التأجيل بمثابة إضاعة للوقت ثانياً"، وفق الصحافية الشابة.

أما السبب الثالث الذي لا يقلّ أهمية، وفق راكان، وهو مالك ناد رياضي، فهو "أننا لا نريد أن نرتّب عبئاً على المدعوين بسبب كورونا، ونريد ان نضمن عدم الاختلاط".

لا تجمّعات
في قاعة الكنيسة، تولّت شقيقة العروس الردّ على اتصالات المهنئين عبر الفيديو والواتساب. وقالت العروس بغصّة إن غياب الأصدقاء هو "الأصعب"، إذ "كانوا أكثر حماساً منّا".

سجّل لبنان رسمياً 725 إصابة بالفيروس بينها 24 وفاة. وتفرض السلطات تعبئة عامة وإقفالاً للمؤسسات على أنواعها منذ منتصف مارس، إضافة الى إغلاق المطار والحدود. وبدأت في الأسبوع الحالي خطة من خمس مراحل لتخفيف الإجراءات تنتهي في 8 يونيو. لكنّها لا تلحظ السماح بالتجمعات والاحتفالات حتى إشعار آخر.

قال والد راكان إنه لم يكن متحمساً لزفاف مختصر، ورغب في دعوة "ألف شخص"، كما فعل خلال أعراس أبنائه الستة الآخرين.

في لبنان، تطغى على الزواج المظاهر الاحتفالية، بغضّ النظر عن ديانة العروسين أو وضعهما الاجتماعي والمادي. ولعلّ القاسم المشترك هو عدد المدعوين بالمئات، وما يرافق الزفاف من مواكب سيارات وتنسيق زهور وموسيقى وراقصين وعشاء ومفرقعات ومصورين يستخدم غالبيتهم الطائرات المسيرة للتصوير.

وخصّص عدد من المصارف خلال السنوات الماضية قروضاً للراغبين في الزواج، لأن كلفة حفلات الزفاف التي يوكل تنظيمها لشركات محترفة تتراوح بين مئتي ألف و800 ألف دولار كمعدل وسطي.

إجمالا، يختار الشبان والشابات اللبنانيون الذين يعيشون في بلدان الاغتراب العودة الى بلدهم خلال فصل الصيف لإقامة اعراسهم.

تتضمن حفلات الزفاف غالبا عشاء مع أنواع شتى من الطعام، تقام في مطاعم او فنادق فخمة أو منتجعات بحرية. وانتشرت خلال السنوات الأخيرة قاعات ومساحات في الهواء الطلق أقيمت خصيصا لتنظيم أعراس فيها، على شاطئ البحر أو في مناطق جبلية وسط مناظر طبيعية خلابة. ويدفع العروسان آلاف الدولارات لاستئجار هذه الأماكن، إضافة الى كلفة الملابس والطعام والخدمات الأخرى. في المقابل، باتت ايضا عادة الزواج في الخارج تلقى رواجا. وبالنسبة الى المقتدرين ماليا، يعملون احيانا على حجز رحلات طيران خاصة لنقل مدعويهم الى إيطاليا أو قبرص أو باريس أو غيرها من الدول، للمشاركة في العرس.

وإجمالا، يختار الشبان والشابات اللبنانيون الذين يعيشون في بلدان الاغتراب العودة الى بلدهم خلال فصل الصيف لإقامة أعراسهم.

وأرجأت شانيل فياض (29 عاماً) وخطيبها مهندس المعلوماتية إيلي قسيس (32 عاماً) زواجهما الذي كان مقرراً في وقت سابق هذا الشهر حتى الأسبوع المقبل، بعدما فرضت الحكومة حظر تجول يوم زفافهما.

تقول المدرّسة لفرانس برس عبر الهاتف "قررنا السير بزفاف مختصر لنضمن وجودنا معاً ونستغل فرصة الحجر لنقضي وقتاً أطول سويا خصوصاً أننا لا نعمل" جراء حالة الاغلاق العام. وتضيف "من يعتقد أن الوضع سيتحسّن بعد انتهاء كورونا مخطئ، لأنّنا مقبلون على الأسوأ اقتصادياً".

ويشهد لبنان انهيارا اقتصاديا هو الأسوأ منذ عقود دفع الحكومة الى الإعلان الخميس عن توجهها لطلب مساعدة من صندوق النقد الدولي.

تحدّ مزدوج
توضح باميلا منصور مهنا التي تملك مع آخرين شركة "ماين" المختصة بتنظيم الأعراس والمناسبات أنه "تمّ إلغاء أكثر من 75 في المئة من الحفلات" في لبنان والخارج جراء تفشّي الفيروس.

تقول "نواجه تحدياً مزدوجاً. فإذا انتهت أزمة كورونا علينا أن نرى كيف سنتعامل مع الأزمة الاقتصادية" التي بدأت معالمها منذ الصيف الماضي، ما دفعها مع شريكها إلى تأسيس شركة شقيقة في الرياض قبل ستة أشهر. وتضيف "بعد كورونا سنعمل على تقوية عملنا في الخارج".

يعدّ تنظيم الأعراس مورد رزق لآلاف العائلات. وهو من القطاعات المنتجة التي تدر ملايين الدولارات، وفق العاملين في المجال. ويعمد الراغبون في الزواج الى حجز الكنائس والمطاعم والفنادق والثياب قبل عام على الأقل من موعد الزفاف. تشرح باميلا أنّ كل حفلة توصف بأنها "باذخة" تؤمّن دخلاً لأكثر من ألف عائلة. وهؤلاء مهددون حالياً بخسارة دخلهم.

وبينما تراهن سيدة الأعمال الشابة على أن تسمح الحكومة مجدداً بتنظيم الحفلات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه خلال الشهرين الأخيرين من الصيف، قال رئيس دير سيدة المعونات الأب حنا خضرا مبتسما قبل ان تبدا مرسام زواج راكان ومايا، "الحب أقوى من كورونا ومن الموت والمخاطر كافة". وحثّ الراغبين في الزواج على الإبقاء على مواعيد زفافهم "لأن الحبّ لا يؤجل".