ايلاف من الرياض: الكاتب والأديب ابراهيم العريس ممن كتب في العديد من الصحف العربية وكبت في كل المجالات من فن وفلسفة وتاريخ وشعر، وصف ايلاف بالمغامرة المدهشة، وقال لإيلاف :كان ذلك قبل عشرين عاما ونيّف. كان كأنه الأمس القريب تماما.

كنا مجموعة من أصدقاء متحلقين من حول عثمان العمير في مدينة جنوبية فرنسية نشارك في مهرجان فيها.

أسرّ اليّ واحد من الحضور همسًا يومها أن العمير في صدد إصدار مجلة إلكترونية سيسميها "إيلاف".

لم أفهم في البداية شيئًا لكن حين شُرح لي الموضوع ببضع عبارات كان لا بد من أن ادرك ما يجري. فنظرت الى الصديق عثمان نظرة تشجيع لا تخلو من إشفاق. ولم تكن نظرتي تعكس كثيرا ما كنت أفكر فيه. في سريرتي كنت أقول: لا بأس سيغامر بضعة أشهر ثم ينتهي الأمر!

كنت مثل كثر غيري من "مخضرمي" الصحافة العربية وغير العربية واثقا من أن الصحافة الورقية وجدت لتبقى وأن تلك الإلكترونية لن تكون أكثر من حدث عارض. لذلك لم أعر الأمر التفاتا حقيقيا وغيرت الحديث!

اليوم ها هي عشرون عاما قد مضت منذ أصدر عثمان العمير العدد الأول من "إيلاف" التي أتت قبل أية صحيفة عربية أخرى من نوعها وربما واحدة من أوائل الصحف الإلكترونية في العالم.

وها هي إذ كانت متفردة تكاد تكون مغامرة بلا غد حينها، تحلق الآن من حولها مئات المواقع والمجلات المشابهة والمقلدة في وقت انهارت فيه كل تلك الصحف الورقية التي دائما ما شكلت متعة حياتنا ومبرر وجودنا. ولئن كانت "إيلاف" يوم ظهورها علامة أساسية على أزمنة تتغير وعالم يولد من رحم عالم يموت، باتت اليوم تشكل القاعدة ليصبح استمرار صحيفة أو مطبوعة ولو متعرجة، ودائما في أيامنا هذه متعرجة، إستثناء يذوي مع الأيام. ففي خلال عشرين سنة لم تختف الصحافة الورقية عمليا، لتحل محلها بديلتها الورقية، بل اختفى عالم بأسره بعاداته وتقاليده وأحلامه وقيمه.

فهل أقول هذا بحزن أو بشماتة أو بانتقاد أنا الذي لا أجد مفرا من الإنضمام اليوم الى هذا العالم الجديد متأخرا عن صديقي عثمان نحو عقدين من الزمن، أم تراني أقوله بما يشبه الحياد ولا سيما إذ أتذكر أن ما مات هو طريقة وصول الصحيفة الى قرائها، لا الكتابة والصحافة أنفسهما. فإيلاف والمواقع والمجلات التي حذت حذو إيلاف لا تزال تقدم وتنشر ما نكتبه، تماما كما أن الشاشات المنزلية لا تزال اليوم تقدم وتنشر ما يبدعه السينمائيون.

أما المشكلة ففينا نحن الذين أشفقنا على عثمان العمير ذات يوم معتقدينه مغامرا فإذا به متآخيا مع المستقبل، ينظر الى الأمام فيما نحن كنا لا نزال نخادع أنفسنا... لكن الفارق هو أن الزمن الحالي لا يعطي مهلة لأي أحد يريد أن ينظر الينا نحن نظرة إشفاق حين يرانا ما نزال نحلم بالصحافة الورقية ونبحث عنها يائسين.

طوني فرنسيس : تحية للمغامرة وصاحبها

كانت "مغامرة مجنونة" كما قال كثيرون من اهل المهنة . لكن " إيلاف " انطلقت في مثل هذا اليوم قبل ٢٠ عاماً وسجلت اول هبوط عربي على سطح الصحافة الإلكترونية. قبلها كانت صحف في الخليج العربي ولبنان تتلمس طريق الصناعة الجديدة عبر نشر المكتوب الكترونياً. وقبل الصحف العربية تلك كانت صحف اخرى في بريطانيا والسويد وأميركا قد اقتحمت الميدان، لكن"إيلاف" سجلت انها الصحيفة العربية الإلكترونية الأولى من دون ارتباط بصحيفة مطبوعة .

كانت التجربة خاضعة لإمتحان الصمود والاستمرار أو الاندثار والفناء . فهي جديدة وأولى في العالم العربي الذي دخل عالم الانترنت والأجهزة المحمولة قبل سنوات قليلة . والصحافة المكتوبة كانت في عزِّ تألقها ، تتنافس مع المرئي والمسموع ولا تقلق كثيراً الى المولود الإلكتروني الجديد . لكن كما حصل في التنافس بين الصحافة والراديو ثم بين الراديو والتلفزيون وفي كل الأوقات بين المكتوب من جهة والمرئي والمسموع من جهة أخرى ، فإن الطفل حديث الولادة سيكون منافساً أشد قوة لوسائط الإعلام السابقة ، والصحافة المكتوبة خصوصاً .

ونجحت "ايلاف" من دون"الأم" المطبوعة لأنها اخذت من الصحافة صحفييها ومن الإعلام مبرر وجوده : نشر المعلومة وتعميم المعرفة بالوقائع، والمعرفة هي سلاح العصر .

صمدت "ايلاف" واستمرت، وهذا الرجل الشاب الذي التقيته قبل ثلاثين عاماً في مكاتب "الحياة" في لندن وضع فيها من حيويته ورؤيته السباقة الكثير كي لا أقول كل رهاناته... ونجح.

في مرور عشرين عام على ولادة نجمة الصحافة الالكترونية تحية لها ولعثمان العمير رفيق الدروب الجديدة.