كثيراً ما توصف أزمة فيروس كورونا في إيرلندا بأنها حالة طوارئ عمت كافة أنحاء الجزيرة التي تضم كذلك إيرلندا الشمالية التابعة لبريطانيا، في ما قد يشير إلى أن الوباء أعاد إلى السطح قضية توحيد الشطرين التي لطالما كانت مصدر توتر في المنطقة.

ومع ظهور الأزمة، تم إحصاء أعداد الوفيات بكوفيد-19 على أساس الجزيرة بأكملها، وهو رقم بلغ 1684 بداية الأسبوع الجاري. وقال وزير الصحة الإيرلندي سايمون هاريس مع تفشي الوباء الشهر الماضي "إنه لا يعرف حدودا وجميعنا متأثرون في هذا الوضع معا".

وأضاف "من الضروري أن نواصل بذل ما في وسعنا في أنحاء الجزيرة لمكافحة هذا الوباء". وإذا ما قرئت في سياق الجدل المستمر منذ عقود على مصير إيرلندا الشمالية، قد تحمل تصريحاته معنى بين السطور.

وذكرت الكاتبة أونا مولالاي في صحيفة "ذي غارديان" البريطانية "حاليا، ينظر الناس إلى مسألة الوحدة الإيرلندية من عدسة علم الأوبئة". وأضافت "يحمل الوباء معه أموراً كثيرة، لكنه سياسي، وبالتالي ستكون عواقبه كذلك أيضاً".

القضية العلمية

لطالما كان التعاون بين الاختصاصات القضائية لإيرلندا وإيرلندا الشمالية مسألة حساسة. وانقسمت المنطقة البريطانية في الشمال تقليديا بين الجمهوريين الراغبين بالانضمام إلى الجنوب والوحدويين المتمسّكين بالارتباط بالمملكة المتحدة.

ودفع البعض أرواحهم ثمن الانقسام إذ قتل 3500 شخص خلال نزاع استمر ثلاثة عقود وأطلق عليه "المشاكل".

ووضعت الحرب أوزارها إلى حد كبير إثر توقيع اتفاقية سلام في 1998 أسست لحكومة تقاسم سلطة وتضمنت فقرة تتيح إجراء استفتاء وحدة في حالات معينة.

لكن العلاقات بين طرفي المعادلة لا تزال مشحونة. إلا أن الوباء دفع الطرفين إلى التعاون الذي يبدو أن لا مفر منه لأسباب طبية بعدما انتشر الوباء من دون أن يهتم بالحدود.

وقال هاريس في وقت أعلنت دبلن الجمعة خطة لإعادة مظاهر الحياة الطبيعية "الواقع يقول إنه من وجهة نظر وبائية، فمن المنطقي للجزيرة أن نكون الواحد الى جانب الاخر قدر الإمكان".

وذكر أن الأمر "ليس لمنطلقات سياسية" بل "من وجهة نظر تتعلق بالصحة العامة تماما". ولم يكن هناك رأي مخالف لهذا التوجه حتى ضمن صفوف أشد المؤيدين للوحدة في إيرلندا الشمالية.

ثمن التباعد

وعلى الرغم من الوعود الفضفاضة بالتعاون والتنسيق، اتخذت إيرلندا الشمالية والجمهورية الإيرلندية نهجين مختلفين في التعامل مع الفيروس.

وطبّقت إيرلندا إجراءات الإغلاق في وقت أبكر وركزت بشدة على الاختبارات. في المقابل، اتبعت إيرلندا الشمالية نهج بريطانيا الأقل صرامة.

ويقول البعض إن التكلفة البشرية لعدم التعاون بين السلطات أصبحت واضحة، بحيث ارتفعت حالات الإصابة في المقاطعات الإيرلندية المحاذية للحدود مع إيرلندا الشمالية.

ويبلغ معدل الإصابة في مقاطعة كافان الحدودية الآن 883 لكل 100 ألف، وهي أعلى نسبة في البلاد وتزيد حتى على العاصمة دبلن، وفقا للبيانات الصادرة الأحد عن مركز مراقبة حماية الصحة.

ويقول رئيس علم الأوبئة في الجمعية الملكية للطب غابرييل سكالي إن عدم وجود خطة للجزيرة كلها يعني "مخاطر هائلة" في ما يتعلق بأرواح البشر.

ويضيف "البيانات عن كوفيد-19 في إيرلندا الشمالية هي ثقب أسود".

وتساءل "كيف بإمكاننا معرفة سبب الإصابات الكبيرة في المقاطعات الحدودية؟ ربما هناك تمدد من الشمال. من يدري؟".

علم منفصل

تتصارع الدول المجاورة في جميع أنحاء العالم مع مسائل التوافق والتنسيق في أزمة الفيروس، ومعظمها من دون مناقشة قضية التوحيد.

وقد يعتبر كثيرون أن مراعاة العلم أمر غير سياسي على نقيض التيارات الغارقة في السياسة والعاطفة التي ستتحكم في نهاية المطاف في مسألة الوحدة الإيرلندية.

وأشار إيونان أوهالبين من كلية "ترينيتي" في دبلن إلى الأزمات السابقة -- مثل تفشي مرض الحمى القلاعية في 2001 -- والتي تم التعامل معها على أساس "كل الجزيرة".

وقال "يمكنك الحصول على كل التعاون الذي تريده بدون الحصول على أي دفعة سياسية منه". واضاف "هذا أمر عملي. لكن ذلك لا يعني أن الوحدة باتت أقرب".