قدم طبيب إثيوبي لبي بي سي إفادة مروعة عن كيفية إجلاء مرضى مستشفى على متن جرار ومقطورة، وكيف اختبأ في غابة بعد اندلاع الصراع في إقليم تيغراي الشمالي الشهر الماضي.

وقد فر الدكتور تويدروس تيفيرا من منطقة حميرة، وهي مركز زراعي رئيسي ثم من مدينة أديباي المجاورة، وقال لبي بي سي إن البقاء في أي من المكانين أصبح خطيرا للغاية.

وقدم طبيب آخر، فضل عدم الكشف عن هويته، إفادة مماثلة قائلا إنه قدم الإسعافات الأولية لمريضة سافرت في رحلة محفوفة بالمخاطر على متن دراجة نارية أجرة (تاكسي) بعد إصابتها بجروح خطيرة في البطن، لكنه لا يعرف ما إذا كانت ستنجو، وكلاهما تحدث عن مقتل العديد من المدنيين.

وكان رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد قد أمر بشن هجوم بري وجوي في 4 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي للإطاحة بالحزب الحاكم في الإقليم، جبهة تحرير شعب تيغراي، بعد أن استولت قواتها على قواعد عسكرية فيدرالية.

تيغراي
AFP
حميرة منطقة زراعية قريبة من الحدود مع إريتريا

وقال أبي إن الجيش الإثيوبي لم يقتل مدنيا واحدا في طريقه إلى العاصمة الإقليمية ميكيلي التي سيطر عليها في 28 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

كما نفت الحكومة الإريترية التورط في الصراع للمساعدة في هزيمة جبهة تحرير شعب تيغراي، على الرغم من إطلاق الجبهة صواريخ على أراضيها.

وكان من الصعب الحصول على معلومات دقيقة حول الصراع بسبب قطع الاتصالات في المنطقة.

وكانت بلدة حميرة، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 30 ألف نسمة، من أوائل الأماكن التي تأثرت بالنزاع حيث بدأ القتال هناك في 8 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

تحذير: قد يجد بعض الأشخاص بعض الأوصاف الواردة في هذه الإفادات مزعجة.

شهادة الدكتور تويدروس:

كان هناك قصف عنيف استهدف كل أنحاء حميرة، الأسواق والمناطق المحيطة بالكنيسة والمسجد وحتى محيط مجمع المستشفى.

في اليوم الأول استقبلنا حوالي 15 جثة و 75 جريحا من المدنيين، وقد استمر القصف طيلة فترة بعد الظهر.

وتعرضت المدينة للقصف من الجهة الشرقية حيث كانت قوات الدفاع الوطني الإثيوبية (إي إن دي إف) ، ومن الجهة الشمالية من قبل إريتريا، وتبعد حميرة عن الحدود الإريترية حوالي 200 متر فقط لذلك كان القصف قادما بالتأكيد من إريتريا أيضاً.

تيغراي
AFP
تقع حميرة على الحدود مع إريتريا حيث يقول شهود عيان إن القصف إنطلق منها أيضا

وبدأ القصف في اليوم التالي منذ الصباح الباكر لكنه تراجع في حوالي الساعة 11صباحا حيث استقبلنا 8 جثث والمزيد من الجرحى، وحينئذ قررنا أن الوضع ليس آمنا لمرضانا أو لنا.

فقررنا المغادرة، وأخذنا مرضانا الجرحى على متن شاحنة جرار ووصلنا إلى مدينة أديباي، والتي تقع على بعد حوالي 30 كيلومترا عن حميرة حيث لم يكن هناك قصف لكن القتال كان مستمراً.

وواصلنا علاج الجرحى في مستشفى في أديباي التي جاء إليها المزيد من المدنيين من حميرة.

كنا نعالجهم في اليوم الأول من الإصابات الناجمة عن القصف، لكن بعد وصول القوات الحكومية إلى حميرة أخذ المدنيون يتوافدون على المستشفى وعليهم آثار عصي وجروح حادة، أكبر من تلك الناجمة عن السكاكين.

تيغراي
AFP
امرأة في حميرة تعتني بابنتها التي أصيبت في القصف

وقالوا أيضا إن قوات الأمهرة الخاصة الموالية للحكومة، بالزي الرسمي والشارات على صدورهم، وقوات الفانو، وهي ميليشيات لا ترتدي الزي الرسمي، قد وصلت إلى حميرة.

وقد حدث ما يلي في مناطق مختلفة من غرب تيغراي:

• في البداية كان هناك قصف

• ثم جاء جنود الحكومة

• وعلى خطى القوات الحكومية جاءت قوات الأمهرة الخاصة وقوات الفانو

وقد واصلنا علاج المرضى لمدة يومين في أديباي، ثم اشتد القتال حتى أنه اقترب من المستشفى.

فقررنا إرسال مرضانا على متن شاحنة إلى مناطق أخرى من تيغراي والتي كانت آمنة نسبيا بينما هربنا سيرا على الأقدام إلى غابة على بعد حوالي 250 مترا.

اختبأنا هناك لمدة يومين، وأيقنا في اليوم الثالث أن الوضع لم يعد آمنا حيث صارت أديباي تشهد المزيد من عمليات القتل والمزيد من الفوضى، وكنا نسمع دوي الطلقات النارية وأحيانا اصوات قتال شديد للغاية.

تيغراي
AFP
وصل جنود إثيوبيون إلى بلدات في تيغراي بعد موجة من القصف

لذلك قررنا الفرار سيرا على الأقدام إلى بلدة الحميدية الحدودية السودانية والتي تبعد حوالي 50 كيلومترا عن المكان الذي كنا فيه، وقد تعقبتنا الميليشيات، بشكل متقطع، عبر الأدغال حتى نهر تيكيزي.

أنا حاليا في مخيم اللاجئين وما زلت أعالج المرضى، ولدي مرضى من مختلف أنحاء تيغراي حتى 300 كيلومتر من الحدود، وقد سار الناس ورأوا العديد من المدنيين القتلى في الطريق.

ولدي مرضى يقولون إنهم رأوا القوات الإريترية ترتكب فظائع في تيغراي من حرق المنازل وتدمير الأراضي الزراعية.

تيغراي
BBC

وكل ذلك حدث وسط تعتيم عندما انقطع الإنترنت وانقطعت الكهرباء وأغلق النظام المصرفي، ولا أحد يعرف حقيقة ما يحدث في أعماق تيغراي.

لقد قلت الحقيقة بناء على ما رأيته وسمعته، وآمل أن يرسل الناس هيئة مستقلة للتحقيق.

شهادة طبيب لم يكشف عن هويته:

لمدة يومين أو ثلاثة أيام قبل بدء القصف في حميرة كنا نستقبل إصابات من القوات الفيدرالية والإقليمية وكذلك المدنيين، وكانت الإصابات جراء طلقات نارية وأسلحة ثقيلة، لكن الأعداد لم تكن مرتفعة.

وتغير ذلك عندما بدأ القصف من قبل إريتريا والجيش الإثيوبي، حتى أنه كان هناك انفجار أمام المستشفى.

وجميع ضحايانا حاليا من المدنيين، وقد استقبلنا حوالي 200 ضحية في أحد الأيام في العنبر الذي أعمل به، وقد لفظ ما يقرب من 50 منهم أنفاسه الأخيرة عند وصولهم المستشفى، وكان الشبان ينقلون الجرحى في الباجاجس (توك توك دراجة نارية أجرة)، وكان هناك نقص في الأسرة، ورقد بعض المرضى على أرض المستشفى والبعض الآخر في الخارج.

تيغراي
AFP
تضررت المباني من جراء القصف في حميرة ، بما في ذلك هذا الفندق والمطعم

وكان لدينا قبل بدء النزاع ما يقرب من 200 مريض تم قبولهم في المستشفى بسبب أمراض مختلفة، وقد قدم الكثير منهم أسرتهم للجرحى وساعدوا في العناية بهم.

لكننا كأطباء لم نتمكن من فعل الكثير لإنقاذ الأرواح حيث لم يكن هناك دم في بنك الدم وكان هناك الكثير من المصابين، ولم يكن بوسعنا سوى القيام بالأشياء الأساسية، مات المرضى أمام أعيننا، وقد عملنا حتى حوالي الساعة العاشرة من مساء ذلك اليوم.

قرر بعض العاملين بالمستشفى الذهاب إلى أديباي لأن الوضع لم يكن آمنا بينما قرر آخرون البقاء، وذهبت إلى أديباي ورتبنا وسيلة نقل لأخذ بعض المرضى معنا، وكان بينهم 6 جنود من الجيش الإثيوبي.

وبدأنا العمل في المستشفى في أديباي في الصباح، وكان لدينا 10 مرضى جاؤوا من حميرة.

شهادات من إقليم تيغراي الإثيوبي ترد لأول مرة وسط التعتيم الإعلامي

السلطات الإثيوبية تلاحق قادة جبهة تحرير شعب تيغراي

آبي أحمد يعلن"السيطرة التامة" على عاصمة إقليم تيغراي

زعيم إقليم تيغراي: آبي أحمد لا يفهم من نكون

دبرصيون جبرميكائيل الرجل الذي يقف في قلب الصراع في تيغراي بإثيوبيا

كانت هناك أم أحضرها ابنها، وكانت تعاني من إصابات في بطنها، وكانت تنزف وأمعاؤها تتدلى من بطنها، وكان ابنها قويا فقد أحضرها من حميرة على متن دراجة نارية، ولا أعرف ما إذا كانت لا تزال على قيد الحياة، وقد أمكنني فقط تقديم الإسعافات الأولية الأساسية لها.

واعتنينا بالمرضى في المستشفى لمدة 3 أيام، ثم جاء الجيش الإثيوبي وأخذ الجنود الذين كنا نعالجهم.

تيغراي
AFP
استخدم بعض السكان مركبات التوك توك لنقل الجرحى من المدنيين لتلقي العلاج

وكان الجيش الإثيوبي يطلق النار أيضا على المدنيين في أديباي، فاضطررنا إلى الذهاب والاختباء في مكان بالقرب من أديباي، لكننا اعتدنا القدوم في المساء لعلاج المرضى في المستشفى.

وفي اليوم الخامس أيقنا أن المكان لم يعد آمنا، واضطررنا للذهاب إلى السودان، وقد تركنا المضادات الحيوية والأدوية الأخرى التي أحضرناها من حميرة مع اثنين أو ثلاثة من الموظفين الذين كانوا في المستشفى في أديباي.

"يد مقطوعة"

سار بعض الأشخاص لمدة 4 أيام للوصول إلى السودان، لكنني كنت محظوظا لأنني كنت على اتصال بسائق دراجة نارية أخذني وزوجتي عبر الحدود فوصلنا إلى الحميدية في يوم ونصف.

وعندما وصلنا رأيت شابا مصابا بجروح في رأسه ويده مقطوعة، وقد أخبرني أنه من ماي كادرا، وقدأعطيته الدواء لمدة 5 أيام.

تيغراي
AFP
اللاجئون الإثيوبيون في السودان بحاجة ماسة إلى معرفة أخبار الوضع في بلادهم

لقد رأيت العديد من الأشخاص هنا، وجميعهم من تيغراي، يعانون من إصابات خطيرة نتيجة الهجمات في ماي كادرا، لكنني كنت أفتقر إلى المعدات الطبية لعلاجهم. (تقول لجنة حقوق الإنسان الإثيوبية التابعة للحكومة إن حوالي 600 شخص، معظمهم من عرقية الأمهرة، قتلوا على أيدي الميليشيات الموالية لجبهة تحرير شعب تيغراي في ماي كادرا).

أنا حاليا في مركز اللاجئين في أم ركوبة التي تبعد حوالي 8 ساعات بالسيارة من الحميدية، وهنا يأتي سودانيون للعلاج حيث يعاني معظمهم من الإسهال والتهابات الصدر.

وأخبرناهم أننا سنقدم لهم الخدمة الطبية، لكنني أشعر بالألم عندما أفكر في المرضى في الوطن حيث يحتاج بعضهم إلى الأكسجين كل يوم ويحتاج البعض الآخر إلى العلاج من جروح ناجمة عن طلقات نارية، تخيل .. لقد تُركوا ليموتوا.

يجعلني ذلك أشعر بالذنب، كما يجعلني أشعر بالحزن الشديد.