قال محللون إن شبكة الميليشيات الإيرانية عززت استقلالها المالي فيما تواجه الجمهورية الإسلامية مشكلات اقتصادية أنتجت حراكًا احتجاجيًا عارمًا.

إيلاف من بيروت: اعتقل الجيش اللبناني 20 شخصًا في شمال البقاع وصادر منهم 18500 لتر من البنزين كانوا يتوجهون بها إلى سوريا بين 8 و12 يوليو. ومنذ أشهر، منع الجيش اللبناني تهريب الوقود على طول الحدود اللبنانية السورية المليئة بالثغرات، خصوصًا في منطقة الهرمل التي يسيطر عليها حزب الله، وصادر خلال يونيو ويوليو عشرات الأطنان من الغاز والديزل المدعومين أثناء تهريبها إلى سوريا، بحسب معلومات نشرتها وكالة الأنباء الوطنية اللبنانية.

يقول الصحفي نيكولا فراكيس، في مقالة عنوانها "الشبكة الإيرانية" نشرها موقع "ناو ليبانون"، أن معارضي حزب الله لا يتهمونه بالسماح بالتهريب فحسب، بل بالمشاركة في هذا التهريب وسيلةً للتمويل الذاتي في ظل أزمة اقتصادية إيرانية خانقة. وهذا ما ينفيه حزب الله.

أزمة إيران

حدت الأزمة الإيرانية الاقتصادية من حجم الأموال التي تستطيع طهران إرسالها إلى شبكة ميليشياتها المتنامية باستمرار في المنطقة، ما أجبر هذه الميليشيات على إيجاد وسائل تمويل بديلة. في هذا الإطار، نسب "ناو ليبانون" إلى المحلل الإيراني أراش عزيزي قوله: "شعروا بعمق الأزمة على الاقتصاد الإيراني. فحتى لو كنت إيران تسيّر هذه المجموعات، يمكنها أن تطلب منهم جني أموالهم الخاصة، فالعلاقة ليست أحادية الجانب".

هذا التمويل الذاتي دفع حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق إلى التوسع في الأعمال المصرفية والتهريب، ومساعدة أحدهما الآخر، كما يقول فراكيس. وتقول يارا أسمر، الخبيرة في شؤون إيران وشبكتها المسلحة، للموقع نفسه: "تتدخل إيران بشكل مباشر في العراق وتوفر جميع الموارد اللازمة لدعم وتمويل الميليشيات المدعومة من الحشد الشعبي".

لكن، بعد انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب من الاتفاق النووي، بدأ واحدة من أكثر حملات العقوبات قسوة ضد إيران، ما أدى إلى شل اقتصادها، وإلى تراجع كبير في قدرتها على تمويل شبكة ميليشياتها في العراق ولبنان ومناطق أخرى في العالم.

تضيف أسمر: "أوقفت إيران تمويل صندوق دعم الشهداء الذين قتلوا في قتال داعش بالعراق، وما يفعله الحشد الشعبي وحزب الله العراقي والميليشيات الشيعية الموجودة في الحشد الشعبي هو استخدام أنواع معينة من القروض، في مؤسسات تشبه مؤسسة القرض الحسن التابعة لحزب الله في لبنان".

وبحسب أسمر، يدفع الناس وديعة بالدينار العراقي، ويحصلون في المقابل على قرض بالدولار الأميركي. لكن المبلغ الذي يتعين عليهم سداده أعلى بشكل فلكي مما اقترضوا، "وبهذه الطريقة تكسب الميليشيات المال لإعالة أسر الشهداء"، كما تقول.

إلى ذلك، أفادت "فرانس برس" بأن الحشد الشعبي يستخدم سطوته على بعض الموانئ والمعابر الحدودية العراقية لابتزاز الناس.

لحزب الله طرقه

لسنوات عدة، تم توجيه الاتهام لحزب الله بتهريب المخدرات إلى أوروبا وأميركا اللاتينية. يقول عزيزي: "يستخدم حزب الله صلاته بالشتات اللبناني في أفريقيا وأمريكا اللاتينية، وهي مناطق يتمتع فيها بحضور واسع ونفوذ كبير، ما يؤهله لجمع الأموال"، وفقًا لما يكتبه فراكيس في "ناو ليبانون".

في الآونة الأخيرة، حظرت السعودية استيراد المنتوجات الزراعية اللبنانية بسبب الملايين من أقراص الكبتاغون المخدرة التي اكتشفتها قوات الأمن السعودية مخبأة في شحنات الفاكهة والخضار على مدى السنوات القليلة الماضية. وقد اتهم حزب الله بالوقوف وراء عمليات التهريب هذه، خصوصًا بعد أن داهم الجيش اللبناني مصنعي كبتاغون في قرية بوداي في سهل البقاع، التي يسيطر عليها حزب الله.

كما استخدم الحزب صلاته القوية بمكاتب الصرافة في جميع أنحاء لبنان وسيلةً لاستغلال الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، ونقل البضائع المدعومة من لبنان إلى سوريا لبيعها مقابل ربح كبير.

ويستفيد حزب الله أيضًا من تراجع قيمة الليرة اللبنانية باستخدام مكاتب الصرافة التي يديرها، مستخدمًا الدولارات التي يجنيها لدعم عملية تهريب الوقود وغيرها من السلع المدعومة إلى سوريا.

وأسر مصدر مصرفي لـ "فرانس برس" في يونيو الماضي أن الحشد الشعبي أرسل إلى حزب الله نحو 60 مليون دولار على مدار عقدين تقريبًا. مع ذلك، تقول أسمر أن هذا مبلغ ضئيل لأن موارد الحشد الشعبي محدودة.

مسارات غير قانونية

تقول أسمر إنه مع تراجع التمويل الإيراني، تضطر الميليشيات الإيرانية لإيجاد وسائل أخرى لكسب المال، فتسلك مسارات غير قانونية لتحقيق هدفها.

تضيف: "النظام الذي تعمل هذه الميليشيات فيه، في العراق أو في لبنان، يتفكك لأسباب عديدة، لذا ستجد دائمًا طرقًا لممارسة المزيد من الأنشطة غير القانونية أو الإجرامية لتوليد الدخل".

لكن، على الرغم من نجاح الحشد الشعبي وحزب الله في جني الأموال بشكل مستقل عن إيران، ما زال هذا التمويل غير كافٍ، ما يجبرهما على الاستمرار في الاعتماد على طهران. وبحسب عزيزي، ربما تكون إيران في أزمة، لكنها لا تزال دولة، فيها موارد وحسابات مصرفية، أكبر كثيرًا من موارد الميليشيات، مشيرًا إلى أن قدرة هذه الجماعات على تعزيز استقلاليتها محدودة، "لسبب بسيط، وهو أنها ميليشيات متورطة في أعمال مكلفة جدًا، ولا شيء يحل محل خزائن الدولة الإيرانية".

لكنه يعتقد أنه إذا استمرت مشكلات إيران الاقتصادية في التفاقم، واستمرت طهران في إعطاء جزء كبير من مواردها المالية لميليشياتها في العراق ولبنان، "فقد يؤدي ذلك إلى هلاك النظام الإيراني، وبالتالي هلاك العديد من هذه الميليشيات".

يرى عزيزي أن إيران قد تصبح مثل الاتحاد السوفياتي الذي رزح تحت عبء التزاماته الدولية، "وقد يثبت أن هذه الشبكة الواسعة من الميليشيات الشيعية التي كانت إرثًا مميزًا لآية الله خامنئي قد أصبحت عبئًا كبيرًا على الجمهورية الإسلامية وتساهم في تفككها وانهيارها".


أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن موقع "ناو ليبانون".