فيما يخضع سكان الأرض لقيود على التنقل والسفر، بسبب كورونا، يسأل من يرغبون في السفر عن موعد عودة الحياة إلى طبيعتها، منتظرين فتحًا علميًا يفك أسرهم، ويعيد نبض الشوارع والمدن السياحية التي تحولت إلى أماكن موحشة.

"إيلاف" من بيروت: متى تعود الحياة حقًا إلى طبيعتها ونتمكن من السفر الآمن؟ تستمر بعض الحكومات في مد فترات العزل الاجتماعي حتى بدا أنها لن تنتهي، فمتى سيتوقف كل ذلك؟ ومتى سنتمكّن بأمان تام من النزول إلى الشارع والسفر لقضاء إجازة ممتعة؟ لا بد من أن هذه هي الأسئلة التي جالت في خاطرك طوال الأسابيع القليلة الماضية.

حتى يومنا هذا، لا يزال من يسافر معرضًا للإصابة بفيروس كوفيد-19، سواء على متن الطائرة، في المتحف، في المقهى، أو في أي مكان آخر. لذلك، بدهي القول إن العودة إلى السفر الآمن تمامًا ستستغرق بعض الوقت.

متى نعود إلى حياتنا الطبيعية؟

يعمل مسؤولو الأنظمة الصحية في العالم على تسطيح المنحنى لإبطاء انتشار فيروس كوفيد-19، حتى تتمكن الأنظمة الصحية من التعامل مع الإصابات وعدد الوفيات المحتمل. لكن المنحنى المسطح لا يعني أن المرض اختفى، بل يعني فحسب أن العدوى تباطأت بدرجة كافية حتى لا يزداد الضغط على المستشفيات.
كي نكون آمنين من الفيروس، يحتاج نحو 70 في المئة من سكان العالم إلى تطوير مناعة ضده. سيحدث هذا عندما يكون اللقاح متاحًا في كل بلد (وهو أمر غير مرجح حتى منتصف عام 2021) أو عندما يتعافى عدد كاف من الأشخاص ويطورون أجسامًا مضادة كافية.

حتى تكون الأنشطة المنتظمة، بما في ذلك السفر، آمنة مرة أخرى، نحتاج إلى منحنى مسطح، واتباع الناس إجراءات الوقاية والتباعد الاجتماعي وغسل اليدين المتكرر مدة 20 ثانية.

التباعد الاجتماعي سيستمر طويلًا متحكمًا بالسياحة العالمية

موجات لاحقة

تخفض عمليات الإغلاق وتجنب السفر غير الضروري انتشار الفيروس بشكلٍ ملحوظ، ما يسمح للدول بتسطيح منحنياتها وتجهيز أنظمتها الصحية بشكل أفضل لمكافحة الوباء. ومع ذلك، فإن الخبراء قلقون من أن معدل الانتشار سيرتفع مرة أخرى مع رفع قيود الإغلاق ومحاولة العودة إلى الحياة الطبيعية.

كما بات معلومًا، أصبح حدوث موجات من الإصابة بالفيروس أمرٌ محتم، لذلك ستكون هناك حاجة لفترات إقفال متجددة للحد من موجات العدوى الجديدة. ويتوقع باحثو جامعة هارفارد أنه ستكون هناك حاجة إلى اتخاذ تدابير وقائية متقطعة حتى عام 2022.

القيود على السفر

يرغب المسافرون حاليًا في الحصول على تأكيدات من الوجهات التي سيقصدونها (ومن وسائل النقل التي يستخدمونها للوصول إلى هناك) بأنهم يتخذون احتياطات معقولة للحماية من كوفيد-19. ولا يمكننا اليوم أن نتوقع طائرات وغرف فنادق معقمة، كما لا يمكننا أن نفترض أن الطهاة والنوادل الذين يرتدون القفازات سيجعلون المطاعم آمنة.

يجب أن نكون يقظين ولا ننسى أن لكل منا تحكمًا كبيرًا في تجنب الإصابة بالعدوى، من خلال الممارسة الجادة لنصيحة منظمة الصحة العالمية لغسل أيدينا، وتجنب لمس وجوهنا، واتباع التباعد الاجتماعي، والبقاء في المنزل حتى إذا كنا نعاني من أعراض تنفسية خفيفة.

ستشمل حياتنا الجديدة الرفع التدريجي لعمليات الإغلاق، والمراقبة الدقيقة، وإعادة القيود عندما تستدعي الحاجة. وبالنسبة إلى السفر، وخصوصًا السفر الترفيهي، يعني ذلك البدء ببطء بالرحلات، أولًا على مسافة قريبة من منازلنا، ثم التمدد إقليميًا، وبعدها دوليًا.

التدابير الاحترازية ستستمر في وسائل النقل كلها

ماذا عن جوازات المناعة؟

تقول الطبيبة كيرا نيومان إن هناك أنواعًا مختلفة من المناعة، بما في ذلك إمكانية وجود أعراض طفيفة أو عدم وجود أي أعراض مع قدرة على نشر الفيروس. ما زلنا غير واثقين من مدة المناعة التي يطورها الجسم ضد كوفيد-19، وقد أظهرت دراسات سابقة عن الفيروسات التاجية الأخرى، أن مرضى سارس كانت لديهم أجسام مضادة مدة ثلاث سنوات، أما مرضى متلازمة الشرق الأوسط التنفسية ميرس فكانت لديهم أجسام مضادة مدة عام واحد فقط.
ريثما يتم حل هذه المعضلة، فإن "جوازات المناعة"، كما بدأت تشيلي في إصدارها في 20 أبريل المنصرم، وكما تناقش إصدارها العديد من البلدان الأخرى، ستعطي إحساسًا زائفًا بالأمان، ناهيك أنها قد تخلق مشكلات أخرى كالاحتيال، وبيعها في السوق السوداء.

تقييم سريع

نُشر "تقييم سريع" عن السياحة وجائحة كوفيد-19 في أواخر أبريل المنصرم، تضمن معلومات تُفيد بأنه من أجل استمرار رفع القيود، وكي يكون من الممكن السفر، من الضروري أن تستوفي الدول بنجاح شروط المرحلة الثانية من المراحل الأربع التي تستغرق نحو ثلاثة إلى ثمانية أشهر. وأضاف التقييم أن السفر المحلي والداخلي سيأتي قبل السفر الدولي، وأن الأوروبيين، على سبيل المثال، سيسافرون إقليميًا داخل الاتحاد الأوروبي قبل السفر إلى آسيا.
بحسب التقييم، تأتي المرحلة الثالثة بمجرد توفر اللقاح. أما المرحلة الرابعة فتتحقق عندما يتم التطعيم على نطاق واسع، حينها يمكن القول أنه من "الآمن" أن تُستأنف السياحة العالمية.

عالم مختلف

على الرغم من أن خبراء الصحة العامة يؤكدون أن الحظر ضد السفر والتجارة غير فاعل، كما هو الحال مع حظر السفر وعمليات إغلاق الحدود التي شهدناها بداية الجائحة، فإن بعض القيود ستستند منذ اليوم إلى الأدلة العلمية.

هناك مانع أكثر فاعلية للسفر غير الضروري هو الحجر الصحي الإلزامي عند الوصول، كما أعلنت عنه فرنسا في 2 مايو الجاري. وبسبب ذلك، ربما سنشهد أعمالًا جديدة تنشأ، حيث ستُقدم المنتوجات الغذائية والوجبات مدة 14 يومًا إلى الفنادق (المعزولة) لأي شخص يحتاج أو يرغب في السفر.

كل مكان نذهب فيه كمسافرين، سواء كان ذلك عبر المدينة أو حول العالم، سيكون مختلفًا. ولعدة أشهر على الأقل، ستظل الأحداث الكبيرة معلقة، كما أن الذهاب إلى متحف أو شاطئ أو موقع تراث عالمي أو محمية للحياة البرية أو منتزه ترفيهي سيكون مختلفًا أيضًا. ومن الأمثلة البارزة على التغييرات التي قد تحصل إعادة فتح المتنزهات الترفيهية في أورلاندو، التي أُغلقت منذ منتصف شهر مارس المنصرم، في شهر يونيو، لكن بقدرة استيعابية محدودة تبلغ 50 في المئة.

نمط سياحة مختلف بعد كورونا

ماذا نفعل؟

مع عودة السفر ببطء، سنحتاج إلى تقييم ما إذا كانت الوجهات آمنة بطريقة مختلفة عما اعتدناه. وسيحتاج المسافرون إلى التحقق من نصائح السفر، وإغلاق الحدود، وتدابير الحجر الصحي، وسياسات الإلغاء والاسترداد، وإجراءات التأمين، وما هي الأماكن المفتوحة والمغلقة ومدى متابعة المعنيين لها (على سبيل المثال، عندما أعادت فلوريدا فتح الشواطئ أصبحت مزدحمة بسرعة).

سيحتاج الأفراد إلى التأكد من أن سلوكهم يقلل من انتقال المرض، حيث أن التواجد في إجازة لن يعني أنه يمكننا تخفيف إجراءات السلامة. وسنحتاج إلى معرفة كل من معدل انتقال الفيروس الحالي ومدى استيعاب النظام الصحي في مجتمعاتنا المحلية، والمجتمعات التي نريد السفر إليها، وتوخي الحذر بشكل خاص بشأن السكان والبلدان الضعيفة التي لا تمتلك أنظمة صحة عامة قوية. وباختصار، نحن بحاجة إلى أن نزن بعناية المخاطر الصحية والفوائد الاقتصادية التي يجلبها السفر والسياحة.

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن موقع "فودورز". الأصل منشور هنا.