إيلاف من بيروت: ما عاد خفيًا على أحد، حتى على أعتى المدافعين عن حزب الله، أن هذا الحزب التابع مباشرة لولاية الفقيه في إيران يجر لبنان إلى خراب ما بعده خراب، من دون أن يأبه لما سيصيب الشعب اللبناني المنكوب اليوم، بعد عام على تفجير المرفأ، وبعد سلسلة من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والصحية.

اليوم الجمعة، شهد لبنان – مكرهًا طبعًا - تراشقًا صاروخيًا بين الجيش الإسرائيلي وعناصر حزب الله في الجنوب اللبناني، حيث رد حزب الله بالصواريخ على غارات جوية نفذتها إسرائيل الخميس على مناطق متفرقة في جنوب لبنان.

ومن دون أي خرق يذكر، صب حزب الله قذائفه في "مناطق مفتوحة"، فيما أتى الرد الإسرائيلي أيضًا في "مناطق مفتوحة"، وكأن ثمة توافق بين الطرفين على تحمية الجبهة من دون الدخول في معارك حقيقية، إلا ما صدر عن إسرائيل من تهديد لحزب الله والدولة اللبنانية إن استمر إطلاق الصواريخ على شمالها.

ما بعد المسرحية

هدأت مسرحية الجبهة، لكن ما جرى بعدها ينذر فعليًا بما هو أقسى من حرب مع إسرائيل، ويبين أن حزب الله فقد أغلبية البيئات التي حضنته في السابق.

فعلى إثر إطلاق حزب الله صواريخه باتجاه مزارع شبعا وإسرائيل انطلاقاً من بلدة شويا في حاصبيا، هاجم أهالي البلدة شاحنة ثبتت عليها راجمة صواريخ أطلقت منها، ونجحوا في السيطرة عليها، وعلى سيارة أخرى كانت ترافقها، وقبضوا بالقوة على عناصر حزب الله الذين أطلقوا الصواريخ، معلنين رفضهم القاطع تحويل بلدتهم إلى منصة إطلاق صواريخ إيران على إسرائيل، وتحويل عائلاتهم إلى دروع بشرية.

فالجميع يعلم أن إسرائيل تستهدف المنطقة التي يتم منها إطلاق الصواريخ، وهذا يعرض المناطق السكنية لخطر الغارات.

استمر الإشكال بين أهالي شويا وعناصر حزب الله ختى تدخل الجيش اللبناني، الذي عمد إلى مصادرة راجمة الصواريخ، واعتقال عناصر حزب الله الذي تعرضوا لغضب أهالي البلدة وشتائمهم.

إنكار ما قاله حزب الله

بعد هذا الإشكال، أعلن حزب الله في بيان: "عند الساعة 11:15 من ظهر اليوم الجمعة، ردت المقاومة الإسلامية على الاعتداءات الصهيونية على لبنان باستهداف محيط مواقع العدو الاسرائيلي في مزارع شبعا بصليات صاروخية من مناطق حرجية بعيدة تماماً عن المناطق السكنية حفاظاً على أمن المواطنين، ولدى عودة المقاومين من عملهم وأثناء مرورهم بمنطقة شويا في قضاء حاصبيا، أقدم عدد من المواطنين على اعتراضهم".

وأكد حزب الله أن المقاومة كانت ولا تزال وستبقى "من أحرص الناس على أهلها، وعدم تعريضهم لأي أذى خلال عملها المقاوم، وهي التي تدفع الدماء الزكية من شبابها لتحافظ على أمن لبنان ومواطنيه".

إلا أن الشيخ يحيى التيماني، أحد أهالي البلدة، وأول من نشر فيديو مصادرة راجمة الصواريخ في شويا، نفى ما أعلنه حزب الله ونقلت عنه تقارير إخبارية قوله: "جاءت الشاحنة منذ الصباح الباكر إلى منطقة شويّا فوق حاصبيا تحت شبعا مباشرة، ومرت بين البيوت إلى منطقةٍ تُسمّى خلة حما. هناك بعض البيوت المسكونة بينها بيتي، وركنت هناك وبدأت بإطلاق الصواريخ".

أضاف: "أطلقت 21 صاروخًا من الراجمة. عندما سمعنا إطلاق الصواريخ ركضنا في اتجاه مكان الإطلاق بعد أن أبلغنا أشخاص من منطقة مطلة على مكان إطلاق الصواريخ وانهم في طريقهم الى هناك. ذهبنا في إتجاههم فنزلوا من السيارة، وقالوا: ’نحن من حزب الله لا تتعاطوا معنا‘. لكننا لم نصغِ، فأرواح عائلاتنا وأولادنا ’بالدق‘ (مهددة) ونحن لا نرحم أحداً. اكلو نصيبهم وكُسرت سياراتهم. جاءت مخابرات الجيش وسحبت العناصر".

لتحكيم العقل.. ولكن!

عمدت قيادات في منطقة حاصبيا وقيادات تابعة للحزب التقدمي الاشتراكي وحزب الله على معالجة ذيول إشكال شويا. زغرّد رئيس "الاشتراكي" وليد جنبلاط عبر حسابه على "تويتر": "بعد الذي حدث في الجنوب وفي شويا بالتحديد نتمنى ان نخرج جميعًا من هذا الجو الموتور على التواصل الاجتماعي وان نحكم العقل ونعتمد الموضعية في التخاطب بعيدا عن التشنج".

إلا أن الاشكالات توالت، إذا قام شبان تابعون لحزب الله بطرد مواطنين من حاصبيا كانوا يبيعون تينًا في سوق صيدا، غير أن أبنا منطقة صيدا رفضوا هذه الممارسات الشاذة، رافعين شعار "صيدا للجميع".

كما نشجب شجار في عاليه بين عناصر تابعة للحزب التقدمي الاشتراكي وأخرى لحزب الله كانت تمر في المنطقة في سيارات نقل عام، أسفر عن تحطيم بعض السيارات التي كانت تقل عناصر حزب الله.

عمالة!!

ما أجج الإشكالات هو إطلاق ذباب حزب الله الإلكتروني نعوت "العمالة" و"صهاينة الداخل" على أهالي شويا في تغريدات على تويتر، وإطلاق الذباب نفسه سلسلة من الشائعات عن إشكالات مسلحة بين حزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي في مناطق مختلفة، الأمر الذي نفته الأجهزة الأمنية بشدة.

ربما آن الأوان ليعرف حزب الله أنه لم يعد ينطلق في نشاطه "المقاوم" من بيئة لبنانية تحضنه، بل من بيئة تشجب أعماله، وأجندته الإيرانية التي لا صلة لها بالمصالح الوطنية اللبنانية. فبلدة شويا من أوائل البلدات المقاومة ضد إسرائيل، في ايام جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، قبل أن يصادر حزب الله الحق في مقاومة إسرائيل ويحوله ورقة إقايمية ودولية، تخدم إيران في حربها مع العالم وفي سلامها معه.