إيلاف من الرياض: أزمات اقتصادية وسياسية خانقة تواجهها الحكومة اللبنانية، زادت أزمة كورونا الأمر وطأة، مما دفعها إلى اتخاذ إجراءات احترازية، كإغلاق المؤسسات التجارية ومراكز الأعمال لاحتواء الفيروس، مما يشي بكارثة اقتصادية. ومن جهة تحاصر لبنان ملفات الفساد بشكل منقطع النظير، حيث استشرى الفساد في أوصال الدولة المثقلة بالمحاصصة السياسية والطائفية، حتى تسبب في انهيار لبنان اقتصاديًا، مما يدفع البلاد إلى هوة الإفلاس، ويجعل الشعب اللبناني يثور في وجه السلطة العالقة في شراك سياسة إيران بثورة 17 أكتوبر، ومن جهة أخرى ظهر على الساحة السياسية في لبنان مشروع التشكيلات القضائية الذي رفعه مجلس القضاء الأعلى إلى وزيرة العدل اللبنانية ماري كلود نجم، وكيف ستحاكي التشكيلات تطلعات اللبنانيين؟.

"إيلاف" حاورت اللواء أشرف ريفي، وزير العدل السابق في لبنان، الذي بدأ مسيرته المهنية في قوى الأمن الداخلي، وحظي بقرب كبير من رفيق الحريري الرئيس اللبناني الراحل، ورافقه طيلة أحد عشر عامًا. اللواء أشرف حاز قصب السبق في تأسيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبناني، ووقف على جريمة اغتيال الراحل رفيق الحريري، وهو يتمتع بخبرات أمنية وعدلية، كما إن له الدور البارز والجوهري في كشف مخططات النظام السوري لتنفيذ عمليات تفجير في مناطق عكار وطرابلس تستهدف سياسيين ورجال دين وتجمعات مدنية، وذلك من خلال الوزير السابق ميشال سماحة، في ما بات يُعرف بمخطط سماحة مملوك، وفي عام 2014 شغل اللواء أشرف ريفي منصب وزير العدل حتى عام 2016 أثناء رئاسة حكومة تمام سلام، ولم يلبث طويلًا حتى استقال بحجة هيمنة حزب الله على وزارة العدل اللبنانية.

كيف تنظر إلى مشروع التشكيلات القضائية اللبنانية الصادر من مجلس القضاء الأعلى؟

يتمتع رئيس مجلس القضاء الأعلى في لبنان، سهيل نديم عبود ونائبه غسان عويدات، بمصداقية عالية جدًا، وقدم المجلس بالإجماع مسودة مشروع التشكيلات القضائية إلى ماري كلود نجم وزيرة العدل اللبنانية، فيما تحاول السلطة السياسية إجهاض عملية التشكيل التي تعد ضرورية في وقتنا الحاضر، وإجراء قضائيا مهما جدًا.

إلى ذلك، حينما كنت وزيرًا للعدل رُفعت إليّ كثيرًا التشكيلات القضائية بإجماع مجلس القضاء. كنت أتصفحها سريعًا، وتبقى عندي مدة ساعة واحدة، ولم أناقشها، باعتبار أن إجماع المجلس أمر لا يناقش، في المقابل ابتدعت ماري كلود نجم وزيرة العدل بدعة تقسيم التشكيلات القضائية إلى جزأين، الأول يتعلق بالقضاة المنتدبين إلى المحكمة العسكرية، كما رفعت مرسومًا قضائيًا إلى زينة عكر وزيرة الدفاع، ومرسوما آخر متعلقا بالقضاة العدليين في المحاكم الجزئية والمدنية.

هذه الخطوات عرقلت قرار مجلس القضاء الأعلى في وقت تدعي السلطة السياسية محاربتها للفساد، بينما الهيئة القضائية اللبنانية هي الجهاز المعني بمكافحته، وأرى أن السلطة السياسية ارتكبت خطيئة كبرى بعدم التوقيع على تشكيلات القضاء، والحديث حول مكافحة الفساد من دون التوقيع لا مصداقية له.

كيف ستحاكي التشكيلات القضائية تطلعات الشعب اللبناني الذي يطالب بيد تكبل الفساد؟

القضاء لاعب أساسي في إيقاظ العدالة، خصوصًا في مكافحة الفساد، والسلطة السياسية لا يمكنها مكافحته إلا من خلال الهيئة القضائية. وأشير إلى أن مجلس القضاء الأعلى قدم تشكيلات القضاء بإجماع أعضائه، ولم تصدر حتى الآن، نحن نطالب بقضاء مستقل عن السلطة السياسية مثل دول العالم.

حقيقةً أنا لا أراهن كثيرًا على السلطة السياسية الحالية، لفسادها وإيصالها البلاد إلى الانهيار، والفاسد لا يمكنه محاربة الفساد، وأجدد التأكيد أن الرهان الحقيقي هو ثورة 17 تشرين لإعادة تشكيل السلطة من خلال انتخابات نيابية مبكرة لإيجاد حكومة لبنانيين وطنيين مستقلين، لا يتبعون السلطة الفاسدة، في المقابل نطالب بتقصير ولاية رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون المسؤول عن احتضان حزب الله، الذي تسبب في انهيار لبنان.

ثم سيكون لدينا أمل كبير جدًا بأن تمنح السلطة السياسية الجديدة المستقلة الوطنية نوعًا من الاستقلالية للقضاء وبأن تصدر التشكيلات وتحاسب المفسدين وتعيد الأموال المنهوبة.

هل سيصبح القضاء اللبناني في ظل الحكومة الجديدة مستقلًا من دون أي تدخلات سياسية؟

الحكومة الحالية تعيش تحديًا كبيرًا لتثبت للشعب اللبناني مصداقيتها واستقلاليتها، بينما يعود القرار داخل تلك الحكومة لدى من شكلها واختار رئيسها ووزراءها، وأرى أنها حكومة انتقالية، ولا نراها مستقلة عن قرار جماعة حزب الله والتيار الوطني الحر من جهة أخرى، الرهان ليس على الحكومة الحالية، إنما إسقاط الطبقة السياسية الكاملة، من خلال ثورة الشعب في 17 تشرين "أكتوبر " وإعادة تشكيل سلطة سياسية جديدة وطنية منزهة، وهذا هو الرهان الحقيقي، الشعب فقد الأمل من تركيبة الحكومة الحالية، على الرغم من وجود شخصيات محترمة داخلها.

هل التزم المجلس بالشفافية والموضوعية حينما أعد التشكيلات؟

بصفتي وزيرًا للعدل سابقًا أرى أن صياغة التشكيلات القضائية تمت بشكل مقبول.

لبنان إلى أين؟

تعيش جمهورية لبنان انهيارًا غير معلن، ونأسف بشدة حيال ذلك الأمر، وأسباب انهياره تعود إلى تبعيته للمشروع الإيراني وافتقاره للوطنية في اتخاذ القرارات، كما إن الهمّ الأكبر لجماعة "حزب الله" هو جعل لبنان جزءًا من إيران.

وأرى أنه ليس بالإمكان إيجاد حلول لإنقاذ البلاد إلا عندما ترفع القبضة الإيرانية عنه، إضافة إلى إيجاد سلطة سياسية تعيد ارتباطنا في العالم العربي والدول الصديقة لنا، ولبنان بلد ليس فقيرًا، إنما غني برجالاته وإمكاناته وأشقائه العرب، لكنه حقيقةً نُهب كثيرًا لمصلحة الميزانيتين السورية والإيرانية، التي تعاني أزمات اقتصادية حانقة.

هل الحكومة اللبنانية رهينة "حزب الله" أم واجهة لتنفيذ المخططات؟

تستند الحكومة الحالية في قرارها إلى أوامر جماعة حزب الله، ونصف الشعب اللبناني يرفض أن يكون رهينة بين أيدي الحزب. ونأسف لأن سلطاتنا السياسية رهائن رخيصة بيد الحزب الله، الذي أفسد في البلاد، حتى أصبحت لديه منفعة مادية شخصية على حساب المصلحة الوطنية.

كيف تنظر إلى الخطاب الأخير حول إنجازات رئيس الوزراء حسان دياب بعد مرور مائة يوم لنيل حكومته الثقة؟

خطاب حسان دياب يحمل شقين مختلفين، الأول الإنجازات الهائلة، والآخر تحقيقه لـ97 في المائة من الالتزامات. مع تزامن حديثه مع مقالته الأخيرة في صحيفة "واشنطن بوست" بعنوان أزمة فيروس كورونا تدفع لبنان نحو أزمة غذائية كبيرة. من جهة أخرى دياب يأتمر بأوامر ضابط الوصاية اللواء جميل السيد وجبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر صهر رئيس الجمهورية... هؤلاء يملون عليه رغباتهم، كما إنهم يحضرون اليوم مع بالغ الأسف لتطبيع العلاقات مع النظام السوري المحاصر دوليًا، والمقاطع، وستنتقل عدوى الحصار من النظامين السوري والإيراني إلى لبنان من خلال السلطة المرتمية في أحضان حزب الله والمشروع الإيراني.

في هذه الأثناء، يوّد جبران باسيل صهر الرئيس عون، تطبيع العلاقات مع سوريا، وأشرت إلى هذا الأمر، ونبهت رئيس الحكومة حسان دياب إلى أن سوريا تعاني عزلة دولية، وأن تطبيع العلاقات معها سيفتح أمامنا عزلة دولية، وتشير الأنباء إلى زيارة رسمية سيقوم بها رئيس الحكومة دياب إلى سوريا قريبًا.

كيف يخطط جبران باسيل لتطبيع العلاقات مع سوريا، في الوقت الذي ينزف لبنان اقتصاديًا؟

استنسخنا النظام الإيراني بعد التسوية الرئاسية، ففي إيران هناك مرشد أعلى للجمهورية الإسلامية، ونحن كأننا لدينا مرشد أعلى للجمهورية اللبنانية، وهو حسن نصرالله، الذي يملي على السلطات كافة، ففي لبنان معابر غير شرعية "مزاريب" لتهريب مادة المازوت والطحين المدعومة الثمن من الخزينة اللبنانية إلى سوريا المحاصرة دوليًا، وعوضًا عن إغلاقها، كان المرشد الأعلى للبنان يقول "إرجعوا لا تستطيعون إغلاق الحدود نهائيًا، طبّعوا العلاقات مع سوريا".

هناك محاولات حثيثة لتطبيع العلاقات مع سوريا، يقف خلفها رئيس الجمهورية ميشال عون وجبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر وميشال سماحة الوزير السابق الذي سبق أن جرى توقيفه على يد العميد وسام الحسن، وقدمنا بحقه ملفًا قضائيًا بتهمة إدخال العبوات الناسفة من سوريا إلى لبنان، والتخطيط لعملية إرهابية وشيكة، وأثبت سماحه قضائيًا أن النظام السوري أرسل العبوات لتنفيذ عمليات إرهابية في لبنان بأدلة موضوعية، ونحن لدينا ملفات أهم من تطبيع العلاقات مع سوريا، إنما هذه التركيبة السياسية الحالية تركيبة ناس منبطحين أمام المشروع الإيراني، ليس همهم المصلحة اللبنانية، بل مصالحهم تكمن في أبواب الفساد.

لماذا يصر الرئيس اللبناني على زيارة سوريا تطبيعًا للعلاقات؟

نحن نتحدث عن النظام السوري، ليس سوريا البلد الصديق، إنما إستراتيجيتنا الاحتماء بقرار الجامعة العربية، وتحدثنا إلى السلطة، وقلنا لهم دعوا الأمر إلى الجامعة، التي بدورها تطبع العلاقات مع سوريا، السياسة السوية حقًا هي الوقوف خلف الإجماع العربي، وقرار الجامعة في عودة سوريا إلى مقعدها قرار عربي، ونحن لا نسبق القرار نهائيًا، خصوصًا مع استمرار الأزمة السورية كجزء من المحور الإيراني.

من جهة أخرى، يكابد لبنان سنويًا خسائر فادحة تصل إلى نحو 400 مليون دولار بسبب تهريب المازوت إلى سوريا عبر المعابر غير الشرعية، وكتبت عبر تويتر: لبنان المنهار إقتصاديًا تُسحب اللقمة من فم أبنائه، على يد من استباحوا الحدود لمصلحة النظام السوري، وجعلوها ممرًا لتهريب الطحين والمازوت المدعوم بفلس الأرملة المتبقي لدى المصرف المركزي..

هل هناك دولة داخل دولة لبنان؟

حقاً لدينا دويلة في قلب الدولة بعكس كل دول العالم، وغالبًا الدويلة أقوى من الدولة، نعيش أزمة اقتصادية كبرى، حيث لا نستطيع إغلاق "مزاريب الهدر"، المعابر غير الشرعية في لبنان، التي تجري من خلالها عمليات تهريب كميات كبرى من مادة الفيول والطحين، وهما مادتان تدعمهما الخزينة اللبنانية، حيث يستورد التجار كميات كبرى من الطحين ومادة الفيول أكبر من حاجة لبنان، وتذهب إلى سوريا، وتباع لمصلحة حزب الله، وبعض التجار، على حساب الخزينة اللبنانية، الأمر يتم بمرأى كل السلطات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والبرلمان، ولا أحد منهم يتخذ إجراء بإغلاق المعابر، السلطة السياسية تريد معالجة الأزمة المالية على حساب المواطن العادي الذي بالكاد يعيش بكفاف يومه.

متى يمكن إغلاق المعابر غير الشرعية؟

بصفتي ابن المؤسسات، فإنه حينما تكون هناك سلطة سياسية وطنية، يصبح من السهل جدًا أن تغلق كل المعابر أو "مزاريب الهدر"، وترفع قبضة حزب الله عن المرفأ والمطار والمعابر البرية كافة الشرعية أو غيرها، لتصبح الدولة سيدة القرار في لبنان، الواقع ليس هكذا، فجماعة حزب الله تعيش أزمة مالية، ونحن نعرف تمامًا أن ميزانيتهم هي من المال الإيراني، أو مشروعاتهم الخارجية، إضافة إلى الدعم المالي وتبرعات الطائفة الشيعية للحزب واستحواذه على بعض الدخل من الخزينة اللبنانية، في حين تسببت العقوبات الأميركية على إيران بتقليص المساعدات الإيرانية لحزب الله، الذي يحاول الآن عبر الساحة اللبنانية التي نشفت عروقها سد فجوته المالية.

ماذا بشأن احتجاجات المواطنين اللبنانين الأخيرة أمام قصر العدل لمطالبتهم بفتح ملفات وزارة الطاقة ومحاسبة وزرائها؟

السلطة السياسية الحالية أمام تحدّ كبيرًا جدًا، فملف الفيول الفاسد فتحته السلطة على مصراعيه حاليًا، وهناك اعترافات حتى على وزراء الطاقة، فمنذ أيام أوقفت مديرة عام النفط أورور فغالي، التابعة للتيار الوطني الحر، وهناك معلومات تشير إلى أنها اعترفت أمام المحقق بتنفيذها تعليمات وزراء الطاقة، الذين كانوا خلال مرحلتها، وهم جبران باسيل وسيزار أبو خليل وندى البستاني، التحدي الذي نرتقبه جميعًا هو أن تتخذ الحكومة إجراءات ضد هؤلاء الوزراء الذين تحمّلوا مسؤولية فساد ملف الطاقة الذي كبّد الخزينة اللبنانية خسائر فادحة.