شورنوخ (ارمينيا) : قيل لستيبان موفسيسيان إن منزله ما زال في أرمينيا لكن نصف حظيرة البقر المرفقة به تقع الآن في الأراضي التي تسيطر عليها أذربيجان بعدما أدت حرب العام الماضي إلى تغيير جذري في الحدود بين الدولتين السوفياتيتين السابقتين.

يقول حارس الغابات السابق (71 عاما) فيما يقف في فناء منزله الامامي "يظهر نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس) أن الحدود تمر من هنا. لكن كيف يمكن أن يكون الأمر كذلك؟".

على مسافة أمتار قليلة، يراقب حارسان أرمينيان مزودان بندقيتي كلاشنيكوف، الحدود بشكل مستمر.

إلى جانبهما لافتة موضوعة حديثا تقول إنك تدخل أذربيجان وخلفها يرفرف علم الدولة فوق معسكر مراقبة الحدود.

حتى أشهر قليلة، كان أقرب وجود أذربيجاني في شرق قرية شورنوخ التي تبعد عشرات الكيلومترات.

وبين الجانبين، تقع أراضي إقليم ناغورني قره باغ الذي سيطر عليه المقاتلون الأرمن بعد حرب اندلعت قبل 30 عاما عقب انهيار الاتحاد السوفياتي.

لكن ميزان القوى انقلب بعد ستة أسابيع من القتال الذي اندلع في سبتمبر الماضي فيما شهدت أرمينيا صراعا للموافقة على تسليم مساحات شاسعة من الأراضي إلى أذربيجان.

فقد أدى اتفاق لوقف إطلاق النار توسطت فيه روسيا، للعودة إلى الحدود المعترف بها دوليا بين البلدين والتي كانت موجودة لعقود على الورق فقط.

في شورنوخ، تم رسم الحدود بشكل مبهم على طول الطريق الذي يمر وسط هذه القرية الزراعية الفقيرة التي تضم 28 عائلة.

وعبر الحدود، تراقب القوات الأرمنية والأذربيجانية بعضها بعضا بقلق. وبين المعسكرين، وحدة روسية من حرس الحدود مع ناقلة جنود مدرعة.

ينظر الى منزله المهجور من شرفة جاره

وعلى الجانب السفلي من القرية، طالبت أذربيجان بعشرات المنازل وأجبرت العائلات الأرمينية التي عاشت هناك على المغادرة.

ويوضح المزارع خاتشيك ستيبانيان "جاء جنرال أذربيجاني وقال إنها أرضهم". انتقلت عائلته إلى منزل أحد الجيران على الجانب الآخر من الطريق وهي تنظر من النافذة كل يوم إلى المنزل المهجور الذي تركته على مسافة أمتار.

ويقول ستيبانيان "إنه شعور مؤلم بالطبع. هذه أرض أرمنية، وعلينا الآن أن نعيش مع أعدائنا في الجوار".

وتحديد صاحب كل قطعة صغيرة في هذه الأرض، مهمّة متنازع عليها بشدة.

ويعود جزء كبير من المشكلة إلى قرن، عندما رسم القادة السوفيات الحدود على الخريطة دون أدنى اعتبار للعداوات القديمة أو الادعاءات التاريخية.

عاشت العائلات الأذربيجانية في المنازل المتنازع عليها حتى أواخر الثمانينات، لكنها غادرت مع تفاقم التوتر في جمهوريات الاتحاد السوفياتي إضافة إلى عودة التوتر العرقي في كل أنحاء المنطقة.

ويصر سكان شورنوخ على أن القرية بكاملها يجب أن تكون في أرمينيا بموجب الخرائط السوفياتية القديمة.

لكن الجانب الأذربيجاني استخدم تقنيات أكثر حداثة لرسم خرائط مستعينا بالأقمار الاصطناعية لتحديد المكان حيث يقول إن الحدود يجب أن تكون، وقد تمكن حتى الآن من الحصول على مراده.

لا يستطيع مسؤول القرية هاكوب أرشاكيان احتواء مرارته جراء الانقلاب المفاجئ في الأقدار.

غادر منزله ليعيش في مكتبه

واقفا على نتوء صخري، أطلق مجموعة من الكلمات البذيئة عند رؤيته أحد حرس الحدود الأذربيجانيين على مسافة قريبة تحته.

فقد اضطر أرشاكيان أيضا لمغادرة منزله وهو يعيش حاليا مع زوجته وابنته في مكتبه. ويقول "إن الامر يسبب لك شعورا بالاختناق... عشنا هناك أكثر من ثلاثين عاما. كانت حياتنا وكل ذكرياتنا".

وتقوم الحكومة الأرمينية ببناء منازل جديدة للنازحين في القرية، لكن القرويين يصرون على أنهم يريدون استعادة أراضيهم القديمة.

وفي حين لم يتم الإبلاغ عن أي عنف حتى الآن، لكن أصغر حادث سيتطلب وساطة دولية ومن الصعب رؤية كيف يمكن استدامة الهدنة الحالية.

ويوضح أرشاكيان "ذات يوم عبر خنزير شخص ما إلى الجانب الآخر. وتوجّب على حرس الحدود الارمنيين والروس والأذربيجانيين الموافقة على عملية مراقبة مشتركة بعدما سمح للمالك بالذهاب وإحضاره".

لكن حتى لو سمح للسكان بالعودة إلى منازلهم، فإن وجود القوات الأذربيجانية على مقربة منهم قد جعل القرية متوترة.

تقول نوني زوجة أرشاكيان وهي مدرّسة رياضيات في مدرسة القرية "بالطبع إنه أمر مخيف أن يكونوا قريبين جدا. إنه أمر مخيف للجميع".

ويمنح وجود القوات الروسية بعض الطمأنينة لكن نوني عبرت عن قلقها في حال مغادرتها. وتوضح "لا أعرف ماذا سيحدث إذا غادروا. لا أعرف كيف ستكون الحياة حينها".