يعد مرفأ بيروت صلة وصل تجارية مهمة بين الشرق والغرب، ومحرك نمو فاعل في الاقتصاد اللبناني، وتدميره في انفجار 4 أغسطس يحرم الخزينة اللبنانية من مداخيل كبيرة. ويقول مصدر لـ "إيلاف" إن حزب الله سيطر بشكل كامل على أحد ارصفة مرفأ بيروت الذي بات يعرف بـ (رصيف المقاومة).

إيلاف من بيروت: أشرقت شمس 5 أغسطس على مأساة كبيرة في لبنان، تتمثل في دمار شامل أصاب منطقة شاسعة، قطرها 9 كيلمترات، مركزها مرفأ بيروت، بفعل الإنفجار الكبير الذي هز بيروت في السادسة من مساء 4 أغسطس، والذي وصفته مراجع دولية أنه الثالث من حيث القوة التدميرية بعد قنبلتي هيروشيما وناغازاكي الذريتين في اليابان، في نهاية الحرب العالمية الثانية.

لا شك في أن الخسائر البشرية والاقتصادية فادحة، خصوصًا أن تدمير مرفأ بيروت بنسبة تتجاوز 90 في المئة، بحسب التقديرات اللبنانية الأخيرة، يحرم لبنان والمنطقة من شريان تجاري – اقتصادي مهم. فمرفأ بيروت يعد الميناء الأهم في لبنان، ومن أهم الموانئ في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط.

بوابة الشرق
موقع مرفأ بيروت استراتيجي، ما جعله بوابة الشرق أمام البضائع الغربية، فكان يستخدم منذ افتتاحه في عام 1894 لاستيراد المنتوجات والسلع الاستهلاكية على أنواعها من دول العالم كافة، لتصديرها إلى دول الشرق الأوسط، من خلال الداخل اللبناني برًا إلى سورية ثم إلى دول بلاد الشام والخليج العربي.

هذا المرفأ بالتالي هو مورد أساسي من موارد الخزينة اللبنانية، إن بفضل الرسوم المجباة على ما يدخل عبره، أو بفضل رسوم الترانزيت التي تدفعها السفن التي ترسو فيه قبل استئنافها سفرها إلى وجهتها النهائية، علمًا أن التحديثات التي أجريت على المرفأ، في عهد رئيس الحكومة اللبناني الراحل رفيق الحريري مكنت المرفأ من استقبال السفن الكبيرة والضخمة.

يتعامل مرفأ بيروت مع 300 مرفأ عالمي، ويقدر عدد السفن التي ترسو بأكثر من ثلاثة آلاف سفينة سنويًا. ويتألف من 4 أحواض يصل عمقها إلى 24 مترًا، إضافة إلى حوض خامس قيد الإنشاء والتأهيل.

يضم مرفأ بيروت 16 رصيفًا ومستودعات كثيرة وصوامع لتخزين القمح وفق أفضل شروط التخزين.

محرك نمو
بحسب موقع شركة مرفأ بيروت الإلكتروني، هذا المرفأ هو أكبر نقطة شحن وتخليص بحرية في لبنان، تعبره نحو 70 في المئة من حركة التجارة الصادرة من البلاد والواردة إليها.

في خلال أعوام 2005 – 2018، نمت حمولة البضائع عبر المرفأ بمتوسط سنوي قدره 4.6 في المئة من 4.48 ملايين طن سنويًا في عام 2005 إلى 8 ملايين طن في عام 2018.

في عام 2018، استقبل المرفأ 7.05 ملايين طن من السلع، تمثل 72 في المئة من إجمالي واردات السلع من طريق البحر، مقابل صادرات بقرابة مليون طن تمثل 78 في المئة من إجمالي حجم الصادرات اللبنانية.

وفي عام 2018 أيضًا، بلغ عدد السفن التجارية التي نفذت عمليات شحن أو تخليص للسلع نحو 1872 سفينة، إلا أن الرقم الأكبر يعود إلى عام 2009 بواقع 2400 سفينة تجارية.

في عام 2019، تأثر عمل المرفأ بسبب الصعوبات الاقتصادية والمالية التي يواجهها لبنان، وتراجع حجم الطلب المحلي على الاستهلاك، وبالتالي تراجع حركة التجارة. فالبيانات التي تبرزها شركة مرفأ بيروت تبيّن أن إجمالي إيراداته خلال عام 2019 لم تتجاوز 200 مليون دولار، مقارنة بنحو 313 مليونًا في عام 2018، كما لم تتجاوز الإيرادات 90 مليونًا في عام 2005.

باب تهريب
في المقلب الآخر، لمرفأ بيروت دور مهم في التهريب من لبنان وإليه وفق ما أفاد مصدر أمني تحدث لـ"إيلاف"، خصوصًا أن الأمرة الحقيقية في المرفأ لا تعود إلى الدولة اللبنانية، إنما تتقاسمه عصابات تهريب تتمتع بالنفوذ بسبب مرجعيات سياسية وحزبية تشغلها وتغطي ارتكاباتها من جهة، وحزب الله الذي يجد في مرفأ بيروت منفذًا بحريًا لعملياته الأمينة والعسكرية والاقتصادية المختلفة والكلام للمصدر.

على جبهة عصابات التهريب، يقول المصدر "من ينسى صفقة المواد الغذائية الفاسدة التي ضبطت في 07 أغسطس 2019 في مرفأ بيروت، ومنعت من دخول الأراضي اللبنانية"، وشكلت 15 طنًا من اللحوم المجمدة الآتية من البرازيل، ولحوم تابعة لاحد مطاعم الوجبات السريعة. ورفضت لحوم دجاج تحتوي على الـ "سالمونيلا" تابعة لأحد التجار الكبار في البلد.

يذكر أنه قبل عامين، أي في 2017، ضبطت كميات مختلفة من اللحوم البرازيلية الفاسدة في مستودعات عدة، تم تمريرها من خلال مرفأ بيروت، علمًا أن لبنان يستورد سنويًا 18 ألف طن من اللحوم البرازيلية المبردة وتباع في المتاجر اللبنانية على أنها "طازجة". كما يستورد نحو مليون و30 ألف من المواشي الحية.

"رصيف المقاومة"
في مايو الماضي، عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صورًا قال إنها لمستودعات أسلحة لحزب الله. والمستودع المنفجر أخيرًا يقوم بجانب أحد المستودعات الواردة في تلك الصور.

ووجه مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون الاتهام الى إيران بنقل معدات خطرة إلى حزب الله بحرًا من طريق مرفأ بيروت، كما جوًا من مطار دمشق إلى مطار بيروت. وقال إن مرفأ بيروت أصبح ميناء حزب الله.

ويؤكد المصدر الأمني الذي تحدث لـ"إيلاف" استخدام حرب الله للمرفأ لادخال السلاح وسلع الدعم من إيران. ويقول إن "مرفأ بيروت يعتبر نقطة مهمة جدًا في شبكة الاقتصاد غير الشرعي لحزب الله الذي فرض هيمنته على المرفأ وسيطر بشكل كامل على أحد ارصفته الذي بات يعرف بـ (رصيف المقاومة)، ويستقبل الحزب فيه ما يحتاجه من سلاح وسلع ودعم من إيران".

الحصار الغربي على إيران أفقد حزب الله الكثير من الدعم المالي. ويردف المصدر "توسيع الحزب لدائرة التهريب وتبييض الأموال والاتجار بالمخدرات من خلال المرفأ بالعقوبات على إيران وما فرضته من ضيق اقتصادي على الحزب". يضيف: "الحزب اليوم ليس في افضل أحواله، فهو يواجه اتهامات بحماية شبكات تجار المخدرات والتهريب التجاري والتهرب الضريبي وتبيض الأموال".