إيلاف من لندن: بينما اعلنت بعثة الامم المتحدة في العراق الاربعاء عن قلقها لتزايد حالات الانتحار في البلاد، تم الكشف عن انتحار 590 شخصًا ومحاولة 1112 آخرين الانتحار، 80 في المئة منهم من النساء، في العام الماضي وحده.

وعبر خبراء صحيون عن مخاوفهم من المخاطر التي سببتها جائحة كورونا في هذا المجال ومنها العزلة الاجتماعية والقلق والخوف من العدوى والبطالة والتوتر والصعوبات الاقتصادية والتي تؤدي إلى تفاقم الاكتئاب والقلق وتعاطي المخدرات، ثم الانتحار.

وقالت بعثة الامم المتحدة في العراق "يونامي" إن تزايد حالات الانتحار في العراق على مدى السنوات الماضية أصبح مصدر قلق على مستوى الصحة العامة، ولم يعد من الممكن تجاهله محذرة من انه إذا لم يتم التصدي لهذه الظاهرة فسوف تستمر في إلحاق خسائر كبيرة بالأفراد والمجتمعات في البلاد.

وأشارت البعثة في تقرير لها اطلعت عليه "ايلاف" اليوم الى انه في عام 2019 توفي أكثر من 590 شخصاً في العراق بسبب الانتحار وحاول 1,112 شخصاً آخر الانتحار، 80 في المئة منهم من النساء.

وقالت إن هذه الارقام تعني وفاة واحدة وثلاث محاولات انتحار يومياً، فيما كان عدد حالات الانتحار المبلغ عنها في 2019 أعلى من تلك المسجلة في 2018 (519 حالة)، و2017 (422 حالة)، لافتة الى ان "لا شك في أن الانتحار حدث مأساوي، إلا أنه يمكن منعه في كثير من الأحيان اذا يمكن أن تساعد معرفة أسباب الانتحار والمعرضين للخطر في تقليل أعداد الوفيات".

أولوية صحية واجتماعية

اضافت ان منظمة الصحة العالمية تعتبر مواجهة الانتحار من أولويات الصحة العامة، موضحة انه على الصعيد العالمي اذ يموت ما يقرب من 800 ألف شخص في العالم نتيجة الانتحار كل عام، ويقابل كل حالة موت أكثر من 20 محاولة انتحار.. فيما هناك أيضاً حالة وفاة واحدة تُسجل كل 40 ثانية على مستوى العالم بسبب الانتحار.

واوضحت البعثة ان منظمة الصحة العالمية تعمل مع الحكومات لزيادة الوعي بخطر الانتحار ومحاولات الانتحار وتأثيرها على الصحة العامة. يؤكد الدكتور أدهم إسماعيل ممثل منظمة الصحة العالمية في العراق، أن منع الانتحار هو أحد الأولويات الصحية في برنامج العمل لرأب الفجوة في الصحة النفسية التابع لمنظمة الصحة العالمية، والذي يوفر إرشادات تقنية قائمة على الأدلة لتوسيع نطاق تقديم الخدمة والرعاية الخاصة بالاضطرابات العقلية والعصبية وتعاطي المخدرات.

أضاف: "للجميع مصلحة في مساعدة المجتمعات على معالجة عوامل خطر الانتحار، بما في ذلك إدارة حالات الصحة العقلية بينما تعمل منظمة الصحة العالمية مع شركائها على مستوى العالم لجعل منع الانتحار أولوية قصوى على جدول أعمال الصحة العامة العالمية".

ونوه الى انه في العراق تهدف منظمة الصحة العالمية إلى تشجيع ودعم تطوير أو تعزيز استراتيجيات شاملة للوقاية من الانتحار في إطار نهج صحة العامة متعدد القطاعات، وتقوية تدخلات الصحة النفسية في المجالات التي تشكل حافزاً أكبر للانتحار.

كورونا زاد حالات الانتحار

وتشير المنظمة الى انه على مدى سنوات عديدة، عانت العديد من العائلات العراقية من مشكلات في الصحة العقلية سببتها النزاعات السابقة والأوضاع الاقتصادية.. وقالت "وكما لو أن هذا لم يكن كافياً، فقد واجهت العديد من المجتمعات أيضاً قيوداً جديدة تتعلق بالبقاء في المنزل، أو محدودية الحركة لمواجهة انتشار جائحة كوفيد-19".

من جانبهم، يقول خبراء الصحة العامة إن هذا الأمر يثير مخاوف لأنه قد يزيد من معدلات الانتحار أو عوامل الخطر المرتبطة به، بما في ذلك العزلة الاجتماعية والقلق والخوف من العدوى وعدم اليقين والبطالة والتوتر المزمن والصعوبات الاقتصادية، والتي قد تؤدي إلى تفاقم الاكتئاب والقلق وتعاطي المخدرات.

واوضحت ان هناك عوامل أخرى من بينها القيود التي تحول دون الوصول إلى خدمات الصحة العقلية والاكتئاب والأرق بين السكان وبعض المتخصصين في الرعاية الصحية.

الشريك الحميم

تبين المنظمة ان من العوامل الأخرى التي قد تزيد معدلات الانتحار في العراق مشكلات الشريك الحميم، والظروف الصحية البدنية، والتحديات المالية، والقضايا القانونية، إلى جانب بعض حالات العنف الشخصية أو العائلية، مثل إساءة معاملة الأطفال أو الإهمال أو التاريخ العائلي للانتحار، وظروف المجتمع الأوسع، مثل ارتفاع معدلات الجريمة والعنف.

ووفقاً للدكتور عماد عبد الرزاق، المستشار الوطني للصحة العقلية في وزارة الصحة العراقية، فإن أحد العناصر الرئيسية في منع الانتحار في العراق يتمثل في تحسين الوصول إلى الخدمات الصحية.

وشدد على ضرورة العمل من خلال مختلف القطاعات لبناء القدرات، وضمان جودة الرعاية الصحية، وزيادة الوعي بشأن الصحة النفسية، ومعالجة الوصمة الشائعة حول الأمراض النفسية. ويجب التركيز بشكل خاص على الفئات المعرضة للخطر من خلال الكشف المبكر والإدارة المناسبة".

توصيات الصحة العالمية

للحد من حالات الانتحار في العراق أثناء أزمة كوفيد-19 وما بعدها، توصي منظمة الصحة العالمية بأن يعمل جميع الشركاء الداعمين لتدخلات الصحة العقلية مع المجتمعات المحلية لتوفير خدمات الصحة العقلية الكافية في المجتمعات، وتقليل مشاعر التوتر والقلق والمخاوف والشعور بالوحدة بين عامه السكان.

كما توصي المنظمة بتعزيز الحملات الإعلامية المسؤولة باستخدام وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية لتعزيز الصحة العقلية وتخفيف مشاعر الضيق، والوصول للأشخاص الذين لديهم تاريخ من الاضطرابات النفسية والناجين من فيروس كورونا وكبار السن.

298 انتحارًا حتى أغسطس

كشفت مفوضية حقوق الإنسان في العراق ان اعداد حالات الانتحار التي حدثت خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي قد بلغت 298 حالة انتحار.

وقال عضو المفوضية فاضل الغراوي أن عدد الذكور المنتحرين بلغ 168 والأنات 130، مضيفا أن بغداد سجّلت النسبة الأعلى في حالات الانتحار بواقع 68 حالة تليها البصرة بـ 39 ثم ذي قار بواقع 33 حالة.

واشارت المفوضية الى أن صور الانتحار توزعت بين استخدام السم والشنق والحرق والغرق والطلق الناري .. موضحة أن اغلب الأسباب التي دعت إلى تزايد هذه الأرقام هي الآثار الاقتصادية والنفسية والاجتماعية والبطالة والفقر وازدياد حالات العنف الأسري والاستخدام السيئ للتكنولوجيا.

وشددت على ضرورة قيام الحكومة بمعالجة هذه الظاهرة في جميع جوانبها وإنشاء مراكز للتأهيل النفسي وتشكيل فريق وطني لمكافحة ظاهرة الانتحار، وإطلاق حملة إعلامية لتسليط الضوء على مخاطر هذه الظاهرة وكيفية الحد منها.