كتب سيف الصانع: مقسّمٌ قلب الكويت، وعقلها، بين تتبع أخبار الوضع الصحي للشيخ صُباح الأحمد، فيتطلع الكويتيون كل صباح، وطوال النهار والليل، إلى الاطمئنان على أمير البلاد، مع ندرة المعلومات، وبين انغماس العقل في ما يجري على الأرض، حيث تترعرع وفرة القيل، وتزدهر زحمة القال. ثم، إذ يتعدد ضاربو الودع، وقرّاء الكف، في وقت تتسارع فيه تطورات أحداث المنطقة ككل، تبدو الكويت في عين عواصف تكهنات، بينها ما قد يتأسس على شيء من منطق الواقع، أو تقاليد المجتمع، وكثير منها بلا أساس. ما سبق يضع المشهد الكويتي على نحو من التنوّع، الأرجح ألا يوجد بأي منطقة في العالم. إنما، رغم أنه مشهد محيّر بالفعل، لكنه مثير، ويشكل علامة صحة وعافية، إذا أمكن التحكم في مفاتيح مساره.
وسط تلك الحيرة، جاء السفر الى عاصمة القرار الدولي، «واشنطن»، فوُلِد أملٌ أن الانتقال سوف يروي بعض العطش للصحيح من المعلومات، ذلك ان مجتمع الكويت يميل الى التكتم إزاء أحداث من هذا النوع، الأمر الذي يُصعّب العثور على مفاتيح الخيوط. في ضوء ذلك، أوجز لي مقربون من صنّاع القرار في العاصمة الاميركية، وضع الحالة الكويتية على النحو التالي: أمير على السرير الأبيض في حالة حرجة. هناك مجموعة من أسماء كبار السن تُطرح، ضمن سباق حواجز للوصول الى موقع المركز الثاني وما يليه.
استعرضت مع شخصية أميركية، عبر الهاتف، خلال مكالمة استمرت 28 دقيقة، ما يجري بالكويت في ظل وجود الأمير خارج البلاد. في البداية أشاد مُحدّثي- كما العرب، حين يمهدون للحديث- بالتجربة الكويتية، قال: «إنها تجربة فريدة ربما لم نشهد ما يشبهها في إقليم الشرق الاوسط، سوى الممالك الاوروبية، التي استمرت حتى أواخر القرن الثاني عشر».
استزدت أسأل: يعني؟ قال: أعني حيث تعتمد الدولة على الموازنات بين الداخل والخارج، ففي الداخل يعتمدون على نظرية رئيسنا ليندون جونسون، التي يقول فيها:
“I'd rather have him inside the tent pissing out, than outside the tent pissing in”
ترجمتها، من جانبي، بتصرف، كالتالي:
«إنني لأفضل أن يكون داخل خيمتي ويرمي بقاياه خارجها، على أن يكون خارج الخيمة ويقضي حاجاته داخلها».
يضيف مُحدثي: الحق أن تطبيق تلك المقولة نجح، كويتياً، عشرات السنين، إذ تجد الأطياف كلها متناحرة تحت خيمة الدولة. وفي الخارج، تعاملت دولة الكويت مع غيرها بتوازن واضح، رغم الجرح الغائر في القلب من مواقف البعض من الكويت والكويتيين خلال عدوان صدام حسين واحتلال البلاد. لستُ أدري هل تستمر هذه المعادلة، أم لا. قد تستمر في الداخل إذا توفرت الحكمة والذكاء المعهودان داخل هذه الامارة ، أما في خارجها فمن الصعب، خصوصاً ان غياب السلطان قابوس أفقد الكويت حليفاً قوياً، فما بالك إذا رحل الشيخ صباح؟
سألت: ما هي الصورة المتوقعة؟
أجاب مُحدثي الأميركي: أميركا مهتمة بالدفاع عن الكويت، وقد اظهر الرئيس دونالد ترمب إهتمامه حين ارسل الطائرة الطبية الخاصة للأمير صباح لنقله إلى أميركا. الكويتيون مدركون لذلك، ويدركون كذلك أن الحسم لن يتم بقوة السلاح. هناك أصحاب النفوذ والمقدرة المالية، هؤلاء اتجهوا إلى الانصراف للداخل، لذا فأي خلاف لن يحسم بالقوة، بل على الطريقة الكويتية، ولذلك لسنا قلقين. ربما يجري التوافق على ثنائية مشعل- ناصر. أعرف شخصياً الشيخ مشعل، هو رجل مقبول من الاطراف كافةً، ويتمتع بسمعة حسنة، إنما لم يُعرف عنه الاهتمام بالسلطة، لذا قد يفضّل الابتعاد، وقد تنتهي الأمور إلى ثلاثية نواف- ناصر- محمد الصباح. عموماً، ليس الأشخاص موضع اهتمامنا، قدر ما نهتم أن يتم التوصل إلى اتفاق سريع، إضافة إلى ضرورة إتاحة الفرص للجيل الجديد. هناك رؤوس احترقت، ويصعب القبول بها، أحد الشيوخ الشبان قال لي: «علينا الانتظار لقد تعودنا على الانتظار». الواقع، هناك ثلاثة محتمل ان تلمع أدوارهم فيما بعد، بدل الوقوع في احتمال الحكم من «مستشفى طائر».
قلت: تقصد صيغة بريجنيفية؟
لم يرد، لكنه ختم قائلاً: اللعبة في الكويت غامضة وربما غير مفهومة.
فوجئت به يسألني: وأنت ما رأيك؟
قلت: أتمنى للكويت الرجل القائد، الذي يحقق لها الاستقرار، فهي حالة إيجابية في الشرق، لا أستطيع التحدث نيابة عن الكويتيين، لذا أحيلك الى تغريدة نثرية للمفكر والكاتب والوزير السابق، دكتور سعد بن طفلة، ربما تعرفه، قال فيها: (ضربات متبادلة من تحت الحزام لحجز المقاعد! البعض "ما يبي إلا بَرْد القاع"، ومغادرة المشهد بهدوء و"غنيمة"، ويدوّر السلامة "إن كانها بتحصُل"! وبعض يهدد: "هدّني وأهدّك"! وبعض يطمئن البعض: "لاتخاف، كله تيش بريش"! وبعض يردد: من أولٍ يا ذيب تفرس بأياديك.. واليوم جا ذيبٍ عن الفَرْسْ عدّاك). لن اترجمها لك، خذها وترجمها في معاملكم، أو أرسلها إلى مترجميكم، الأرجح أن تصعب الترجمة عليهم. كان الوقت مساءً في واشنطن، وليلاً في لندن. أنهينا الحديث بانتظار هاتف الكويت.