إيلاف من الرياض: على حركة طالبان طمأنة الشعب الأفغاني، أولاً أنها تغيرت عن الماضي وأصبحت تتبنى أفكارًا جديدة منفتحة في محور الدين الإسلامي والمعتقدات والتقاليد الأفغانية. هكذا يصف الدبلوماسي الأفغاني، سفير جمهورية أفغانستان السابق لدى المملكة، سيد جلال كريم، سيل التطمينات المقدمة من قبل الحركة، مؤكداً أن الوعود التي قدمتها طالبان تظهر تغيرها عما كانت عليه قبل عقدين.

لم يخفِ الدبلوماسي الأفغاني، في حوار مع " إيلاف" من الرياض، أن الحكومة الجديدة في البلاد ستشكل تحديات للشعب الأفغاني؛ لكنه في الوقت ذاته راهن على التعاون الداخلي، وعمل الأطراف كافة سواء "طالبان" أو زعماء الأحزاب السياسية ومن وصفهم بالتكنوقراط لإخراج البلاد التي مزقتها أتون الحرب من عنق زجاجة الأزمات.

يرى أنه بحسب وعود حركة طالبان فإن أفغانستان الجديدة ستكون محايدة وتعمل على تعزيز وتوطيد علاقاتها مع مختلف دول العالم، وبخاصة جاراتها التي هن بحاجة إلى تطمينات، وأن الحكومة الانتقالية ستكون شاملة وستعمل على كسب الدعم الدولي من أجل الشراكة مع كابل الجديدة.

السفير الأفغاني السابق لدى المملكة قال: "إنه كان على الأميركيين مفاوضة طالبان منذ البداية دون استخدام لغة الحرب والقتال معها؛ لأن الحركة جزء من النسيج الأفغاني ولها قاعدة شعبية هناك" مشدداً على أن أفغانستان لم يكن يومًا القتال في صالحها ولم تحل مشكلاتها عبر القتال والحرب.

وعزا جلال أسباب الانهيار السريع في صفوف الجيش الأفغاني أمام حركة طالبان إلى انشغال قادة الجيش بخلافاتهم الشخصية، وعدم اتحادهم، ووضع استراتيجية موحدة؛ لقتال طالبان.

الأمر الذي بدوره أثر على كفاءة الجيش، إضافة إلى انهيار معنويات الجنود؛ بسبب عدم حصولهم على رواتبهم لمدة تقارب عامًا، وافتقاد دعم قياداتهم لهم، مبينًا أن الجيش فقد ثقته في الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني وحكومته بفعل الفساد الذي نخر أجهزة الدولة.

وعن القبول الدولي لطالبان، بين أن المجتمع الدولي سيكون لهم شروطهم الخاصة، "ونحتاج أن نرى هذه الشروط! وكيف تستطيع طالبان التفاوض في ذلك"، مشيراً إلى أن تجربة طالبان السياسية وخبرتها العملية تغيرتا بشكل إيجابي وملحوظ.

في ما يلي تفاصيل الحوار:

كيف ستصبح علاقات أفغانستان بمحيطها الإقليمي – الدولي؟

بحسب وعود حركة طالبان، فإن أفغانستان الجديدة ستكون محايدة وتعمل على تعزيز وتوطيد علاقاتها مع مختلف دول العالم، وفي الصعيد الأول جاراتها التي تحتاج إلى تطمينات من الحكومة الجديدة ووعدت الحركة بأن الحكومة الجديدة ستكون شاملة وتعمل على كسب دعم دولي يستثمر في أفغانستان وبنيتها التحتية، وستشارك المجتمع الدولي في محاربة الإرهاب والتطرف ومكافحة المخدرات والجريمة المنظمة، فهي ستشكّل تحديات للأفغان ولكن بالتعاون الداخلي، إضافة إلى عمل كافة الأطراف الأفغانية من طالبان والقادة الأفغان وزعماء الأحزاب السياسية والتكنوقراط، لإخراج أفغانستان من أزماتها التي تعيشها من الفساد والاستغلال الوظيفي ومحاربة الجماعات الإرهابية الأجنبية، وهذا بالطبع يتطلب دعماً دولياً من أجل الشراكة مع أفغانستان الجديدة في مواجهة هذه الملفات.

ليس سوء تقدير

كيف ترون ما حدث أفغانستان؟ سوء تقدير أميركي للوضع الميداني الأفغاني، أم هزيمة، أم انسحاب؟

لم يكن سوء تقدير أميركي، ولكن هذا الانسحاب جاء بناءً على اتفاقية حركة طالبان مع الولايات المتحدة الأميركية في اتفاق السلام الذي وقعته في 2020، وطالبان ترى الخروج الأميركي بمثابة انتصار لها، بأنها حاربتها عشرون عاماً ولم تستطع القوة العظمى من تحييد وتقليص نفوذ الحركة في أفغانستان ونظراً لتكاليف الحرب التي بلغت ما يقارب 2 تريليون دولار، وقتل أكثر من 2500 جندي وإصابة أكثر من 20 ألف آخرين، فترتّب على ذلك انسحاب الأميركيين من أفغانستان، أما أميركا فهي ترى بأنها لم تأتي لبناء دولة بل من أجل إيقاف القاعدة وتحييد خطرها ومنعها من استهداف واشنطن وحلفائها، واعتبرت أنها حققت ما جاءت إليه.

هناك نقطة مهمة بأن ينتهي هذا التدخل الأميركي من أفغانستان، فهي قتلت بن لادن في 2011 وكان عليها المغادرة لأن وجودها لم يكن يحدث فرقاً بعد ذلك وخصوصاً أن القاعدة أصبحت ضعيفة وقد يكون ليس لها تواجد داخل أفغانستان بل ذهبت إلى بعض دول الجوار، وكان على الأميركيين مفاوضة طالبان منذ البداية لا استخدام لغة الحرب والقتال معها، لأن طالبان جزء من النسيج الأفغاني ولها قاعدة شعبية فيها، ولأن أفغانستان لم يكن يوماً القتال في صالحها ولم تحل مشكلاتها عبر القتال والحرب، فشاهدنا بعد مغادرة السوفييت الحرب الأهلية ودخول طالبان وسيطرتها على معظم أراضي أفغانستان، ومن ثم سقوط حكومة طالبان، وأعادت الحركة فيما بعد قوتها ونظمت صفوفها وعادت للقتال ضد الأميركيين والحكومة السابقة، واستمرت الحرب حتى قبل أسبوع، فالحرب لم ولن تكن الحل لأفغانستان.

كيف تقرأ سيل التطمينات من طالبان؟

على الحركة أن تطمئن الشعب الأفغاني أولاً بأنها تغيرت، وأصبحت تتبنى أفكار جديدة منفتحة في محور الدين الإسلامي والمعتقدات والتقاليد الأفغانية، وكذلك تبعث تطمينات جديدة بأن الحركة ستشكل مع الأفغان حكومة جديدة تحترم المواثيق الدولية وحقوق الإنسان، فهي عليها أن تغيّر من صورتها المرسومة أمام العالم، وهذا ما نشاهده منذ أكثر من أسبوع حين دخولها إلى كابل حتى اليوم بأن الحركة ليست هي التي كانت في 1996، وكافة التصريحات التي تخرج من طالبان يجعلنا نطمئن ونتفاءل بالخير، وأنهم سينفذون ما وعدوا به الشعب الأفغاني من المصالحة الكاملة والعفو العام والحكومة الشاملة لكافة الأطراف بعيداً عن الفساد والمحاصصة السياسية أو القومية والمذهبية.

وعدت.. فهل تفي؟

هل يمكن القول إن جملة التطمينات المقدمة من قبل طالبان ستمحو صورتها العدائية لدى الداخل الأفغاني أم أنها خطابات مرحلية؟

طالبان وعدت بإنشاء حكومة أفغانية مستقلة شاملة تضم كافة الأطراف الأفغانية، وهنا تحتاج إلى تطمين الشعب الأفغاني، كما أن الخطوات التي اتخذتها في إعلان العفو العام عن كافة موظفي الحكومة السابقة، والمتعاونين مع القوات الأجنبية والسفارات، وطبّقت ذلك من خلال إبقائها على وزير الصحة المكلف من الحكومة السابقة بالاستمرار في عمله دون تغيير في هيكل الوزارة، بالإضافة إلى لقائهم بالطبيبات ومنحهن ضمانات بعدم التعرض لهن وإكمال أعمالهنّ دون مضايقة من أحد، وكأن شيئاً لم يكن، ورأينا أحد مسؤولي طالبان يشارك في لقاء تلفزيوني تحاوره إحدى المذيعات، ورأينا الصحافيات في كابل يتجوّلن في المدينة ويلتقين بجنود طالبان ويأخذن منهم تصريحات، والأمر ذاته مع الشباب الذين كانوا يعتقدون بأن مسألة إطالة اللحى ولبس البناطيل وغيرها قد تعرّضهم للعقوبة من قبل طالبان، وحتى الآن الأمور طبيعية وقد تكون هناك تصرفات فردية من بعض الأشخاص ولكن ليست من ضمن سياسة الحركة.

كما أن هناك انخفاض ملحوظ في عمليات السرقة والقتل التي كانت منتشرة جداً في العاصمة كابل، فهذه جميعها جملة من التطمينات من الممكن أن تعزز من صورة طالبان لدى الداخل الأفغاني، أما المجتمع الدولي سوف تكون لهم شروطهم الخاصة ونحتاج أن نرى هذه الشروط وكيف تستطيع طالبان التفاوض معهم.

عقدان من الحرب.. هل غيّرا قناعات طالبان في شؤون الحكم والسياسة؟

الوعود والتطمينات التي قدمتها حركة طالبان تظهر تغير الحركة عما كانت عليه قبل عقدين، فقد أكد ذلك المتحدث الرسمي باسم طالبان بأن الحركة من ناحية التقاليد الأفغانية والدين الإسلامي فهي لم تتغير، أما من ناحية التجارب السياسية والخبرة العملية فقد تغيرت الحركة بشكل إيجابي وملحوظ.

وشاهدنا خلال السنتين الماضيتين بأنها استطاعت الحصول على علاقات دولية متميزة مع العديد من الدول ونجحت سياسياً في تشكيل ضغط دولي على الحكومة السابقة، كما زارت الحركة عدداً من الدول وعقدت اجتماعات كثيرة مع كبار المسؤولين.

فالحركة استخدمت دبلوماسية المصالحة ورأينا نتائج ذلك منذ أكثر من عامين، ومن ضمن ذلك توقيع اتفاقية السلام مع أميركا وتحسن العلاقات مع روسيا والصين وإيران وغيرها من الدول الأوروبية، بالإضافة إلى علاقاتها المباشرة مع الأمم المتحدة.

يعاني معنويًا

لماذا تصدّر واشنطن مسؤولية ما حدث على الجيش الأفغاني بأنه لم يبنِ قدرات جيدة لمقاومة تمكنه من الدفاع عن البلاد؟

الحكومة الأميركية لم تعتقد بأن طالبان تسيطر على المناطق بهذه السرعة، وفي الوقت نفسه لم تتطرق إلى معنويات الجيش الأفغاني إذ كانوا يعانون معنوياً، فلم يتحصلوا على رواتبهم لمدة 3أشهر، فتلك كانت من أسباب انهيار الجيش الأفغاني بسرعة كبيرة، كما أن الرئيس السابق أشرف غني لم يستطع أن يدير عملية المصالحة والمفاوضات، والجيش والشعب فقدوا ثقتهم بالرئيس غني وحكومته بسبب الفساد في كافة أجهزة ومؤسسات الدولة.

بالإضافة إلى أن جنود طالبان لا يتساوون في العدد مع قوات الجيش الأفغاني فهم أقل، ولكن القيادات العسكرية في طالبان كانت متحدة وجنودها متحدون، بخلاف الجيش الأفغاني الذي كانت في داخله حروب شخصية وخلافات وعدم اتفاق على استراتيجية موحدة في قتال طالبان، مما أثر على كفاءة الجيش، والجنود كانت معنوياتهم منهارة بسبب عدم حصولهم على رواتبهم لعدة أشهر وافتقادهم الدعم الكافي من قياداتهم.

رغم وعودها بعدم الانتقام من معارضيها، ومحاولة الظهور بمظهر أكثر اعتدالاً، لكن حركة طالبان، بحسب وثيقة سرية أممية، تكثف عمليات البحث عن أفغان تعاملوا مع القوات الأميركية. إلى أي مدى تدفع حركة طالبان نحو تجنيد مخبرين للعمل لصالح نظامها للنيل من أولئك الذين عملوا وتعاونوا مع القوات الأميركية؟

نتمنى أن تلتزم حركة طالبان وعودها في هذا الأمر، وقد تكون هناك بعض الأفعال مثل هذا بشكل فردي، ولكن نأمل بألا يكون هذا عمل مؤسساتي، كما أنه لا يوجد سبب في أن نشكك في نواياهم، فهي أعلنت العفو العام عن كافة الذين عملوا مع الحكومة السابقة والقوات والسفارات الأجنبية، وليس من صالح الحركة تتبع من أعلنت العفو عنهم، لأن هذا سوف يجعلها تخسر ثقة الشعب الأفغاني أولاً، ومن ثم المجتمع الدولي، فليس من صالحها بأن تقتلهم أو تجنّد أشخاص للبحث عمن عملوا مع القوات الأجنبية وسفاراتها أو حتى موظفي الحكومة السابقة، لأن هؤلاء مستقبل أفغان فهم لديهم عقليات وأفكار تساعد في تنمية وتطوير البلد، وتعلم طالبان بأنها تحتاج إلى هذه العقول من أجل مساعدتها في تغيير وضع الشعب الأفغاني وتطوير البلاد، وكذلك الحركة تحرص على بقاء هذه العقول وعدم مغادرتها البلاد.

لا تهديد

عطفاً على السؤال السابق، كيف ستشكل هذه الخطوة خطراً أكبر على أجهزة الاستخبارات الغربية في قدرتها على التصدي لـ(طالبان) وتنظيم (داعش) والتهديدات الإرهابية الأخرى خلال المستقبل؟

أعتقد أنه وبحسب الاتفاقية التي وقعتها طالبان مع الولايات المتحدة الأميركية والشروط المذكور فيها فإن طالبان لن تشكّل تهديداً بعد اليوم على الدول الغربية أو دول الجوار والعالم بشكل عام، لأنها رأت ما حدث في 2001 وشهدت سقوط حكومتها وخسرت البلاد الكثير جداً، فهي لن تشكلّ تهديداً دولياً، بل تسعى لأن تتشارك مع هذه الدول في مكافحة الإرهاب ومنع استخدام أي جهة أراضي أفغانستان لتنفيذ هجمات إرهابية أو استهداف أي دولة في العالم، وتعهدت طالبان بذلك للمجتمع الدولي، وأميركا نوعاً ما مطمئنة من هذه الناحية.

أما داعش كما نعلم بأن طالبان كانت تحاربها ووقفت ضدها خصوصاً في شرق أفغانستان حيث كان التنظيم يتواجد فيه بكثرة، ووجدنا أن داعش قامت باغتيال قادة من طالبان في أفغانستان، ونشبت بينهما معارك شديدة طاحنة.

فلذلك تسعى طالبان والحكومة المستقبلية لأفغانستان بالحصول على دعم دولي من أجل محاربة تنظيم داعش وعدم السماح لها بالتمدد داخل أراضي أفغانستان.